شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
من القصيدة البيضاء إلى الزواج الأبيض

من القصيدة البيضاء إلى الزواج الأبيض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 17 نوفمبر 201803:16 م
حين كتب الشاعر الإيراني أحمد شامْلو القصيدة البيضاء (قصيدة النثر)، كان على علمٍ بالحرب التي ستُشنّ على قصيدته وعليه. إنها القصيدة الخنثى واللقيطة. واختصر هو بدوره مفهومها بأنْ "قد تكون قصيدة النثر رقصة لا تحتاج إلى موسيقى". وحدث للزواج الأبيض في إيران مثل ما حدث للقصيدة البيضاء؛ فقد شُنّت حرب ضدّه، غير أن من اقتنع به أخذ يقول: إنه زواج لا يحتاج إلى ورقة. بعد بحث عن الزواج الأبيض، لم أجد الكثير عنه. قوانين تصدر ضدّه وأحكام سيواجهها من يرتكب الزواج الأبيض. ليس الأمر كما تصوّرتُ، إنه أكثر غموضًا رغم صفة الأبيض فيه. بدأتُ الاتصالات مسترجعًا أصدقاء كانوا قد جرّبوا الزواج الأبيض سابقًا، لكنّهم جميعهم قرّروا السكوت واكتفوا بأنّها كانت مرحلة في حياتهم وقد مضت، وصفحة متعة قد انطوت. أكثرهم في طهران واصفهان، وهناك كانوا قد تزوجوا الزواج الأبيض. جميعهم يريدون نسيان ذلك البياض، وعدم العودة لذكرِه. عدت أبحث مرةً أخرى عن حالات مرّت بالزواج الأبيض، فوقعتُ على أكثر مما توقعته. لكن عليّ الذهاب إليهم. حددنا يومًا يجمعنا، لكنّه انكسر وسط حياتهم وزيجاتهم البيضاء. فحدّدنا يومًا آخر، وصادف اليوم المحدّد مطر شهوانيّ، ومسافة كان من المقرّر قطعُها في ساعتين، وإذا بها تتجاوز الثلاث ساعات.
حين كتب الشاعر الإيراني أحمد شامْلو القصيدة البيضاء (قصيدة النثر)، كان على علمٍ بالحرب التي ستُشنّ على قصيدته وعليه. واختصر هو بدوره مفهومها بأنْ "قد تكون قصيدة النثر رقصة لا تحتاج إلى موسيقى". وحدث للزواج الأبيض في إيران مثل ما حدث للقصيدة البيضاء.
هل الزواج الأبيض طريقُ هروب للرّجل من مسؤولياته؟ وهو مَن يحدّد الزواج الأبيض غالبًا ما، بما أنه مجرّد توافق بين طرفين لحياةٍ مشتركة لوقت محدّد؟ ماذا عن الجيل القادم؟ كيف سينظر هذا الجيل للزواج الأبيض؟ وماذا لو فكّر أحدُ الطرفين بِطفْل؟
في لحظةٍ قررتُ العودةَ، والرؤية لم تعد واضحة من شدّة المطر. إذاعة الكويت تحذّر من فيضانات، والأجواء خارجَ سيّارتي تقول إني دخلتُ الفيضان وأنا في الاهواز. وصوت امرأتين يرعد في ذهني "موافقة على الحوار". إنه قانون الزواج الأبيض يطبّق على مسافتي، فالزيجات البيضاء عادة ما تُحدّد لفترات قصيرة، وإذا بها تتجاوز المدّة المعيّنة. لقد استُخدم الحرفُ بدل الأسماء في الثّقافات الشفويّة وفي النصوص، هربًا من فضح الشخصيات، وهي أحرف ينتهي المطاف بأصحابها إلى فعلِ أحداث. في رواية "المحاكمة"، الاسم الذي اختاره كافكا لبطله كان "ك"، وهو الحرف الذي يحسده الكثير من الروائيّين، لأنه خصّ حرف "ك" لبطلِ روايته. إذاً ستغيب أسماؤهن عن النصّ، مَن دخلن الزواج الأبيض، وستغيب أسماء المدن أيضا. هل الزواج الأبيض طريقُ هروب للرّجل من مسؤولياته؟ وهو مَن يحدّد الزواج الأبيض غالبًا ما، بما أنه مجرّد توافق بين طرفين لحياةٍ مشتركة لوقت محدّد؟ ماذا عن الجيل القادم؟ كيف سينظر هذا الجيل للزواج الأبيض؟ وماذا لو فكّر أحدُ الطرفين بِطفْل؟ الزواج الأبيض (ازدِواج سِفيد بالفارسية) هو زواج عرفيٌّ دون شروط أو قيود ودون توثيق؛ اتّفاق بين رجل وامرأة ليعيشا سويّة. كنتُ كلّي ثقةٌ أنّ الزواج الأبيض ينصب في صالح الرّجل، لكن –وكما قال من دخل سماء الزواج الأبيض- "لا وجود بتاتاً للمصالح فيه". ويرى مؤيدو هذا الزواج أنّ فيه حريةُ اختيار أكثر، اجتماعيًّا وحداثةً، وفي المجمل، هو حياة في أقصى حالات السِّلم بين شخصين. وصلتُ للمدينة بعد قطع طريقٍ ماطرة. وجلستُ في نهاية المطاف أمام امرأتين جرّبتا الزواج الأبيض... يتبع.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard