شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما تبقّى من التفاصيل العربية في زنجبار وتاريخها

ما تبقّى من التفاصيل العربية في زنجبار وتاريخها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 8 نوفمبر 201803:14 م

في المرة الأولى التي وصلت فيها إلى زنجبار، رأَيتُني في المطار أنتظرُ في طابورٍ طويلٍ منَ السُيَّاح القادمين للزيارة من كل أنحاء العالم، ما جعلني أدقق في تذكرة الطائرة أكثر من مرة لأتأكد أني في المكان المنشود. فهذه الجزيرة الراسية في المحيط الهندي على كتِفِ الشرق الأفريقي يقطنها مليون ونصف إنسان ويزورها ما يقارب النصف مليون سنويًا، ما يجعل منها وجهة سياحية للعديد من محبي الجزر والشطآن في العالم، لكن اللافت في زنجبار ليس شطآنها الرحبة ورمالها البيضاء وحسب، بل الحضارة العربية التي ازدهرت فيها حتى العام 1946 وأغْنَت أهلها وثقافتهم وتركت آثارًا عمرانية وبنيوية خلابة تحكي عن قيمة الحضارة العربية عبر التاريخ.

لم يقتصر الوجود العربي على الحكم فحسب، بل أن الكثير من العرب حينها  تزوجوا من الأفارقة سكان الجزيرة وجاء جيل كبير من السكان المعروفين بالأفارقة من الأصل العربي وكان السلاطين الذين حكموها أيضًا هم من هذا الأصل، والجدير بالذكر أن الحضارة العربية لم تأت طارئًا على أهل الجزيرة ورحلت لحظة اسقاطها من الحكم، بل هي اندمجت في  مجتمعاتهم وسلوكهم ولغتهم وحتى لباسهم، فبإمكانك أن ترى اليوم "العباءة " العربية لباساً رسمياً للكثيرين والعمامة العمانية على سبيل المثال هي تقليد يرتديه العرسان يوم زواجهم في حفلة العرس كزي رسمي.

تاريخ العرب في الجزيرة

بدأ الوجود العربي في زنجبار من خلال التجار العرب (اليمنيين على وجه التحديد) الذين أبحروا مع الرياح الموسمية إلى المحيط الهندي والتي استقرت بهم على شاطيء الجزيرة، وبالرغم من أن الجزيرة حينها لم تكن تمتلك الكثير من الموارد إلاّ أنّ موقعها جعلها حلقة وصل بين الكثير من الجزر المحيطة والساحل الشرقي لأفريقيا، فازدهرت لذلك موانئها التي شكّلت حلقة وصل أساسية لتجارة التوابل والعاج وتجارة العبيد حيث كانت الجزيرة محطة أساسية لهذه التجارة الفظيعة.

ثم في العام 1698 وقعت الجزيرة  تحت نفوذ سلطنة عمان بعد تحريرها من الامبراطورية البرتغالية التي احتَلتها لأكثر من 200 عام، إثر ذلك  تطوّر نظام التجارة والاقتصاد والمحاصيل. وتم تحسين المزارع لزراعة التوابل والقرنفل والثوم، حتى أعطي لها لقب "جزيرة التوابل".

في العام 1832، نقل السلطان العماني سعيد بن سلطان عاصمته من مسقط عُمان إلى زنجبار وجعل فيها سلالته الحاكمة وطوّر النظام الزراعي باستزراع القرنفل الذي يعتبر اليوم من أهم صادرات الجزيرة، وقام العمانيون بعدها ببناء المساجد وتشييد العمارات وتعليم اللغة العربية، فبنوا مدينة ستون تاون التي تمتد  بشوارعها المعبّدة بالأحجار المرصوصة وأبنيتها العالية المطلة على المحيط حتى اليوم، وبين أزقة المدينة تنشط الأسواق التجارية التي يقصدها السُيّاح ليشاهدوا فن العمارة العربي حيث تتصل الأبنية بعضها ببعض مزينةً بقناطر على شاكلة العمران العربي القديم فيما تنشط تجارة التوابل والمنحوتات الخشبية واللوحات الفنية التي تجسد صُوَر من المدينة وأخرى إنسانية، كلَوحة لإمرأة زنجبارية تذهب الى العمل حاملة طفلها على ظهرها، وما يميّز زنجبار أيضًا هو فن الأبواب الخشبية حيث يُزيّن بيوت المدينة أبواب خشبية منحوتة بطريقة محترفة مقوَّسة تخرج منها نتوءات تشبه تلك التي تكون على بوابات المدن وهذا كله من التراث العربي الذي لا يزال موجودًا حتى اليوم.

السواحلية مع مفردات عربية

وعلى صعيد اللغة، فإن اللغة الرسمية المحلية وهي السواحلية تحتوي على الكثير من المفردات العربية في داخلها كما أن انتشار الإسلام جعل الكثير من المفردات الدينية العربية تتموضع في أصل الثقافة الاجتماعية لشعب الجزيرة، فكلمات مثل: سلام، كيفَ، صلاة، جمعة، صدقة، ربا، زكاة، فتنة، نكاح، سفر، صبر وغيرها الكثير تحمل نفس المعنى العربي في اللغة السواحلية وإن كان لفظها يختلف في بعض الكلمات، كما تحمل الكثير من الدوائر الرسمية لافتات بالعربية وكذلك جامعة زنجبار الرسمية.

عادات وتقاليد عربية حيّة

على المستوى الاجتماعي لا يزال الكثير من العادات والتقاليد العربية موجودة، رغم انتهاء السيطرة العربية على الجزيرة عام 1964 إثر إنقلاب انضمت على أثره زنجبار إلى تنجانيقا لتشكلا معًا دولة تنزانيا التي تتبع لها زنجبار اليوم، إلاّ أنّ الحالة العربية لم تنتهِ، فالمسلمون الذين يشكّلون 90% من أهل الجزيرة يحاولون الحفاظ على مواريث عربية قديمة كالأسماء، مثلاً حيث تكثر الأسماء العربية مثل  فاتوما، المشتق من فاطمة أو زينابو من زينب، آيشة من عائشة، وهافصة من حفصة، زبيبو من زبيب، أحمادي من أحمد ،ألي من علي ، جمعة، خميس وغيرها...

لكن اللافت في زنجبار ليس شطآنها الرحبة ورمالها البيضاء وحسب، بل الحضارة العربية التي ازدهرت فيها حتى العام 1946 وأغْنَت أهلها وثقافتهم وتركت آثارًا عمرانية وبنيوية خلابة تحكي عن قيمة الحضارة العربية عبر التاريخ.
لم يقتصر الوجود العربي على الحكم فحسب، بل أن الكثير من العرب حينها  تزوجوا من الأفارقة سكان الجزيرة وجاء جيل كبير من السكان المعروفين بالأفارقة من الأصل العربي
بدأ الوجود العربي في زنجبار من خلال التجار العرب (اليمنيين على وجه التحديد) الذين أبحروا مع الرياح الموسمية إلى المحيط الهندي والتي استقرت بهم على شاطيء الجزيرة
وعلى صعيد اللغة، فإن اللغة الرسمية المحلية وهي السواحلية تحتوي على الكثير من المفردات العربية في داخلها كما أن انتشار الإسلام جعل الكثير من المفردات الدينية العربية تتموضع في أصل الثقافة الاجتماعية لشعب الجزيرة
على المستوى الاجتماعي لا يزال الكثير من العادات والتقاليد العربية موجودة، رغم انتهاء السيطرة العربية على الجزيرة عام 1964

وللأسف، اليوم وبعد أكثر من خمسين عاماً على استقلالها عن حكم السلطان، تبدو زنجبار جزيرة أثرية يزورها السياح أكثر منها قوة تجارية واقتصادية كما كانت من قبل. تعتمد بشكل أساسي وكبير على السياح وتزدهر على شواطئها الفنادق العالمية التي تتنافس في استقطاب السياح إليها، أما المدينة الرئيسية ستون تاون فما زالت على حالها، بعض الابنية التراثية  التي تصلح للسكن يسكنها الناس وبعضها الآخر تحوَّلَ الى متاحف لتكون شاهدًا على روعة البناء كقصر السلطان حيث كان مقر السلطان وبيت العجائب الذي سمي بهذا الاسم، لأنه كان الأوّل الذي يدخله الكهرباء كما كان هناك مصعد كهربائي في داخله. وقد كان بُنِيَ هذا القصر للاحتفالات الرسمية للدولة وهو يحوي الكثير من أدوات السلطان وملابسه ونقوش وأساس ولوحات، وغيرها وقد قامت السلطات الزنجبارية بإغلاقه مطلع العام الماضي أمام السياح لتقوم بأعمال الترميم.

أما الحديقة المقابلة للقصر ( فوروزاني) فهي تضج بالحركة والحيوية ليل نهار، وفيها ترى أكشاك الطعام موزعة على أرجائها المطلّة على البحر، فيما يتجمع السياح عادة لالتقاط صور تذكارية وأخرى لمغيب الشمس، حيث لا يخلو البحر من مراكب الصيادين الشراعية التي تَمُرْ فتشكلُ في لحظة الغروب لوحة طبيعية أخّاذة لا عجب أن أسَرَت قلوب السلاطين وأرَّخَت لعصرٍ كان العرب فيه أسياد الأرض وروّاد الثقافة والعمارة والسياسة والبناء تَشْهَد لهم الجزر والمحيطات، فأصبحوا اليوم حالة تاريخية تراثية ينحصر تأثيرها في بعض القضايا الثقافية والاجتماعية ولا تشكل أي قوة في الواقع السياسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard