شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ابراهيم كيفو: الحرب إيقاع خاطئ على الأذن البشرية

ابراهيم كيفو: الحرب إيقاع خاطئ على الأذن البشرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 5 نوفمبر 201811:23 ص
بطاقةٍ لا تنضب، وصوت يمزج الحزن مع الفرح، يكرّس الفنان السوري ابراهيم كيفو نفسه منذ سنوات ليقول لجماهير متنوعة وعلى عشرات المسارح العالمية: الفن هو وسيلتنا للخروج من محنتنا، والحفاظ على هويتنا السورية الغنيّة والمعقدة في آن معاً. ليس من الضرورة أن يفهم المستمع كل اللغات التي يغني بها كيفو ومنها الكردية والأرمنية والعربية والسريانية والآشورية، والتي يدمجها أحياناً في أعنية واحدة، فتعابير وجهه وأحاسيسه وعزفه المرافق على آلة البزق تُفصح عما يقوله ويعبّر عنه بالفن، فهو يغني ويعزف للحب والحياة وفي مواجهة الألم والاغتراب، ويؤدي أغنيات تراثية يتطابق مضمون معظمها مع حال السوريين اليوم وما يختبرونه من تشرّد وألم وضياع، وأمل وحب في الوقت ذاته. تجمع شخصية ابراهيم كيفو (53 عاماً)، ودون قصد منه، خليطاً سورياً فريداً للغاية. وُلد في قرية دوكر التابعة لمدينة عامودا بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا، ضمن عائلة أرمنية هربت أوائل القرن الماضي من المذابح التي استهدفت الأرمن، واستقرت في سوريا بحثاً عن الأمان. ولحسن حظه، كان هذا الاستقرار في بيئة غنية تختلط فيها القوميات العربية والكردية والأرمنية والأديان الإسلامية والمسيحية بمختلف طوائفها ومذاهبها، فكبر وهو يتحدث اللغات المنتشرة في هذه المنطقة، وتعلّم الغناء وعزف البزق، وحفظ مئات الأغاني التراثية ومزجها لاحقاً في مؤلفات خاصة به وضمن قوالب جديدة، لينطلق بها نحو العالمية. https://youtu.be/AMikgtaKEZE يتحدث كيفو عن تلك الطفولة لرصيف22، حيث يعتبر بأن نشأته في قرية ينتمي معظم سكانها للطائفة الإيزيدية كان لها الفضل الأكبر في ولعه بالموسيقا وتشكيل شخصيته الفنية. ففي تلك القرية، كانت الموسيقا بمثابة "المقدس" الذي يحظى بتقدير الجميع على عكس مناطق سورية أخرى بعضها لم يكن يسمح بممارسة الفن بحرية، وتحوّلت مطحنة قديمة كان والد كيفو يمتلكها إلى ما يشبه المركز الثقافي حيث يجتمع المئات من القرية والقرى المجاورة لتبادل آخر الأخبار فيما يخص الثقافة والفن، وأيضاً العزف والغناء بشكل جماعي.
ليس من الضرورة أن يفهم المستمع كل اللغات التي يغني بها كيفو ومنها الكردية والأرمنية والعربية والسريانية والآشورية، فتعابير وجهه وأحاسيسه وعزفه المرافق على آلة البزق تُفصح عما يقوله، فهو يغني ويعزف للحب والحياة وفي مواجهة الألم والاغتراب،
"أخاف كلمة الهجرة وأرفضها. أنا مسافر ولي عودة يوماً ما. لا بد أن أعود لمنزلي وكتبي وآلاتي الموسيقية التي تركتها ورائي عندما رحلت"
هنا، ومنذ سن التاسعة تقريباً، شعر الفنان بشغف كبير بهذه الأجواء الفنية التي تختلط فيها الثقافات ذات الغنى والتنوع الكبيرين، وبتشجيع من أهالي القرية بدأ الغناء بشكل علني وباللغات التي نشأ عليها كطفل وعلى رأسها العربية والكردية والأرمنية. ونظراً لفقر البيئة المحيطة به، لم يكن أمامه سوى أن يصنع آلاته الموسيقية بنفسه، فكان يستعين بأوعية وأخشاب وأسلاك قديمة ليكون لديه أول بزق يمكن أن يعزف عليه، ولتصبح هذه الآلة إلى جانب آلات وترية شبيهة كالعود والجوزة رفيقه الدائم حتى اليوم. بعد ذلك، قرر كيفو دراسة الموسيقا بشكل احترافي في المعهد الموسيقي بمدينة حلب شمال سوريا، وتخرّج منه عام 1987. ومنذ ذلك الحين اتخذ الفنان السوري طريقاً أصبح علامته المميزة، فهو من القلائل الذين يغنون بمعظم اللغات المحلية المنتشرة في سوريا، ويسعون لحماية التراث السوري عن طريق الاستمرار في تقديم أغانٍ وموسيقا من مخزون هذا التراث ووضعها في بعض الأحيان ضمن قوالب موسيقية جديدة وحديثة وبمشاركة آلات غربية، إضافة لدمج الغناء مع العزف على البزق، حيث يميل كيفو لتصنيف نفسه على أنه مغنٍ يستخدم العزف في خدمة غنائه، ويصعب أن تنفصل لديه حالة العزف عن تلك الخاصة بالغناء. وبذلك لمع اسم كيفو كفنان مميز لا يشبه غيره، فهو يغني بسبع لغات ويحفظ مئات الأغاني من مختلف الثقافات المنتشرة في سوريا حتى أُطلق عليه لقب "سفير الأغنية الجزراوية" أي الأغاني الخاصة بمنطقة الجزيرة شمال شرق سوريا، وله عدة ألبومات تحتوي على مؤلفاته الخاصة وأيضاً الأغاني والموسيقا الفلكلورية التي يبرع بأدائها والتي طبعتها بيئته المحيطة بطابعها ومفرداتها وألوانها الخاصة، ومنها "أغاني من الجزيرة السورية" و"صوت من سوريا القديمة". إضافة لذلك شارك في عشرات الحفلات والمهرجانات والفعاليات الموسيقية في عدة محافظات سورية، وأيضاً في دول عربية منها الكويت ولبنان والعراق، وأخرى غربية كهولندا وفرنسا وألمانيا وسويسرا والسويد وبلجيكا. كما نال عدة جوائز منها شهادة تقدير من بيت الثقافات العالمية في باريس وجائزة شارل كروز العالمية في فرنسا.  [caption id="attachment_169530" align="alignleft" width="720"]ابراهيم كيفو 3 مع ديمة أورشو[/caption]

صدى الحكايات السورية المتنوعة

شهدت عائلة ابراهيم كيفو وعلى مدار عشرات السنين حروباً مختلفة. عائلة والده هربت من المذابح الأرمنية عام 1915، وجاء الدور فيما بعد على عائلة الفنان نفسه، حيث قرر مطلع العام 2015 الانتقال مع زوجته وأبنائه للحياة في ألمانيا هرباً من نيران الحرب السورية، وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد مئة عام بالضبط. "قررت أن أدير وجهي وأخرج من بلدي لأبعد أولادي عن أسئلة صعبة تواجهنا كل يوم ولا أملك إجابات واضحة بشأنها". رغم صعوبة الاغتراب، كان للسفر أثر إيجابي على حياة وفن كيفو، حيث فُتحت أمامه أبواب جديدة لنشر الفن السوري وتقديم أعماله مع أهم الفنانين والفرق الموسيقية الأوروبية. كما شارك في العديد من الفعاليات الموجهة لسوريا وللسوريين ومنها حفلات "أسبوع عالمي لسوريا" في هولندا وألمانيا ولبنان، وعروض فنية في ألمانيا وسويسرا وفرنسا، كان آخرها العرض الأوبرالي "الرحلة الداخلية" مع أوركسترا الفيلهارومني في هامبورغ بألمانيا، والذي يتحدث عن قصة كيفو وعائلته، وهجرتها القسرية من سوريا إلى ألمانيا مروراً بلبنان، بحثاً عن حياة أفضل وأكثر أمناً. وسمحت هذه المشاركات للفنان بالتأكيد على استمرار تواصله مع بلده الأم وعدم انقطاعه عنه، وعلى رغبته بأن يكون صوت الفن والحب هو الطاغي على المشهد السوري. "كل سوري اضطر للخروج من بلده بسبب الحرب لا زال يحمل صورة بلده داخله. عندما أغني لسوريا خارجها أشعر وكأنني أقف على مسرح في الحسكة أو حلب أو دمشق، ولا أرغب سوى بأن أتذكر الصور الجميلة عن سوريا والتي لم تتشوه بعد بفعل الحرب". ويصف الفنان الحرب في حديثه بأنها "إيقاع خاطئ على الأذن البشرية ولا بد لها أن تنتهي". لكنه يرفض أن ينتظر تلك النهاية دون أن يكون له دور. فالفن وفق رأيه "لا يجب أن يتنحى جانباً وإنما عليه أن يبني بين السوريين قاعدة للحوار بدل الصراع، والجمال بدل التشوّه. الفنّ الحقيقي مرض لا يمكن للفنان أن يشفى منه، وعلينا أن نستعين به على المصاعب التي نعيشها". ولا يملك كيفو سوى أن يتمنى العودة والغناء في سوريا يوماً ما. هو يعلم بأن ما يقدمه خارجها له أهمية كبيرة تنبع من كونه قادراً على رسم صورة جميلة عن بلده واستخدام الموسيقا والفن كلغة تواصل رغم اختلاف الثقافة، لكنه يحنّ للغناء في بلده سوريا، "بلد الشمس" كما يحب وصفه. "أخاف كلمة الهجرة وأرفضها. أنا مسافر ولي عودة يوماً ما. لا بد أن أعود لمنزلي وكتبي وآلاتي الموسيقية التي تركتها ورائي عندما رحلت"، يقول وفي صوته مزيج من الحزن والأمل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard