شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أجساد النساء هي ملكهن فقط، وليست ملك أيّ رجل كان

أجساد النساء هي ملكهن فقط، وليست ملك أيّ رجل كان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 1 نوفمبر 201806:56 م

أعلم مدى حساسية الموضوع، فعند كل مرة أثير بها الموضوع أمام معارفي، كنت أُتهم بأني تطبّعت بمعايير الغرب وأخلاقه، وتخليّت عن المبادئ والقيّم الشرقية. إلّا أن موجة الجرائم التي نسمع و/أو نراها بين حين وآخر، وتُسمى بجرائم الشرف، جعلتني أشعر أن الصمت هو أيضًا مشاركة غير مباشرة بالجريمة.

جسد المرأة هو ملكها الخاصّ فقط

قبل أيام، انتشر فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لشاب يقتل أخته في جرابلس شمال سوريا، وصديقه يصوّره ويقول له: ”اغسل عارك يا بشار“، والمجرم يتفاخر بجريمته عندما أفرغ بضع رصاصات في جسد أخته. السؤال هو : ما الذي يدفع شاباً ما لأن يقتل إنسانة يفترض أن تكون أقرب الناس إليه؟ وأن تكون سندًا له وأن يكون ملاذًا لها في حال شعرت أنها بحاجة لمن يقف جنبها؟ وما الذي يدفع شخصاً آخر إلى أن يشجعه على إطلاق الرصاص على أخته بحجة غسل العار، أليس هذا هو المفهوم الأعوج لما يسمى الشرف؟

ثم لماذا لا يكون جسد الرجل شرفًا للعائلة؟
أما آن الآوان لي أن أدرك كذكر أن شرفي هو إخلاصي في عملي وأخلاقي وحسن تعاملي مع الآخرين؟ أما جسد أختي فهو ملك خاص لها وليس شرف لي أو لغيري؟ وإن كان لا بدَّ أن يكون شرفاً لأحد فهو شرف لها وليس لسواها، ولها كامل الحرية بالتعامل معه وليس لأحد حق التدخل بها وبتصرفاتها ما دامت بالغة راشدة ومدركة لما تفعل وما لا تفعل. فالشرف يا إخوتي مسؤولية أيضًا. لماذا يجب على الأخ أو الزوج أو الأب أن يكون مسؤولًا عن شيء لا يملكه أصلًا؟ ثم لماذا لا يكون جسد الرجل شرفًا للعائلة؟ هل سمعت عن أخت تقتل أخاها أو أم تقتل ابنها أو أي ذكر قتلته عائلته كونه على علاقة بإحدى الفتيات؟ بالطبع لا. فلا ينتقص من شرف الرجل الشرقي أن يقيم علاقات جنسية مع نساء الأرض قاطبةً، وأن يفعل كما يقال بالعامية: ”السبعة وذمتها“. لكن هذا الرجل نفسه سيجد أن شرفه قد هُدر عندما تقيم أخته أو ابنته أو... علاقة ما مع رجل، حتى لو كان يجمعهما الحبّ والمشاعر النيبلة. أي منطق أرعن نعيش به جعلنا نبيح للرجل تصرفاته ولكن نحاسب المرأة على تصرفاتها أشد حساب من أجل شرف الرجل؟ حقًا هزلت. كون جسد المرأة ملكًا لها، هذا يعني أن يُصان هذا الملك بغض النظر عما ترتدي من ملابس. فظهور المرأة بملابس مثيرة لا يعطي الحق لأي أحد بأن يتدخل أو يتحرش بها. ولا أدري كيف بعض الناس يلوم المرأة المتعرضة للتحرش على ملابسها. فهل ظهور المرأة بملابس تظهر مفاتنها يعني أن صكّ ملكية جسدها انتقل منها وأصبح مشاعًا لغيرها؟
فعلى الدراما أن تساهم بشكل إيجابي في المجتمع من خلال عدم ربط الجنس بالأخلاق بل إظهاره على أنه غريزة  طبيعية في الإنسان
حسب رأيي، آن أوان التخلص من العقلية الذكورية الشرقية التي تمنح الذكر سلطة تقييم تصرفات المرأة والحكم على أفعالها، سواء ضحكت أو رقصت أو أقامت علاقة حب مع رجل. آن الأوان أن تنشأ الأنثى في بلداننا وهي مسؤولة عن كل ما تقوم به بعيدًا عن مبدأ الوصاية الذكورية. عندها ستستقيم العلاقة في العائلة ويصبح الأخ صديقًا لأخته وليس قدرًا لا مفر منه. وتصبح صديقته لا عبئًا عليه يريد التخلص منه من خلال تزويجها بأسرع ما يمكن من أجل نقل مسؤولية هذا العبء لرجل آخر قد يعاملها بازدراء ويستهين بكرامتها فتتحمل لأنها لن تجد في عائلتها ملجأ للأمان.
أما آن الآوان لي أن أدرك كذكر أن شرفي هو إخلاصي في عملي وأخلاقي وحسن تعاملي مع الآخرين؟ أما جسد أختي فهو ملك خاص لها وليس شرف لي أو لغيري؟
كون جسد المرأة ملكًا لها، هذا يعني أن يُصان هذا الملك بغض النظر عما ترتدي من ملابس.

تصحيح مفهوم ”الشرف“

ختامًا، لا بدّ من الإشارة إلى إن العمل على إنهاء ظاهرة جرائم ما يُسمى بـ ”شرف العائلة“ هو عملية متكاملة، تبدأ بالتوعية الاجتماعية لتصحيح مفهوم الشرف وعدم ربطه بجسد المرأة بل بالأخلاق، يُرفق هذا مع عملية تربوية منذ الصغر ترسّخ مفهوم المساوة التامة بين الذكر والأنثى وتلغي تدريس أي مورث اجتماعي أو ديني يقلل من قدرات المرأة العقلية وفعاليتها الإنتاجية، ويصنع منها ضلعًا قاصرةً لا بدّ من تبعيتها للرجل.

ولا ننسى أهمية الإعلام في التركيز على حقوق المرأة وشخصيتها المستقلة والابتعاد عن الصورة النمطية التي تفيد بأن مكان المرأة هو المنزل فقط. أمّا عن الدراما التلفزيونية، التي هي أيضًا لعبت دورًا سلبيًا جدًا في ترسيخ المفهوم الخاطئ للشرف، وذلك من خلال تصويرها للفتاة التي تقيم علاقة غير تقليدية مع شاب على أنها فتاة سيئة ودائمًا يتم ربطها بصفات أخرى، فهي نفسها تكون شريرة  ومستهترة وماكرة…إلخ، بينما تصوّر الفتاة الجيدة بأنها المطيعة والخاضعة لأهلها والتي لا تمارس الجنس خارج نطاق الزواج. هذا بالإضافة إلى تصوير الجنس أصلاً على أنه عار وفعل شائن. فعلى الدراما أن تساهم بشكل إيجابي في المجتمع من خلال عدم ربط الجنس بالأخلاق بل إظهاره على أنه غريزة  طبيعية في الإنسان، سواء كان ذكرًا أم أنثى. كل ذلك يجب أن يترافق مع إجراءات قانونية صارمة لا تمنح أعذارًا لتخفيف العقوبة على كل من يرتكب جريمة قتل أو إيذاء بحق الأنثى، بل تقضي بتشديد العقوبة على المجرم بغض النظر عن درجة قربه من الأنثى الضحية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard