شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
شباب اليوم يجرؤون على ترك وظيفة مغرية لا تتوافق سياستها الأخلاقية مع قناعاتهم الشخصية

شباب اليوم يجرؤون على ترك وظيفة مغرية لا تتوافق سياستها الأخلاقية مع قناعاتهم الشخصية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 30 أكتوبر 201809:52 ص
إن القيم المهنية هي عبارة عن سلسلةٍ من المعتقدات والأفكار المتعلقة بمهنةٍ معيّنةٍ، يتخذها المرء "بوصلة أخلاقية" على غرار الصدق واحترام الذات وحسن التعامل مع الآخرين. هذه المعايير هي في النهاية جزء أساسي من "هوية" الفرد وتشكل ركيزة سلوكه، إلا أنه في بعض الأحيان يجد الموظف نفسه في صراعٍ حادٍ بين التمسك بالمبادىء من جهة والتخلي عنها مقابل الإغراءات المادية. فهل من الممكن أن يترك المرء وظيفته لأن سياسات الشركة التي يعمل لديها تتعارض مع المبادئ الأخلاقية التي يؤمن بها؟

وعي جيل الشباب

في الصيف الماضي، قام عشرات الموظفين في شركة "غوغل" بتقديم استقالاتهم بسبب "تورط" الشركة مع الجيش الأميركي في مشروع يُطلق عليه إسم "مافين"، فكان دور الشركة التكنولوجية العملاقة ينطوي على توفير خدمة معالجة البيانات للطائرات العسكرية الأميركية بهدف تطوير تقنيات المراقبة، إلا أن الموظفين اعترضوا بشكلٍ خاص على الطريقة التي تتعامل بها القيادة العليا مع الأسس الأخلاقية في المؤسسة. هذه الحادثة التي حصلت مع مجموعة من العاملين في شركة "غوغل"، قد تشملنا جميعاً في مرحلةٍ من مراحل حياتنا المهنية بحيث يجد المرء نفسه أمام معضلةٍ أخلاقية، فيضطر مثلاً إلى ترك الوظيفة رغم راتبها المغريٍ بسبب عدم التقاء موقفه الشخصي مع مواقف الشركة حيال مواضيع معيّنة مثل البيئة، والحيوانات، حتى طريقة التعامل مع الزبائن. إذا كنتم من الأشخاص الذين سبق أن وجدوا أنفسهم مجبرين على الاختيار بين اقتناعاتهم الخاصة ومغريات العمل ورفضوا في نهاية المطاف غض النظر عن مبادئهم الشخصية، فعلى الأرجح أنكم تنتمون إلى جيل الألفية، إذ أثبتت دراسات عديدة أن هذا الجيل هو أكثر حرصاً من الأجيال السابقة على إحداث "فرقٍ" من خلال عمله.
ليس صحيحاً أن أبناء جيل الألفية لا يريدون الاستقرار... في الواقع، نحن بحاجة للاستقرار المادي أكثر مما كان يحتاجه آباؤهم.
هذا الجيل يريد من أصحاب العمل الذين يعملون لحسابهم بأن يكونوا أخلاقيين وملتزمين بالتنوع العرقي والثقافي، وبأن يقوموا بدورٍ إيجابي لجعل العالم مكاناً أفضل.
وفي هذا الصدد، تشير البيانات إلى أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء تخلي الشباب عن وظائفهم هو البحث عن العمل في شركة تحتضن نفس القيم التي يؤمنون بها حتى ولو تطلب ذلك الحصول على راتبٍ أقلٍ. لكن، وفق موقع "بي بي سي" من يستطيع تحمل تبعات مثل هذا القرار؟

سمعة سيئة؟

هناك "وصمة" تلاحق أبناء جيل الألفية مفادها أنهم لا يستقرون في وظيفة، وغالباً ما يتم وصفهم بـ"جيل التنقل بين الوظائف"، وفي هذا الصدد تشير العديد من الدراسات إلى عدم التزام الشباب بعملٍ ثابتٍ أو التدرج الوظيفي المتوقع، وذلك بسبب رغبتهم في مطاردة أحلامهم أو من أجل السفر حول العالم، أو اللهاث وراء الدولارات، غير أن هذا ليس سوى جزء من اللغز، وفق ما أكده موقع "فوربس". via GIPHY واللافت أن رفض المسار المهني في سبيل الترحال أو البدء بمشروعٍ خاص هو قرار جذري ومكلف، لا يستطيع تحمله سوى عدد قليلٌ من الناس، خاصة أن الأبحاث تظهر أن وجود "فجوات في الوظيفة" يقلل من متوسط الرواتب بما يصل إلى آلاف الدولارات سنوياً، إضافة إلى أنه يمكن أن يقلل أيضاً من جودة الوظيفة القادمة والرضا الوظيفي في المستقبل، لا سيّما بالنسبة إلى الرجال. غير أن صاحب كتاب "أبناء جيل الألفية والإدارة"، "لي كاراهر" لديه رأي آخر بشأن جيل الشباب: "ليس صحيحاً أن أبناء جيل الألفية لا يريدون الاستقرار... في الواقع، نحن بحاجة للاستقرار المادي أكثر مما كان يحتاجه آباؤهم"، مشيراً إلى أنه في العديد من البلدان يتحمّل أبناء هذا الجيل عبء زيادة أقساط الدراسة الجامعية.

تغيير المجتمع

بالنسبة إلى الكثير من أبناء جيل الألفية، فإن الحلّ الأنسب برأيهم هو العثور على عملٍ يتفق مع ثوابتهم وقيمهم، إذ تكشف الأبحاث الأكاديمية والصناعية أن هذا الجيل يريد من أصحاب العمل الذين يعملون لحسابهم بأن يكونوا أخلاقيين وملتزمين بالتنوع العرقي والثقافي، وبأن يقوموا بدورٍ إيجابي لجعل العالم مكاناً أفضل. واللافت أن علماء النفس كشفوا أنه كلما كان هناك توافق بين قيم أصحاب العمل وقيم الأفراد العاملين في المؤسسة، ارتفع مستوى الرضا الوظيفي، وبالتالي ستزداد أرباح الشركة. وكان موقع "فوربس" قد كشف أنه من بين أفضل 10 عوامل تجعل المرء سعيداً في وظيفته هو القيم التي تروج لها الشركة. والخبر السار أن الضغوط التي يمارسها الشباب يمكن أن تأتي بنتائج إيجابية، وتحدث تغييراً ملموساً، وما حصل مع "غوغل" هو خير دليل على ذلك، إذ قررت الشركة عدم تجديد مشروع "مارفن" وتخلت عن تعاقدها مع البنتاغون المربح جزئياً، وعللت ذلك بالقول إن العقد كان مخالفاً "للمبادئ التي تتبعها في مجال تطوير الذكاء الإصطناعي. وبالرغم من أن الشركة العملاقة قررت التضحية بالأرباح من أجل احترام النهج الأخلاقي لكن، مع الأسف، فإن معظم أبناء جيل الألفية الذين يشعرون أن عملهم يتعارض مع قيمهم يدركون أن "إحداث تغيير في المجتمع" و"السعي وراء الشغف" هما في النهاية قرارات مكلفة، لا يقدر على اتخاذها إلا من كان ذهنه خالياً من الهموم.

وظيفة جديدة... ما العمل؟

لا شك أنه من الصعب بالنسبة إلى البعض الاستمرار في العمل لدى شركةٍ ما إذا كانت القيم والمبادىء التي يتمسك بها لا تتماشى مع معتقداته الشخصية، وبالتالي يصبح من الضروري البحث عن بديل. بعد تقديم الاستقالة من وظيفة ما بسبب معايير "أخلاقة"، يشرع المرء في البحث عن وظيفةٍ جديدةٍ تكون على قدرٍ كافٍ من طموحاته وتتبنى القيم والمبادىء نفسها التي يؤمن بها، إلا أن التقدم إلى وظيفةٍ جديدةٍ يعني ضرورة مواجهة بعض الأسئلة الشائكة حول السبب الذي دفعه إلى التخلي عن وظيفته السابقة، فهل عليه الكشف عمّا حصل بالفعل وفضح سياسات الشركة السابقة للخروج من القصة كبطل أم التكتم عن الموضوع؟ تعتبر "كارين أوشر"، رئيسة شركة Tysons Corner الإستشارية للموارد البشرية، أن المسألة تتطلب معالجة دقيقة. فقد أوضحت لصحيفة "واشنطن بوست" أن معظم الأفراد يتقدمون لشغل وظيفة في شركات مشابهة لتلك التي غادروها، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن تؤدي المسائل الأخلاقية المتعلقة بأصحاب العمل والمسؤولين السابقين إلى نشوء شائعات مزعجة داخل المؤسسة:" أنت لا تريد أن تشعل ناراً ليس بامكانك إخمادها". ومع ذلك تعتبر كارين" أن التخلي عن وظيفةٍ من أجل معايير أخلاقية يمكن أن تكون مسألة جديرة بالتصفيق، ومن هنا توصي بالإجابة حول السبب الكامن وراء ترك الوظيفة السابقة بالقول إن الأمر حصل"نتيجة نزاع مهني" أو القول مثلاً "واجهت بعض الاختلافات الفلسفية مع الشخص المسؤول". وتشدد "أوشر" على ضرورة "إيجاد طريقةٍ حميدةٍ ومنطقيةٍ لقول ما حدث دون اتهام شخص ما بسرقة الأموال على سبيل المثال إن كان هذا ما حدث بالفعل... فمن المهم تجنب الظهور بمظهر الشخص المثير للمتاعب:" لا تريد أن ينظر إليك كمُخبر... فالعديد من الشركات لن ترغب بتوظيف مثل هذا الشخص".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard