شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بحْ لي باسمك... فبه سأحرك خفايا الكون

بحْ لي باسمك... فبه سأحرك خفايا الكون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 29 أكتوبر 201801:05 م

تغنّي فيروز من كلمات جوزيف حرب: "أسامينا، شو تعبو أهالينا تلاقوها، وشو افتكرو فينا/ الأسامي كلام، شو خصّ الكلام، عينينا هنّي أسامينا". هل حقّاً الأسماء مجرد كلام!؟ لا يبدو الأمر على هذا المنوال! فالاسم عبر التاريخ كان خصيصة جوهرية؛ سواء أكان للخالق أو المخلوق.

مكمنُ الأسرار ومحرّك الأرواح: اسم الإنسان ولقب الآلهة

تخبرنا الأسطورة الفرعونية، كيف أنّ إيزيس استطاعت أن تحوز على الاسم السّريّ للإله "رع" الذي لدغته أفعى، فسرى السّم في جسده، ولكي يُشفى، كان لابدّ له من أن يأخذ الترياق الذي أعدّته إيزيس، لكنّها، لم ترض بمنحه الدواء قبل أن يبوح باسمه السّري، الذي به ستكون قادرة على السيطرة على جميع الآلهة، وهذا ما حدث، فقد انتقل الاسم السّري من جسد الإله رع إلى إيزيس. إذاً الاسم له قوة جبارة، وهذا ما قاله الإله "رع" في محاورته مع إيزيس: "إنّني، أنا من له أسماء كثيرة، وأشكال كثيرة، وصورتي هي كلّ إله، أبي وأمي، أخبراني باسمي، وظل خفيًّا، في جسدي، منذ مولدي، حتى لا يستولي عليه شريرٌ بقوته السحرية، فيسيطر عليّ". الاسم هو جوهر الإله وقوته، وعندما يعرفه أحدٌ آخر أو ينطق به يسيطر على الكون! فالأسماء هي التي تنشئ التمايز بين أشياء الوجود، فهي التي تخرجها من اللاتعيين، الذي يشبه ظلمة الليل، التي تطمس الحدود بين الأشياء إلى التمايز كنور النهار، حيثُ يظهر كل شيء بحدوده وجوهره المختلف عن غيره من الأشياء وكأنّ الأسماء نور يقع على الأشياء، فتُرى، وتُنظر، وتُدرك، وتُحاز، ماديًّا ومعنويًّا، فلا يمكن الإخبار عن شيء لا يملك اسماً. كان الفراعنة يملكون الكثير من الأسماء، وكأنّهم بتعدد أسمائهم يحوزون قوى جبارة، يملكون بها ويسوسون مملكتهم عبرها، وهم بذلك يتشبهون بالآلهة، فعشتار/ إيزيس كانت توصف بأنّها صاحبة المئة اسم، بل أكثر صاحبة الألف اسم، فماذا يعني هذا!؟ الأسماء معان وهذه المعاني هي وظائف يقوم بها الإله، فعندما توصف إيزيس، بأنّها الخالقة والمميتة ومشعلة الحروب والحب، فهي تكون معلّة علل الأشياء والأفعال.

كانت عشتار/ إيزيس توصف بأنّها صاحبة المئة اسم، بل أكثر، صاحبة الألف اسم

ونستطيع أن ندرك سلطة "الاسم" من خلال ما كان يزوّد به الميت في مصر القديمة إلى جانب الأكل والشرب، فقد كانت تتلى عليه أسماء بوابات عالم الموتى وأسماء القائمين عليها، وإلا لن تفتح تلك البوابات ولن تنال نفسه الخلود، ألا يذكرنا ذلك بقصص ألف ليلة وليلة وكيف أن علي بابا، فتح باب مغارة الكنز بعدما نطق باسم الباب قائلًا: افتحْ يا سمسم. لدى الأسكيمو توصيف مميّز للكائن البشري، فهم يقسّمونه إلى:(جسد، ونفس، واسم) وبلا الاسم يعتبر الكائن الإنساني ناقصًا للأهلية القانونية وحتى غير موجودٍ من أصله، وهذا ما نجده في الإمبراطورية الرومانية، فالحرّ هو من يملك اسمّا مميزّا ومعترفًا به، يمكّنه من التصرفات القانونية، في حين كان العبد بلا اسم محدّد لأنّه لا يملك الأهلية القانونية من الأساس. وزيادة على ذلك وكدلالة على خصوصية الاسم، نلاحظ أنّه في أعراف القبائل البدائية، عندما يحدث أن يحوز شخصين أو أكثر اسماً واحداً، كان صاحب الاسم الأصل/ الأقدم، يقول عن بقية الأشخاص الآخرين الذين تسمّوا بذات الاسم: بأنّه/م، نفسه/ نفوسه الأخرى!

كان الفراعنة يملكون الكثير من الأسماء، وكأنّهم بتعدد أسمائهم يحوزون قوى جبارة، يملكون بها ويسوسون مملكتهم عبرها

ولكي ندرك هذا الأمر أكثر نذكر العرف التالي: عندما كان يُولد طفل جديد كان مجلس العائلة/ القبيلة يجتمع لكي يحدّد أيّ من أسماء الأجداد يجب أن يكون اسمًا للمولود الجديد، لأن الجدّ يصبح حاضرًا في الطفل الجديد عبر الاسم، وهذا ما يفسّر كيف أنّ اسم الملك المؤسس يستمر بمن يخلفونه على كرسي العرش، عبر تكرار اسمه مضافاً إليه التعداد. كأن نقول، لويس الرابع عشر، ولويس الخامس عشر وهكذا، وهذا التقليد يمنحنا فهمًا وعلّة لِمَ تقوم به الشعوب من تكرار أسماء الأجداد والأباء؛ لأنّ تكرار الاسم يؤدي إلى تكرار الأفعال العظيمة التي تمت في عهد المؤسس. في رواية "من أنت أيّها الملاك" يذكر لنا الروائي الليبي إبراهيم الكوني تقليدًا لدى الطوارق بأنّ الطفل لا يحوز اسمًا قبل أن يقوم بعمل ما، يكون سببًا ليصبح له اسم، سواء كان مدحاً أو ذماً، كذلك نجد الأمر عند الهنود الحمر، فالاسم هو جوهر عمل ما، يقوم به الشخص، وقبل ذلك لا يكون له اسم معين. ونجد ذات الأمر لدى الأغريق، فانتقال الطفل إلى عالم الكبار يكون بعدّة طقوس منها أن يتسمّى باسم معين، فالاسم له مكانة عظيمة لديهم. ومن النتائج على خطورة الاسم، أنّ المولود الحديث إذا مرض كثيراً، كان الكاهن يغيّر اسمه والأمر ذاته لدى الكبار أيضاً، فتغيير الاسم سيبدل القدر المكتوب لحامله.

من النتائج على خطورة الاسم، أنّ المولود الحديث إذا مرض كثيراً، كان الكاهن يغيّر اسمه والأمر ذاته لدى الكبار أيضاً، فتغيير الاسم سيبدل القدر المكتوب لحامله

درجت أعراف لدى الملوك بأن يتم تغيير اسمائهم عندما يتقلّدون مراسيم السلطة، ولا يتم الاكتفاء بذلك، فيمنحون الألقاب التي هي بذاتها أسماء أخرى لهم، والتي من خلالها، تُنحل لهم قوة هذه الأسماء/ الألقاب، كالعادل والقوي والمنصور، وما إلى ذلك؛ حتى نجد ذات الأمر لدى منصب البابا في الفاتيكان، فالبابا الحالي كان اسمه "خورخي ماريو بيرجوليو" وقد منح اسم القديس"فرانسيس" كي يحوز بذلك الاسم الكرامات التي كانت قد ظهرت على يد القديس فرانسيس.
في رواية "من أنت أيّها الملاك" يذكر لنا الروائي الليبي إبراهيم الكوني تقليدًا لدى الطوارق بأنّ الطفل لا يحوز اسمًا قبل أن يقوم بعمل ما، يكون سببًا ليصبح له اسم، سواء كان مدحاً أو ذماً
كثيرون لا يعرفون قصة أغنية فيروز "أسامينا" من كلمات جوزيف حرب، الذي كتب تلك الأغنية أبان الحرب اللبنانية الأهلية، حيث كان القتل يتمّ على الهوية بموجب الاسم
يذكر لنا القرآن الكريم أنّ الله علّم آدم الأسماء كلّها وبهذه الميزة امتحن الملائكة، فلم تعرف الأسماء وبهذه المعرفة نال آدم سلطته، وسجدت له الملائكة إلّا أنّ الشيطان رفض السجود، فعوقب وطرد من الجّنّة واستبدل اسمه من الشيطان إلى "إبليس"، والفرق بين الاسمين واضح، فالشيطان يطلق على من كان ماهراً في عمله في حين اسم "إبليس" يدلّ على الخروج من رحمة الله بالمطلق. وفي التوراة نرى كيف أن تبديل الاسم ينتج مفاعيل دينية وسلطوية، فالنبي يعقوب بعد أن صارع رجلاً غريباً، في "مخاضة يبوق" وقدر عليه، وأمسك به حتى الصباح، طلب الرجل الغريب من يعقوب أن يطلقه لأنّه "الإله يهوا" وأنّ اسمه سيتغيّر من يعقوب إلى إسرائيل.

عُرف لدى العرب في العصر الجاهلي، أنّهم كان يطلقون على أولادهم أسماء، الغاية منها القوة والمنعة وترهيب العدو، في حين اختاروا لعبيدهم أسماء لينة، كـ"ميمون" و"مسرور"ــ على عكس ذلك، كان العرب يسمّون مواليدهم بأسماء قوية، كـ"أسد" و"ضبع" وإلى ما ذلك، فالاسم لديهم، له قوة وسلطة ووظيفة، وليس مجرد وسيلة لتمييز أفراد القبيلة بعضهم عن بعض. وفي العصور الإسلامية، كان لتسمية العبيد من النساء، تاريخ خاص.

وعلى الرغم من أنّ نشوء الأمبراطوريات والدول القومية والوطنية بعدها، وما رتبته من أعمال إحصاء للسكان، إلّا إنّ الأسماء ظلّت تحوز الكثير من الاهتمام. فالأسماء ذات هوية دينية، سواء أ كانت الديانة أرضية أو سماوية، والأمر أكثر دقة وتشعباً، فلكلّ طائفة من تلك الديانات، أسماء معينة نادرًا ما تراها لدى الطائفة المقابلة، والأسماء -أيضاً- تختلف باختلاف المناطق الجغرافية وتتمايز بين المنتمين حتى للأحزاب السياسية وبين العلمانيين والمتدينين وصولاً إلى المهن المختلفة من الحداد إلى النجار. فالاسم: هو هوية وشخصية ووظيفة وقوة وسلطة، فكثيراً ما نتفاجئ من شخص اسمه "عادل" ألا يكون عادلاً، وكأننا لا شعوريّا نطلب من الشخص أن يتطابق فكره وفعله وشكله مع اسمه. وعود على بدء، إلى أغنية فيروز وكلمات جوزيف حرب، الذي كتب تلك الأغنية أبان الحرب اللبنانية الأهلية، حيث كان القتل يتمّ على الهوية بموجب الاسم. فالاسم كان يدلّ على الطائفة وجوزيف حرب أدرك ذلك المقتل الوجودي الذي تحمله الأسماء في طياتها، لذلك قال: "إنّ الاسماء كلام وعنينا هنّي أسامينا" معتمداً على مقولة قديمة قدم البشرية: إنّ العيون مرآة الروح والروح التي خلقت من البشرية واحدة، فلماذا هذا الاختلاف الذي يفضي إلى الإلغاء والقتل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard