شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التحطيب... فن الرقص بالعصي في مصر

التحطيب... فن الرقص بالعصي في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 7 يوليو 201602:49 م

"عصاية المحبة" أو "غية الرجال"، اسمان يطلقهما الرجال في صعيد مصر على واحد من أشهر الفنون الشعبية المصرية "التحطيب". والـ“تحطيب” هو المبارزة بالعصي الطويلة، ويسمى حامل العصا الـ"محطب". المشهد مألوف لمختلف سكان العالم العربي، إذ لطالما ظهر في الإنتاج السينمائي المصري: رجل يحمل عصاه بفخر يلوح بها في حركات استعراضية، أو رجلان يحمل كل منهم عصاً ويتواجهان في مبارزة ودية لا تحمل أي مظاهر عنف، وسط حشود مشجعة.

أصول التحطيب

اشتهر صعيد مصر بهذا الفن حتى أصبح جزءاً من تراثه وثقافته الشعبية، وقد استمده من قدماء المصريين الذين اتخذوا التحطيب لعبة أساسية لديهم، واعتبروها من أهم الفنون القتالية لديهم. وقد وجدت نقوش تصور نماذج لأفراد يمارسون التحطيب على جدران المعابد القديمة، أبرزها معبد الكرنك في محافظة الأقصر، جنوب مصر.

سميت اللعبة بـ"التحطيب" لاستخدام قدماء المصريين سيقان نبات البردى كعصا للتمرن عليها، واستخدامها كأداة للدفاع عن النفس والجماعة. تطورت هذه الأداة الحربية فصارت وسيلة للمرح والحركة وسرعة البديهة، ثم تحولت لموروث شعبي توارثته الأجيال.

تحولها إلى تقليد جعلها تختلف قليلاً في تفاصيل تأديتها بين محافظة وأخرى، ومع مرور الوقت بدأت هذه الرياضة  تنتشر في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات، وفي الموالد الدينية.

عدا وجهه الاحتفالي، يعتبر أهالي الصعيد التحطيب وسيلة للتقارب والتماسك الاجتماعي، وتجسد "العصا" بالنسبة لهم قيم الشجاعة والوفاء، ولا يعدٰونها أداة لترسيخ العنف أو القمع.

قواعد التحطيب

ككل أنواع الرياضة والفنون، هناك أصول وخطوات لتعلم التحطيب، تختلف تفاصيلها باختلاف أعراف وعادات المحافظات المصرية. ولكن مع ذلك، إن قواعد "غية الرجال" واحدة في كل مكان. التحطيب ينقسم قسمين، إما بمُحطب واحد أو باثنين، يلتف حولهما أهالي القرية أو المحافظة في جو من الحماسة.

إلقاء التحية بين اللاعبين ضروري ويشير إلى استعداد الطرفين. أما إشارة الانطلاق بالتحطيب، فهي كلمة "ساه" التي يطلقها أحد الحاضرين، وتعني أن وقت اللعب قد حان. يقوم اللاعبان بالدوران إحدهما حول الآخر 4 مرات، لمدة لا تتجاوز الدقيقتين، ثم تنطلق أصوات تقارع العصي على أنغام "المزامير"، الآلة الموسيقية الأشهر في الصعيد.

قبضة اليد على العصا هي مؤشر مهارة اللاعب. بحسب لاعب التحطيب “محمد عبد السلام”: "على لاعب التحطيب وضع طرف العصا في باطن يده حتى يستطيع التحكم بها". ويمكن للمحترفين في اللعبة أن يتعرفوا بسهولة على مهارة خصمهم من خلال طريقة قبضته على العصا. وللتحطيب لباسه الخاص به: الجلباب الفضفاض وعمة الرأس.

لا يقف العمر عائقاً أمام لاعبي التحطيب، فجميع الرجال بمختلف أعمارهم يمارسون الرقص بالعصا. ويعتبر أشهرهم عميد لعبة التحطيب في محافظة الأقصر، “عبد الغني”، الذي بلغ من العمر 68 عاماً، ويعدّ حمله للعصا "موهبة من عند الله"، وموروث حضاري وثقافي تميز به رجال الصعيد.

إلى المواجهة المباشرة، لم تظهر أشكال مختلفة للتحطيب، باستثناء تأديتها على ظهر الخيول العربية. تقام اليوم في الصعيد حلقات للرقص بالعصا خلال امتطاء الخيل، وسط أجواء تنافسية بين الخيالة.

لا يتعامل رجال الصعيد مع العصا باعتبارها أداة للرقص فقط. يشير أستاذ الأدب الشعبي، خالد أبو الليل، إلى أن التحطيب فن اجتماعي من الدرجة الأولى، يؤدي وظائف نفسية واجتماعية. يرى أبو الليل أن التحطيب وسيلة لتفريغ الطاقة بشكل سلمي، لا سيما أن الانتصار في اللعبة يكون معنوياً. لا مجال للعداء والثأر في ممارسة التحطيب، إذ يؤكد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، سميح شعلان: "لا يمكن أن يكون طرفا اللعبة على عداء سابق أو خصومة، وإلا فقدت اللعبة أسسها". كما أنها اللعبة الوحيدة في الصعيد التي إذا توفي أحد المتبارزين أثناءها، لا يكون له "دية أو ثأر" وفق العادات المحلية.

خطر الاندثار

بحسب عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، سميح شعلان "يواجه التحطيب إهمالاً في الدراسات والأبحاث بشكل عام". ولكن يختلف أساتذة الفنون الشعبية حول مدى خطر اندثار هذا الفن ومدى اهتمام الدولة الفعلي به.

علماً أن محافظات الصعيد بدءاً من بني سويف حتى الأقصر تشارك كلها في مهرجان التحطيب السنوي الذي تقيمه وزارة الثقافة منذ 7 سنوات، على مدار عدة أيام، ويتنافس فيه المشاركون وسط أجواء احتفالية، يتم في ختامها تكريم اللاعبين بمنحهم جوائز رمزية. يقول أحد منظمي المهرجان العام الماضي، سمير جابر، "لا يمكن انقراض المأثورات الشعبية، وإن لم تهتم الدولة بإحيائها كما يجب، فأهالي الصعيد مثلاً يعتبرون التحطيب وباقي الفنون رموزاً لهويتهم". وهم يتمسكون بثقافتهم رغم التيار التكنولوجي السريع الذي استحوذ على الجيل الجديد، معتبرين أن تراثهم جزء أصيل من هويتهم وإنسانيتهم.

الصورة من مهرجان التحطيب السنوي الذي تقيمه وزارة الثقافة المصرية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard