شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التغزل ببشرتَيْ عبد الناصر والسادات... لماذا حرص الفنانون على الغناء لأصحاب البشرة الداكنة؟

التغزل ببشرتَيْ عبد الناصر والسادات... لماذا حرص الفنانون على الغناء لأصحاب البشرة الداكنة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 31 يوليو 201801:30 م
يميل الذوق العام المصري إلى الاعتقاد بأن الجمال لصاحبات البشرة الفاتحة، وما توارثته أجيال طويلة من الرجال لتوصيف الجميلات بأمور محددة، أبرزها بياض بشرتهن رسخت في أذهانهم معايير جمالية مُحددة دفعت بغالبيتهم إلى الهرولة بعيداً عن السمراوات، اللهم إلا قلة قليلة منهم. فأصبحت الفتاة الجميلة تُقاس بلون بشرتها، فكلما كانت أكثر بياضاً نالت من الحُسن الكثير، ومن الغزل الكثير كذلك، ولا يختلف الحال كثيراً مع الشاب الأسمر أيضاً الذي يلقى حفنة معقولة من السخرية بسبب لون بشرته. هذا هو الحال على أرض الواقع، وأما ما يقابله في الغناء والغزل والشِعر منذ مئات السنين وحتى اللحظة، فالعكس تماماً، فهناك آلاف القصائد والكلمات المُغناة في جمال الأسمر والسمراء. إذن يبدو أن هناك تناقضاً بين الفن والغناء والذوق العام.

"تنميط وقولبة الجمال في بياض البشرة هو صناعة فنية"

الباحث التاريخي، أيمن عثمان، يقول لرصيف 22 إنه بالفعل توجد عنصرية تجاه أصحاب البشرة الداكنة، وهذا الأمر رسّخه منذ الخمسينات، مُنتجو الأعمال الفنية، حين التفوا بمعظمهم حول خيار واحد مُحدد هو أن البطل/ة يجب أن تكون بشْرته/ا فاتحة اللون، وأما السمراء فهي المُساعدة للبطلة تساعدها في ارتداء فستانها الفخم مثلاً، والأسمر عليه أن يكون خادماً أو سُفرجياً أو بواباً على أفضل تقدير، ومن هنا بدأت عملية فرض ذوق مُحدد على الشعب المصري، وأصبح الشكل الأوروبي هو القالب الجمالي المُعترف به.
ازداد هذا التغنِّي بالسمار نكايةً بالمحتل الإنجليزي ذي البشرة البيضاء، وخاصةً مع تصاعد عمليات المقاومة ضد هذا الاحتلال منذ النصف الثاني من الأربعينيات.
حاكم مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 كان أسمر البشرة وهو جمال عبد الناصر بعد نحو 150 سنة من حكم ذوي البشرة البيضاء لمصر.
ويلفت عثمان إلى أن الغالبية العُظمى من الشعب المصري من ذَوي البشرة الخمرية أو القمحية، وأما أصحاب البشرة السمراء فيتركزون في الجنوب حيث تزداد درجة الحرارة، لذا يرى الباحث أن مسألة الغناء للأسمر والسمراء لم تكن إلا تكراراً فنياً كأي لون ينجح فيتم تكراره، وعلى سبيل المثال أغنية أسمر يا سمراني غناها عبد الحليم حافظ للتغزل في لبنى عبد العزيز التي لم تكن سمراء.
كان أول ديوان شعري لنزار قباني، عام 1944، بعنوان "قالت لي السمراء هل آن لك أن تعترف"، وكتب أحمد شوقي، "لأنك سمراء فـأنت قصيدة غزل بلا كلمات"، وأعظم ما غنت منيرة المهدية طقطوقة "أسمر ملك روحي"، والمطرب الشعبي عبد العزيز محمود غنى "داري جمالك يا سمرا"، وصدح عبد الحليم حافظ بقصيدة "سمراء يا حلم الطفولة"، وفايزة كامل "يا واد يا سمارة"، ورمضان البرنس رفع صوته عالياً بـ"أسمر وعاجبني سمار اللون". وأما محمد منير فله باع طويل مع الانتصار للسمر وأشهر ما غناه "الليلة يا سمرا"،  وشكوكو قال "حلوة يا سمرا يا شكلاتة"، وغنت فايزة أحمد "شفتك حبيتك يا سمارة"، ومن كلمات أمل دنقل غنّت عفاف راضي "ولد وبنت سمرا"، وهنالك "أنا بيكي يا سمرا أكون" لعلي الحجار، و"يا أسمر يا جميل" للريس متقال، وغنت فيروز "وقّف يا أسمر"، ولا يزال القوس مفتوحاً للمزيد والمزيد.
للشاعر المعروف، سمير محبوب، قصة شهيرة عن هذا الأمر، حين تقدم لخطبة فتاة ناصعة البياض، فرفضته قائلة كيف تتقدم لخطبتي وأنا بيضاء كالقشطة وأنت أسمر، فغضب جدًا، وأقسم أمام كل من شهد المشهد بأنه سيكتب أغنية عن جمال الأسمر ويجعل أكثر مغنية بيضاء في مصر تغنيها، وقد كان ذلك، فكتب أغنية "أسمر أسمر طيب ماله، والله سماره سر جماله" وغنتها صباح.

"الأغنيات رسالة اعتذار لأصحاب البشرة السمراء"

الناقد الفني طارق الشناوي يقول لرصيف 22 إن لقب الأسمر هو الأكثر ترداداً في التاريخ المصري الفني، فقد أُطلق على عبد الحليم حافظ في الستينات "العندليب الأسمر"، وقبله بـ 20 عاماً حصلت مديحة يسري على لقب "سمراء النيل"، وقائمة الأغنيات التي تغزلت بالأسمراني والسمراء لا تُعدّ ولا تُحصى، فقد غنّت نجاة "سمارة سمارة"، بينما محمد قنديل تغزّل في البشرة الداكنة بالغناء "أبو سمرة السكرة أبو ضحكة منورة"، وشادية التي صدحت بـ"آه يا أسمراني اللون" التي قال مؤلفها الراحل عبد الرحمن الأبنودي، إنه كان يقصد بها جمال عبد الناصر، بينما شريفة فاضل ذكرت أنها داعبت محمد أنور السادات عندما غنّت "أسمر يا سمارة يا أبو دم خفيف حبيتك يا سمارة وأنا قلبي ضعيف".
يرى الشناوي أن هذه الأغنيات وغيرها تحمل في عمقها اعتذاراً لأصحاب البشرة السمراء، لأنها تعبّر عن إحساس كامن بالذنب تجاه السُمر غير المحبوبين شعبياَ، فغالباً الجمال في مصر يعني وفقاً للمفهوم الشعبي بياض البشرة، لدرجة أننا في كثير من الأحيان نُطلق على مَن يميلون إلى اللون القمحي "أسمر / سمراء"، وأخيراً علينا أن نُدرك أن الانحياز للبشرة البيضاء موجود في ثقافات كثيرة دون سبب منطقي، يقول الناقد الفني.
للكاتب اللبناني حسين أحمد صبرا تفسير يقول إن التغنِّي بسَمَار البشرة سببه الأساسي هو الروح الوطنية العالية والحب الشديد لمصر، وخاصةً أنَّ اللون الأسمر هو الذي يطغى على معظم أفراد شعبها، وقد ازداد هذا التغنِّي بالسمار، برأيه، نكايةً بالمحتل الإنجليزي ذي البشرة البيضاء، وخاصةً مع تصاعد عمليات المقاومة ضد هذا الاحتلال منذ النصف الثاني من الأربعينيات، فضلاً عن أنَّ حاكم مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 كان أسمر البشرة وهو جمال عبد الناصر بعد نحو 150 سنة من حكم ذوي البشرة البيضاء لمصر بدءاً من محمد علي باشا ثم سلالته لاحقاً وآخرهم الملك فاروق، هذا بالإضافة إلى من سبقهم من المماليك "البيض"، الذين حكموا مصر قبلهم لمئات السنين. لون البشرة هو إشارة للتحيّز أو التمييز ضد الأفراد ذوي البشرة الداكنة ويوضَع في إطار العِرقية، لخلق تسلسل هرمي من القيمة والجمال والأهمية. في هذا النظام الهرمي يكون بالإجمال الأشخاص ذوو البشرة الفاتحة في أعلى الهرم وذوو البشرة الداكنة في أسفل الهرم. وحتى في أغاني الراب الأمريكية يتم الدفع بفتيات صاحبات بشرة فاتحة، مع الترويج للجمال باعتباره للبشرة البيضاء حصراً، وفي حال لم تقم الفتاة السمراء باستخدام مُنتج للتفتيح تذهب إلى "فلاتر" و"فوتوشوب" لتصحيح صورتها لتصبح أكثر بياضاً، ويعاني الرجال كذلك من القوالب النمطية القائمة على لون البشرة، إذ يُنظَر إلى الرجال ذوي البشرة الفاتحة على أنهم أكثر وحناناً، وأما أصحاب الجلد الغامق فيُعتبرون أكثر عدوانية وخشونة. أزمة النساء صاحبات البشرة السمراء غير مُقتصرة على العالم العربي فقط، فقد تخطت حدود العالم، لذا قررت مجموعة كبيرة من النساء الداكنات البشرة استعادة هوِّيتهن العِرقية، مُظهرات فخرهن بلون بشرتهن، وذلك من خلال حركة نسائية تُدعى The Melanin Movement، هدفها تشجيع الأخريات على الإحساس بجمال بشرتهن وفخرهن بجلدهن الداكن.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard