شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الكنيست يقرّ

الكنيست يقرّ "قانون الدولة القومية"... إسرائيل تتحوّل رسمياً إلى دولة الأبارتهايد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 19 يوليو 201807:19 م
"هذه لحظة فارقة في تاريخ الصهيونيّة وتاريخ دولة إسرائيل"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في معرض احتفائه بإقرار الكنيست، بموافقة 62 نائباً من أصل 120، قانون "الدولة القومية" الذي يمنح اليهود حصراً حق تقرير المصير ويعتبر أن إسرائيل هي "الوطن التاريخي للشعب اليهودي". طوال السنوات الماضية، لم يتوانَ "المعسكر القومي" (تحالف اليمين واليمين المتطرف) بقيادة نتنياهو عن العمل على إعادة صياغة حدود الإجماع القومي الإسرائيلي تحت إطار "القومية اليهودية" التي ترى يهودية الدولة سابقة على ديمقراطيتها. وسنّ الكنيست عشرات القوانين العنصرية التي استهدفت الفلسطينيين بشكل أساسي، والجمعيات والجهات الإسرائيلية المعارضة للعنصرية بشكل لاحق. لكن القانون الإسرائيلي الجديد أثار جدلاً داخلياً ودولياً واسعاً، وصل حدّ تمزيق النواب العرب في الكنيست للقانون ورميه في وجه نتنياهو. القانون خطير عل كافة الصعد، لا سيما أن ممارسات التمييز العنصري والتضييق كانت واقعاً قائماً قبل إقراره، ويُثار التساؤل حول تداعياته على المديين القصير والبعيد على حياة الفلسطينيين وعلى القضية الفلسطينية بشكل عام.

مخاض بدأ عام 2011

تباهى نتنياهو بوقوفه وراء صدور القرار الذي "يضمن الشخصية اليهودية للأجيال القادمة"، لكن مشروع القانون ظهر للمرة الأولى عام 2011 حين طرحه الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، عضو الكنيست آفي ديختر، بهدف "تكريس يهودية الدولة دستورياً بوصفها القيمة العليا والمرجعية القانونية والمعنوية الحاسمة". وبحسب "المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة"، أقرّت حكومة نتنياهو السابقة عام 2014 عدداً من الاقتراحات حول قانون القومية لكنها لم تستطع تقديم أي منها إلى السلطة التشريعية بسبب معارضة تسيبي ليفني التي كانت تشغل حينذاك منصب وزيرة القضاء. وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ركّز الائتلاف الحكومي الحالي الذي شكله نتنياهو عام 2015 من أحزاب "المعسكر القومي"، على طلب رئيس الحكومة إقامة لجنة مؤلفة من ممثلي أحزاب الائتلاف الحكومي لبلورة مشروع "قانون أساس: القومية اليهودية". لاحقاً، ولا سيما بعد تسلّم دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة، ضغط الائتلاف الحكومي لسن القانون، فصادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في مايو 2017 على مشروع قدمه ديختر، وفي الشهر نفسه صادق عليه الكنيست في القراءة التمهيدية، وبقيت أمامه ثلاث قراءات تمت من خلالها إزالة بنود وإضافة أخرى قبل المصادقة النهائية عليه. 11 بنداً تضمنها القانون الإسرائيلي الجديد، أتت تحت عناوين مختلفة: المبادئ الأساسية، رموز الدولة، عاصمة الدولة، اللغة، لمّ الشتات، العلاقة مع الشعب اليهودي، الاستيطان اليهودي، يوم الاستقلال ويوم الذكرى، أيام الراحة والعطل، نفاذ القانون.

من "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط"، إلى "القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل"، وصولاً إلى"العبرية هي لغة الدولة الرسمية" وفقدان اللغة العربية مكانتها كلغة رسمية ثم تكريس الاستيطان قانونياً وفتح باب الهجرة أمام اليهود… بنود أثارت مخاوف واسعة من تكريس القانون لأساس مبدئي تشريعي لكافة الممارسات الإسرائيلية العنصرية والفاشية.

مخاطر مأسسة التمييز وقوننة الفصل العنصري

عشيّة إقرار القانون الذي يُعتبر الأهم في إسرائيل منذ "إعلان الاستقلال"، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً يحذّر من "مشروع قانون القومية في الكنيست الذي قد يُحدث ثورة في إسرائيل ويحوّلها إلى دولة قومية-دينية".
حق تقرير المصير في إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة لليهود فقط، والقدس الكبرى عاصمة إسرائيل، والعبرية هي لغة الدولة الرسمية... بنود في "قانون الدولة القومية" تثير مخاوف واسعة
قبل مصادقة الكنيست النهائية على "قانون الدولة القومية"، قال الكاتب الإسرائيلي مورديشاي كريمنتزر: "إذا مرّ القانون، لن يكون لدينا مكان لنخبئ عارنا". الآن، مرّ القانون فعلاً...
وقالت الصحيفة: "إذا كانت هناك معاملة مهينة وتمييزية للأقلية العربية وغضّ للطرف عن القيم الليبرالية الشاملة، فقد تم تكريسها في هذا القانون"، مشيرةً إلى أن القانون يحوّل إسرائيل إلى دولة أكثر تطرّفاً من اليمين، ومتّهمة رئيس الوزراء بتكريس الانفصال والانقسام بين اليهود والعرب والذي "سيحصد نتائج كارثية". وعن هذا القانون، علّق الصحافي اللبناني المهتم بالشأن الفلسطيني وليد شرارة قائلاً إن "ممارسات التمييز العنصري والتضييق كانت واقعاً قائماً (ديفاكتو) ولكن مع القانون الجديد تمّت مأسستها وقوننتها بالفعل". وقال لرصيف22 إن مأسسة التمييز تهدف إلى بناء نظام للفصل والتمييز العنصري مقونن على كافة المجالات. أما الفارق بينه وبين نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا، حسب شرارة، فهو أنه لا يسعى إلى استغلال الفلسطينيين بل يهدف إلى إلغائهم كلياً، فـ"هو إذاً نظام استعماري استيطاني يمارس الفصل العنصري، وفق منطق التطهير العرقي في المشاريع الاستعمارية التي نتج عنها مثالاً قيام الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا". وذكّر شرارة بأن جوهر المعركة مرتبط بالأرض ومَن يملكها، مشيراً إلى ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون لـ"هآرتس" عام 2001 في مقال تحت عنوان "حرب الاستقلال لم تنته"، إذ قال: "لا زلت أعتبر الحرب مستمرة متراً وراء متر، هكتاراً وراء هكتار…". وختم شرارة بأن إسرائيل، وعبر هذا القانون، توجت ممارساتها التاريخية الهادفة لخلق ظروف حياتية لا تطاق ترمي الفلسطينيين في هاوية مشروع "الترانسفير الطوعي" التاريخي. من جهته، قال الكاتب الفلسطيني مجد كيال لرصيف22 إن القانون "ليس قانوناً عادياً بل (قانون أساس)، أي أنه قانون بمكانة دستوريّة… لذلك فإن خطورته ليست متعلّقة بأمور حياتيّة عينيّة، إنما بما سيُبنى عليه من سياسات حكوميّة، قرارات قضائيّة وقوانين فاشيّة أخرى". وعن تأثيره على حياة الفلسطينيين، أجاب كيّال بأن "الممارسات الإسرائيلية المجرمة ستستمر هي نفسها، لكنها ستتصاعد وتتكثّف بقوة لأن القانون يُضعف كافة العراقيل التي وُجدت سابقاً داخل النظام الإسرائيلي نفسه". وأضاف: "هذه العراقيل كانت موجودة لأن النظام الصهيوني، وعلى المستوى الشكلي فقط، يعتمد مبدأ فصل السلطات"، موضحاً: "في السابق تمكنت الحكومة الإسرائيلية من تجاوز كافة هذه العراقيل وفرض ما تريده على الأرض، لكن الأمور تطلبت وقتاً ومجهوداً بيروقراطياً وبعض التنازلات. هذا القانون يزيل العراقيل وبالتالي فهو يُنجِّع التطهير العرقي والفاشية، يكثّفها ويصعّدها". وفي السياق نفسه، قال الكاتب الفلسطيني إياد برغوثي لرصيف22 إن "القانون قد لا يمسّ الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين بقدر ما يمسّ بشكل جوهري هوية وسياسات الدولة العبرية تجاههم". ولفت برغوثي إلى "تأثير القانون على تشريع الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وضم مناطق (ج)، وإحباط أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية على ‘أرض إسرائيل’ التي يحتكر الشعب اليهودي الحق التاريخي والسياسي القومي عليها، إذ توجد مخاوف حقيقية من أن تمهّد هذه التشريعات لتهجير جديد للفلسطينيين".

لماذا وُلد القانون الآن؟

أثار القانون جدلاً إسرائيلياً ودولياً بشأن تفوّق يهودية الدولة على ديمقراطيتها جراء هذا القانون، وبشأن إجهاضه لأي احتمال بخصوص حل الدولتين. وعن ذلك، يقول برغوثي: "إذا كانت إسرائيل قد ادعت أنها دولة يهودية وديمقراطية وتباهت بأنها تستطيع أن تجمع الأمرين، يحسم هذا القانون المسألة، فالكفة مالت تماماً نحو اليهودية ومُحيت كلمة ديمقراطية من التعريف، وهذا تحوّل هام". لماذا؟ لأن القانون، حسب الكاتب الفلسطيني، "يُعَدّ تثبيتاً لكل الممارسات والتشريعات العنصرية التي تصاعدت بشكل واضح وصلف خلال العقد الأخير، ضمن سيرورة تحوّل إسرائيل إلى دولة دينية فاشية تقودها نخبة من المستوطنين المسيانيين واليمينيين المتطرفين، تريد دولة يهودية فقط وترفض إقامة دولة فلسطينية". ولكن ما الذي جعل هذا القانون يبصر النور على هذا النحو السافر في المرحلة الحالية؟ نعود إلى الكاتب مجد كيال الذي شرح أن "تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة في إسرائيل أدّت إلى هذا القانون، أهمها اعتماد السياسة الإسرائيلية على فاشية شعبوية قائمة على الشرائح الصهيونية الضعيفة، عوضاً عن النخبوية الاستعمارية الأوروبية التي أسست هذا المشروع المجرم. وبالتالي، فإن ما يغذي هذه الشعبوية هو المزيد من الاستعراض العنصري والفاشي، والحاجة إلى إعلان الجريمة والفخر فيها، وليس تنفيذها فحسب". يضاف إلى ما سبق ما حُكي عن تصاعد المخاوف الإسرائيلية من التفوق الديموغرافي الفلسطيني وتصاعد تفاعل فلسطينيي 1948 مع قضايا الصراع، فضلاً عن تصاعد الاهتمام الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم ترامب الواضح لسياسات نتنياهو.

في مقال استباقي له في "هآرتس"، قال الكاتب الإسرائيلي مورديشاي كريمنتزر "إذا مرّ القانون، لن يكون لدينا مكان لنخبئ عارنا". مرّ القانون فعلاً، من دون أن يذكر أي مساواة أو حقوق في بنوده رغم أن إعلان دولة إسرائيل عام 1948 أشار إلى "المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بصرف النظر عن العقيدة أو العرق أو الجنس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard