شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
فيروز وأحاديث ذاكرة الشام

فيروز وأحاديث ذاكرة الشام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 10 يوليو 201812:39 م
ومن أنت حتى تتحدث عن فيروز؟ قد يسأل سائل. وإجابتي هي: أنا إنسان مثلي مثل باقي الناس، أُحبُّ أشياء ولا أُحبُّ أشياءَ آخرى، لي الحقُ في أن أستمتع بهذه الموسيقى أو تلك، وللناس حقوق، فبعضهم يحبُّ هذا الصوت وبعضهم يحبُّ ذاك، والناس أذواق. إذن، أنا لا أحبُّ فيروز، ولا أستمتع بأغنياتها. ربما كان هذا ردّ فعل على ما فعلته الإذاعات السوريّة بنا. كنّا كلّ يوم في الصباح لمدة ساعتين أو ثلاث نستمع إلى صوت فيروز. وفي المساء هناك ساعة لفيروز. يقولون في دمشق: "طلعت فيروز من عيوننا" دلالة على كثرة سماعها. بالطبع لا يُقال هذا في العلن لأنّ العنصريّة التي يواجهها من لا يحبّ فيروز من قبل محبيها الكثيرين تجعل التعبير عن الرأي الحقيقي صعبًا. تكرار يومي وإجبار على الاستماع إلى صوتها في كلّ مكان بدءًا من البيت والمدرسة وأماكن العمل ووسائل النقل وصولًا إلى بيوت الأصحاب ودكاكين البقالة. ربما هذا التكرار جعلني أشعر بعد سنين طويلة أنّ صوت فيروز صوتٌ مصطنع وأنها قدمت صورة غير حقيقيّة للبنان. جعلني هذا التكرار أشعر بأنّ صوتها ليس أعظم الأصوات في العالم مثلما يقدمونه لنا، بل هو واحد من الأصوات الجميلة فقط، وفقط.

فيروز ليست ربّة، فلماذا نعبدها؟

على كلّ حال، كلّ ما سبق لا ينفي أنّ لي ذكريات جميلة مع أغنيات فيروز. وأكاد أجزم أنّ لكلّ شخص سمع فيروز يومًا ما، ذكرى ما، وأغنيات يفضلها على غيرها. وفي ما يلي من كلمات سأذكر ذكرياتي المُحببة مع أغنيات فيروز. وكلّ هذه الذكريات مرتبطة بدمشق، وكأنّ لا فيروز من غير الشام!

يا رايح صوب مشرق

كنت متطوعًا في الجمعية السوريّة للبيئة بين عامي 2007 و 2010. وفي تلك الجمعيّة كنّا نشتغل على الكثير من المشاريع التوعويّة والنشاطات المجتمعيّة لخدمة بيئتنا ومجتمعنا. في شتاء 2008 عملنا على تحضير معرض فني من مواد أُعيد تدويرها، وكان المعرض سيقام في المركز داخل الحديقة البيئيّة، جانب قلعة دمشق. بعد أن انتهينا من وضع اللمسات الأخيرة على المكان قبل افتتاح المعرض بيوم واحد، قررنا شرب القهوة والاستمتاع من الشباك الكبير بمنظر الثلج هاطلًا على الحديقة وعلى جدار القلعة. كان ذلك الشتاء قارسًا مثلجًا، وكان المنظر بديعًا.
العنصريّة التي يواجهها من لا يحبّ فيروز من قبل محبيها الكثيرين تجعل التعبير عن الرأي الحقيقي صعبًا
أكاد أجزم أنّ لكلّ شخص سمع فيروز يومًا ما، ذكرى ما، وأغنيات يفضلها على غيرها
كنّا حينذاك نستمع إلى أغنية فيروز "يا رايح صوب مشرق"، سمعنا الأغنية عدة مرات متتاليّة. دخلت الأغنية إلى قلبي ولم تخرج بعد. هذه من أحلى ذكرياتي عن الشام. يا رايح صوب مشرق شرق ما بو ربيعي راحوا يرعوا غنمهن والعشب فوق ضلوعي

لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب

أحب هذه الأغنية بسبب فيلم "نسيم الروح" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد. ربما هذا الفيلم هو واحد من أفضل الأفلام الرومنسيّة العربيّة على الإطلاق، بالنسبة لي على الأقل. في هذا المشهد يكون الممثل بسام كوسا راكبًا في سيارة أجرة سائقها هو الممثل أيمن رضا. يرفض بسام كوسا النزول قبل أن تنتهي الأغنية. ربما كان هذا المشهد واحدًا من أجمل مشاهد السينما السوريّة. أهواه من قال إني ما أبتسمت له دنا فعانقني شوق إلى الهرب نسيت من يده أن أسترد يدي طال السلام وطالت رفة الهدب

جايبلي سلام

مرة أخرى السينما ومرة أخرى عبد اللطيف عبد الحميد، لكن هذه المرة من فيلم "ما يطلبه المستمعون". في المشهد الأخير يذيع البرنامج الأغنية التي طلبها العاشقان "الأميرة العاشقة وحبيبها العتيق" اللذان يعيشان في قرية بعيدة، وهذه الأغنية هي أغنية فيروز "جايبلي سلام". مع إذاعة الأغنية يعود جثمان الشاب الذي قُتل في الحرب إلى قريته. شاهدت الفيلم مرات كثيرة، لكن حين شاهدت الفيلم لأول مرة خارج سوريا، وكنت في اسطنبول حينذاك، أجهشت بالبكاء حين عُرض المشهد الأخير. شو قلّي شو قلّي عتبان المحبوب ما بدك تطلّي بعتيله مكتوب.

بكرا أنت وجايي

حين غادرت سوريا، أول الأمر عشت في تركيا لشهور قليلة. حبيبتي آنذاك بقيت في دمشق وكان تطبيق السكايب هو وسيلتنا اليوميّة في التواصل. كان الفراق يعذبنا مثل أي عاشقين. كانت تقول لي إنّها في كلّ يوم تسمع أغنية فيروز "بكرا أنت وجايي رح زيّن الريح" كانت تقول لي إنّني سأعود إلى دمشق بهامة مرفوعة بعد أن ينتهي عصر الدكتاتور، حين نستطيع أن نحبّ ونعيش بحريّة وكرامة. كانت تغني لي: بكرا أنت وطالل بركض بلاقيك وسطوح المنازل كلها شبابيك وأنت تدل علي تدل... وتمسح لي جبيني بالسنابل لم أعد بعد يا حبيبتي، ولم ينتهِ عصر الظلام بعد. لكنّ يبقى أملنا بأنّ نزين الريح التي ستطير بنا نحو الحريّة.

وقف يا أسمر

مثل كلّ الشباب الصغار الذين يحبون الموسيقى قررنا إنشاء فرقة موسيقيّة حين كنّا طلبة في جامعة دمشق. أنا وأخي وبعض الأصدقاء، كنّا نلتقي على سطح منزلنا المطلّ على دمشق. وبالطبع فإنّ المشروع لم ينجح. وكان من بين الصديقات، صديقة ذات صوت جميل تحبّ فيروز كثيرًا. كانت تقف فوق حجر ما وتقول إنّها تحبُّ الغناء واقفة. كانت تغني بشكل شبه دائم "وقف يا أسمر" وكانت تقول لي إنّها تغني هذه الأغنية لي. يا شريد القلب عم تسأل كتير ولا بد ما تتعب ويضنيك المسير وتلمح جناين حبها الزاهي النضير وتزورها وبربعها تلقي السلام

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard