شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
في مديح الكسل

في مديح الكسل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 22 يونيو 201810:33 ص
في كلّ يوم يردد الآلاف من البشر جملًا تحث على العمل الجاد والشاق وعلى أنّ الوقت يمضي مسرعًا وأنّه، أي الوقت، كالسيف، إن لم تقطعه قطعك. كلّ يوم يُقال إنّ معنى الحياة يكمن في عمل المرء، وإنّ من لا عمل له لا قيمة له. لكن ماذا عن الإنسان الآخر، الإنسان الذي يشبهني، الإنسان الذي لا يحبُّ العمل، الذي يريد أن يمضي حياته في فعل ما يُحبّ لا في فعل ما يجب؟ ماذا عنّا نحن الذين نعبد الكسل والنوم لساعات طويلة والاستلقاء طويلًا مع كتاب نقرأه، نحن الذين نحبُّ الطعام والشراب وكرة القدم؟ هل لنا حق في هذا العالم مثل أولئك الذين يصلون الليل بالنهار عملًا؟ نحن، محبّي الكسل، لا نريد أن نكون عظماء، لا نريد أن نفعل أشياء مثل تلك التي يفعلها كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، ولا نريد أن نصنع سيارات بقدرة سيارات مرسيدس. لا نريد أن نكون خارقين للطبيعة. نريد أن نكون بشرًا عاديين يفعلون أشياء عاديّة يحبونها، نريد أن نستمتع بحياتنا بعيدًا عن ضغوط حياة المدينة الرأسماليّة التي تحولنا إلى آلات لا مشاعر لها ولا رغبات. نريد أن نشجع فرق كرة قدم لأنّنا نحبُّ طريقة لعبها فلا يهمنا إن خسرت أو ربحت، فالفوز لا يعني لنا شيئًا. أولئك الفائزون دومًا، الناجحون دومًا،المتفوقون دومًا، هم هدفُ سخريتنا الأبدي. لا نريد أن نكون في دائرة الضوء، نريد أن يختار كلّ فرد منّا زاوية منفردة يعيش فيها كما يريد ويتفاعل مع محيطه كما يريد. لا نحبُّ العظمة ولا نحبُّ العظماء، ولا نحبُّ القصور والقلاع التي بنيت فوق أجساد بشر مثلنا. هكذا نحن، نحبُّ الكسلى أمثالنا، الذين لا يعملون لساعات طويلة كلّ يوم والذين لا يفقدون قدراتهم الاجتماعيّة كلّ يوم. نحبّ أن يأخذ إعداد طعام الفطور وتناوله ساعات طويلة، كما أنّنا لا نحبُّ الاستيقاظ مبكرًا، فما الفائدة من الاستيقاظ المبكر والإفطار السريع والذهاب إلى العمل الذي لا نحبُّه، غير إرضاء صاحب العمل الذي يرضي بدوره من هو أعلى منه؟

بصراحة شديدة: نحن نحبُّ النوم، ولا نحبُّ العمل.

نحبُّ أن نقضي ساعات طويلة لا نفعل فيها شيئًا، نتأمل في الحياة وفي معنى الوجود دون أن ينتهي تفكيرنا إلى نتيجة منطقيّة، فنحن لا نحبُّ النتائج ذات المعنى. تخيلوا معي عالمًا آخر، بشكل آخر؛ بيوت مختلفة ولغات مختلفة وعلاقات اجتماعيّة مختلفة. تخيلوا عالمًا لا يكون العمل والمال هما اللذان يعطيان الإنسان قيمته، عالمًا لا وجود للاختلاف الطبقي فيه، عالمًا بلا عنصريّة ولا تعصب ولا تحرّش ولا طبقات اجتماعيّة. عالمًا بلا نظم، عالمًا لا يحكمه شيء، عالمًا حرًّا تمامًا. أعرف أنّ هذا غير ممكن الآن وغير منطقي، لكن، تخيلوا لو أنّ هذا حدث من آلاف السنين، وأنّ تطور البشر كان بشكل مختلف عمّا هو عليه الآن. تخيلوا أنّ الروايات والسينما والمسرح والموسيقى والعلاقات الاجتماعيّة غير المقيدة بشروط هي ما وصلنا إليه، وتركنا العمل والعبوديّة والمال والاقتصاد والسياسة والدول والحدود وجوازات السفر والأديان بطوائفها والقوميات والملل. عالم لا نفعل فيه إلا ما نحب وقت ما نريد كيفما نريد، عالم لا خوف فيه. تخيلوا ما أجمل هذا العالم!
بصراحة شديدة: نحن نحبُّ النوم، ولا نحبُّ العمل
مثلما يدعونا معظم الناس إلى عبادة العمل وتقديس الوقت والسرعة والدقة في إنجاز ما هو مطلوب منّا، أدعو الناس إلى عبادة الحريّة
نحلم، نحن الذين لا نحبُّ العمل، باكتشاف عالم جديد كلّ يوم، نحلم بالسفر إلى أماكن بعيدة والتعرف على أناس وثقافات جديدة. نريد أن نعيش تجارب ومغامرات لم يخبرنا عنها آباؤنا. نريد أن نعرف العالم بأنفسنا من دون أن تتحكم بنا جوازات سفرنا نحن، محبّي الكسل، لا نريد أن نجعل عالم اليوم مختلفًا، جلّ ما نريده هو أن يدعنا العالم وشأننا ولا يجعلنا في عداد مسننات آلته الكبيرة. لا نريد أن نكون جزءًا من هذه الآلة، تحكمنا أوراقٌ وأجهزة وبيروقراطية قاتلة. نريد أن نكون أحرارًا في كلّ أمور حياتنا، في علاقاتنا وإيماننا وخياراتنا وعملنا وكسلنا، أحرارًا من كلّ شي... من كلّ شيء… من كلّ شيء. مثلما يدعونا معظم الناس إلى عبادة العمل وتقديس الوقت والسرعة والدقة في إنجاز ما هو مطلوب منّا، أدعو الناس إلى عبادة الكسل. بكلمات أخرى، أدعو الناس إلى أن يفعلوا ما يحبون دون تقيّد بنظم وقوانين. افعلوا ما تريدون فالحياة جميلة والأرض كبيرة وتتسع لنا جميعًا. لا تؤذوا أحدًا ولا تدعوا أحدًا يؤذيكم. أدعو الناس اليوم، وفي كلّ يوم، إلى الحريّة. الحريّة المطلقة غير المشروطة. كونوا أحرارًا تروا العالم جميلًا. * "في مدح الكسل" هو عنوان كتاب لـ"برتراند راسل"

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard