شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
العنصريّة في أمثالنا الشعبية

العنصريّة في أمثالنا الشعبية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 21 مايو 201802:16 م

كثيرًا ما نقول، أو نسمع، إنّ الأمريكيين لا يحبون المسلمين وإنّ الأوروبيين عنصريون في تعاملاتهم مع العرب وما إلى هنالك من تعميمات. قد يكون ذلك صحيحًا في حالات ما، ولكن هل نحن أفضل؟ وهل نحن منزهون عن العنصريّة؟ تعالوا نتجول بين أمثالنا الشعبيّة وأقوالنا التي نرددها دائمًا دون أن ننتبه إلى معانيها، علمًا أننا أحيانًا ننتبه ومع ذلك نرددها. يقال في بلاد الشام "حبيبي بحبه ولو كان عبد أسود" ويقابلها في مصر "حبيبك اللي تحبه ولو كان عبد نوبي"، رغم تغني المقولة بالحب وقوة الحب لكن العنصريّة الفجّة الموجهة لأصحاب البشرة السوداء ولشعب النوبة أكبر من أن تُبرر في قول كهذا.

في العنصريّة القوميّة والدينيّّة والطائفيّة وحتى المناطقيّة في بلادنا يمكن أن يكتب المرء مجلدات ضخمة، فقطعة حلوى يشتريها الأطفال نسميها "راس العبد" لأنّ لونها أسود، وإن فعلنا شيئًا مخجلًا قلنا "اسوّد وجهي". ونقول "لبّس الأسمر أحمر واضحك عليه"، ونقول في استعباد الناس "شراية العبد ولا تربايته" ونردد في كلّ مناسبة "لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ/ إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ" وكأنّ العبوديّة شيء عادي في أيامنا. على فكرة، في ليبيا ما زالت تجارة العبوديّة قائمة.

يقول المثل الكردي ما ترجمته "يا سوداء اجلسي هنا ريثما أبحث عن البيضاء" لأنّ صاحبة البشرة السوداء أقل شأنًا من صاحبة البشرة البيضاء. وإن حدث وتعرف أحدهم على فتاة بشرتها داكنة يقول له أصحابه "اللي بتطلع السمرا بيحطلها بودرة وحمرة". ولأنّنا نرضع العنصرية مع حليب أمهاتنا كان الأطفال في دمشق (ويُقال في مدن شاميّة أخرى)  يغنّون حين يلعبون في عيدي الفطر والأضحى "يا حاج محمد/ يو يو/ خلف بنات/ يو يو/ بناته سود/ يو يو/ شغل القرود/ يو يو/ بناته بيض/ يو يو/ شغل العفاريت….الخ".

لأنّ عنصريتنا متجذرة فينا ومتأصلة في مجتمعاتنا لم يسلم منها ذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى
جولة بين أمثالنا الشعبيّة وأقوالنا التي نرددها دائمًا
طبعًا الشخص ذو البشرة السوداء ليس الوحيد الذي نوجّه عنصريتنا نحوه، إذ تكاد تسمع كلّ يوم جملة "شايفني هندي أبو نقطة"، وهذه تُقال إذا حاول أحدهم استغباء الآخر. كما أنّنا لا نكتفي بالبعيد جغرافيًا عن بلادنا بل عنصريتنا الداخليّة أقوى وأشد وقعًا، وفي حروبنا خير مثال على ذلك. الشراكس يقولون "عرب جرب، شراكس دهب" والعرب يقولون "كراد وقراد وهيك الله راد" أي أكراد وقرود مثلما أراد الله. وفي لبنان ومصر يقال "استكرده" أي جعل منه كرديًا أي استغباه. وفي مدينة دير الزور، يقولون "كرديّة ما تقول لبني حامض" وهذا مثال مُحوّر عن المثل الذي يقول "ما حدا بيقول عن زيته عكر" لكن مع رشة عنصريّة. يقول مسيحيو سوريا "تغدا عند الكردي ونام عند العربي" لأنّ الكردي لا يؤتمن، ويقال في بيئات سنيّة "كول عند يهودي ونام عند درزي"، وهذه الأسماء تتغير حسب الناطقين بالمقولة. ويقال أيضًا في عدم أمانة الأكراد "الكردي ولو صار تفاحة لا تحطه بجيبك، بيبخشها، بيسرقك وبيهرب".

بينما يقول الأكراد عن العرب "كلّه عند العرب صابون" لأنّ العرب لا يميزون الصالح من الطالح. وفي أهزوجة عربية يرددها الأطفال في بعض المدن السوريّة "كردي لولو عالجبل، حط راسو باللبن، قالت أمه وينه، ضربة تخلع عينه….". في بيئات مسلمة، يقال في تحديد وقت انتهاء البرد "بيضل البرد قايم طول ما النصراني صايم". ويقال في وصف الفسّاد "فاسودي كلب يهودي" ويقال في وصف البخيل "اليهودي إذا أفلس، بالدفاتر القديمة نبّش".

عنصريتنا لا تتوقف عند هذا الحد بل تمتد لتكوّن عنصريّة مدنيّة في وجه القادمين من الريف. فبالنسبة لأهل دمشق "يهود خيبر ولا إسلام جوبر" والحديث بين "الدمشقيين الأصليين" الذين يعيشون "جوا السور" الخاص بالمدينة يدور حول بداوة وغباء من يعيشون "برا السور". فمنطقة الميدان هي "مربط خيل" الدمشقيين وأهل منطقة الصالحية "قلوبهم مالحة" والحوراني دائمًا يزرر قميصه حتى الرقبة. ويقولون عادة بخبث "الريفي إذا تدمشق كالقرد إذا تعمشق". في معظم المدن العربية "الدنيا مقامات" و"العين ما بتعلى عن الحاجب" لأنّ أهل المدينة أفضل من أهل الريف، فيُقال من أجل الحط من قدر الناس "جاي من ورا البقر" أو "من ورا الطرش لورا المرش" أو "إجا من ورا الحمارة وصار يركب سيارة".

لأنّ عنصريتنا متجذرة فينا ومتأصلة في مجتمعاتنا لم يسلم من عنصريتنا ذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى، فنقول بكلّ أريحيّة دون أن يرف لنا جفن "إذا شفت أعمى طبه، مانك أرحم من ربه"، ونقول إذا ما أخبرنا أحدٌ ما بأنّه يحبنا "حبك برص وعشرة خرس". ونقول "الأعور بين العميان ملك" و"قال الأعرج للمكرسح ما نجي نتفسح" و"احترنا يا قرعة من وين بدنا نمشطك" و"الله بيطعمي الحلاوة للي ماله أسنان".


وفي رواية أخرى "الله بيطعمي الجوز للي ماله ضراس". ونقول ونحن نضحك "الحلو حلو لو فاق من النوم، والبشع بشع لو غسل كل يوم"، وكأنّ القائل هو من يحدد مقياس الجمال في هذا العالم، وإن أراد شاب الارتباط قيل له انتبه فإنّ "حظ القبايح بالسما لايح وحظ الملايح بالأرض طايح"، ومثلما تعرف عزيزي الشاب أنّك حتى لو "لبست المكنسة بتصير ست النسا"، وإذا أردت النصح يا عزيزي "خود السمينة وأوعى تخاف منها مخدة ومنها لحاف". مثل كلّ شيء في بلادنا، النساء هم الحلقة الأضعف، وهم في المرتبة الدنيا من مراتب المجتمع.

ليس هنالك أضعف منهن سوى المثليين والمتحولين جنسيًا. لذلك ترى الأمثال والمقولات التي تحط من المرأة وتقلل من قدرها أكثر من أن تعد. فـ"الرجّال رحمة ولو كان فحمة" ليس مثل المرأة التي مثل "الزيتون ما بتحلى إلا بالرص". فالمرأة "مثل السجادة من فترة لفترة بدها ضرب ونفض". يُقولون إنّ "أم البنت مسنودة بخيط وأم الصبي مسنودة بحيط" لأنّ "البنت إذا ما جابت العار بتجيب العدو للدار"، لذلك يفضل الناس في بلادنا أن يتكاثروا ذكورًا دون الإناث، وترى الأمهات يقلن "عقربتين عالحيط ولا بنتين بالبيت" لأنّ "هم البنات للممات" ولأنّ "الرجّال ذنبه مغفور والمرأة ضلع مكسور".

وإن كان الوليد، لا قدر الله، بنتًا فلها إذن ثلاث نقلات في حياتها لا غير "للبنت بحياتها تلات طلعات: من بطن أمها لبيت أهلها، ومن بيت أهلها لبيت زوجها، ومن بيت زوجها للقبر". فلا حريّة للمرأة في شيء ولا حتى في الكلام، وإن تطاولت في كلامها وأبدت رأيها بما تريد أن تلبسه مثلًا، فقل لها "قصي من لسانك وزيدي عالتنورة، منه بتدفي سيقانك ومنه بتضلي مستورة"، وإذا وقعت الواقعة وطُلّقت المرأة فإنّ "مال الخراب رجع لأهله". أما إذا ماتت فلا بأس بذلك، فالمثل يقول "مات أخوي انكسر ظهري، ماتت أختي انستر عرضي". رغم كلّ ما سبق، فإنّ بلادنا الحلوة تبقى بلاد المحبة والتعايش المشترك، وأي بلاد مثلها؟ ومن يقول غير ذلك فإنّ هدفه تشويه صورة مجتمعاتنا الجميلة وأخلاقنا الحميدة وهو عميل للاستعمار والإمبرياليّة والماسونيّة وغايته إضعاف نفسيّة أمتنا، التي يتمنى العالم كلّه أن يكون عنده ما عندنا من أخلاق وعلم وأدب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard