شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عالم الحواسّ الغريب: تعلّموا سماع الأصوات بعيونكم وتأمّل الفضاء بآذانكم

عالم الحواسّ الغريب: تعلّموا سماع الأصوات بعيونكم وتأمّل الفضاء بآذانكم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 أبريل 201802:18 م
نتساءل أحياناً كيف يعيش فاقدو السمع دون أن يستمتعوا بجمال الموسيقى، ويستمعوا لأصوات الطيور، وأحبائهم، وكيف يحيا فاقدو البصر وهم محرومون من الاستمتاع بالمناظر الطبيعية، والتعرف على وجوه الناس، ومشاهدة الأفلام، وتأمل اللوحات. كان الأمر مخيفًا لكريستينا هارتمان، وهي تروي تجربتها على موقع "فوكس" منذ أن أصيبت بالتهاب الشبكة الصباغية، مما أدى تدريجيًا إلى ضياع نظرها ببطء، وتدرّج الأمر من مجرد العمى الليلي إلى تضاؤل دائرة الرؤية، ثم أصاب تلك الدائرة الضيقة تشوهٌ وضبابية حتى باتت هارتمان لا ترى شيئًا تقريبًا. ولكنها، متفاجئةً، تعلّمَت من فقدان البصر شيئًا آخر، تقول: إنّكم لا تفقدون استقلالكم ما دمتم تستخدمون تقنيات التكيف. نعمة منحها إياها فقدان البصر، بحسب هارتمان، إنه أعاد انتماءها بشكل إيجابي لجسمها، فالكثير من النساء المبصرات يشعرن بانعدام أمان حيال أجسامهن، خاصة بعد تقدم العمر، إذ تكتسحهنّ مشاعر القلق مع اللون الأبيض على شعرهن، والنتوءات في الوجه، والترهلات في الجسد، ولكن فقدان البصر حوّل تركيز هارتمان من جسمها إلى إحساسها بجسدها، تقف في الغرفة وتسأل نفسها: هل أنا جميلة، سمينة، نحيلة؟ المشاعر محور تركيزها وليس شكلها، أبعد من ذلك، شعورها بحضور الآخرين اختلف. على عكس المبصرين الذين يتعرّفون على الناس من وجوههم، يقول فينيت شارما، يطوّر فاقدو البصر إحساسًا يُسمى "الظلال الصوتية" إذ يحوّلون أيّ صوت إلى ظلال صوتية، ربما بطريقة تعجز الكلمات عن شرحها، ولديهم إحساس رائع بالبيئة المحيطة عبر ضغط الهواء على جلودهم، ويمتلكون حساسية حيال الملابس والألوان بطريقة مختلفة. ويستفيد الأشخاص المولدون دون بصر من المناطق المُتعلّقة بالبصر في الدماغ لتحسين إحساسهم بالصوت واللّمس، بحسب دراسة لفريق دولي من الباحثين يقودهم علماء الأعصاب في المركز الطبي لجامعة جورج تاون. وتفسر الدراسة لماذا لدى فاقدي البصر تصور متطور عن هذه الحواس يفوق بكثير الأشخاص المبصرين. وباستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، اكتشف الباحثون أن فاقدي البصر يستخدمون وحدات متخصصة في القشرة البصرية تعالج الموقع المكاني للجسم عندما يحدد الشخص مكانه في الفضاء. via GIPHY أكثر من ذلك، هناك ارتباط مباشر بين نشاط الدماغ وأداء فاقدي البصر الذين هم الأكثر دقة في حل المهمات المكانية، كلما تم تنشيط الوحدة المكانية في القشرة البصرية. ليس ذلك فقط، إذا كان لديك شغف معرفي، ففقدانك البصر يساعدك على مقاربة أكثر دقة لمجالك من المبصر.

فاقدو السمع يسمعون الموسيقى

تقول كريستينا هارتمان، في منشور آخر على موقع "كورا"، إنّ الناس يعتقدون أنّ الموسيقى هي أفضل شيء في الحياة، ولا توجد طريقة للاستمتاع بها إلّا الأذن، وأنّ فاقدي السمع خسروا شيئًا عظيمًا. تُصحّح هارتمان هذه الشائعة وتقول إنّها تستمتع أيضًا بالموسيقى، فالموسيقى أكثر من مجرد صوت، إنها تخلق اهتزازات، وتصاحب كلمات شعرية، وتثير المشاعر، ويمكن لفاقدي السمع أن يختبروا هذه العناصر على قدم المساواة مع غيرهم. يستحضر فاقدو السمع مكبرات الصوت ليشعروا بالطبل والرقص وهم يقرؤون الكلمات الشعرية، وتتحدث هارتمان عن شخص فاقد السمع يستمتع بأغاني بريتني سبيرز. وفي ما يتعلق بفاقدي السمع، يثير فضولنا الحوار الداخلي الذي يختلقه البشر مع أنفسهم، وتأنيب الضمير، وتذكر أشياء، هذه الأصوات كيف يختبرها من فقد حالة السمع منذ الولادة. تجيب ميشيل ويستفوال بأنّها تسمع "صوتًا" في رأسها، ولكنّه غير منطوق، "أنا كائنة بصرية"، أحيانًا أرى لغة الإشارة، أو صورًا، وأحيانًا كلمات مطبوعة. وأحيانًا أخرى تعالج المعلومات عبر عقلها، وعينيها، وأنفها، ولسانها، ولمسها، بنفس طريقة أيّ شخص يعالج المعلومات عينها. الاختلاف فقط هو أنها لا تستخدم أذنيها لجمع المعلومات ومعالجتها، فهذا لا معنى له، الصوت ليس له معنى أو أهمية بالنسبة لها، مقارنة بمعناه عند من يمتلك أذنًا سليمة.

فقدان البصر امتياز إدراكي وليس خسارة

بعض فاقدي البصر لا يتحدثون عن استخدام تقنيات التكيف، وهم يشقون طريقهم في الحياة مع المبصرين على قدم المساواة، ولكن فقدانهم لملكة البصر جعلهم مميزين مقارنة بأقرانهم المبصرين. يتحدث إسحاق ليدسكي، وهو ممثل كوميدي سابق وكاتب في محكمتَي عدل بأمريكا، أنه كرجل فاقد البصر يواجه الآخرين دائمًا بمخالفة افتراضاتهم، ويوجز تجربته مع فقدان البصر قائلًا: "تعملت أن أعيش حياتي مُفتّح العينين". بالنسبة له أن تُبصر هو شعور "آني وسلبي"، تفتح عينيك، وتصدق بصرك، البصيرة بالنسبة لك هي البصر. بدأ ليدسكي يفقد بصره تدريجيًا منذ كان عمره 15 عامًا حتى بلغ  ال25، وتَعلّم من التشوّهات التي كان يراها أثناء تآكل حاسّة البصر أنّ "ما نراه ليس حقيقة عالمية، ولا حقيقة موضوعية، هو واقع افتراضي شخصي وفريد بنته عقولنا بشكل حرفي". ويشرح ليدسكي عملية الوهم تلك من وجهة نظر علم الأعصاب، ومفادها أنّ العقل يرسل ما يقارب 8% للمس، و2% للسمع كل ثانية، أما عيونكم فترسل للقشرة البصرية مليوني جزء من المعلومات، وجسدكم يمكن أن يرسل لدماغكم بضعة بلايين إضافية. حجم البصر نسبة إلى الدماغ هو الثلث، ولكنه يستحوذ على ثلثي المواد المعالجة في الدماغ، لذا يُمسي الوهم البصري مقنعًا جدًا، ويرى ليدسكي أن تجربة البصر هي التي تخلق دماغكم، وانتم تنظرون للعالم عن طريقها، ذلك أن ذكرياتكم ومشاعركم وانتباهكم العقلي، هذه كلها مرتبطة بالبصر في دماغكم. ويوضّح ليدسكي كيف يشوّه البصر بصيرتنا: "يعمل البصر في اتجاهين، داخليًا وخارجيًا، إذا رأيتم انطباعًا بعيونكم تشعرون به، وما تشعرون به يُغيّر ما ترون، وهذا ما تُعلمنا إياه تجربة الخوف، إذ تشوّه المخاوف واقعكم، فالخوف يملأ الفراغ في الرؤية. إذا كان ثمة جزء مرئي غامض وغير مفهوم يُمرّر خوفكم ويُجسد ما تخافونه، ويُسمي علماء النفس ذلك "الترويع". لذا يشدد ليدسك للمبصرين وفاقدي البصر على ضرورة مواجهة المخاوف، والتعرّف على الافتراضات الخاصة بهم، واستغلال قوتهم الداخلية، "صحّحوا اعتقاداتكم الخاطئة عن الحظ والنجاة، تقبّلوا قوّتكم وضعفكم. أنتم الذين تخلقون واقعكم".

تأمل النجوم والكواكب بالأذن أفضل من العين

تقول العالمة الفلكية واندا دياز ميرسيد إنّ أكثر الأحداث نشاطًا في الفضاء الواسع لا يمكن رؤيته بالعين، وهو بدء انفجار النجم وإطلاقه لأشعة غاما، نشاهدها كاندفاعات نارية أو انفجارات، ونقيسها كأشعة غاما ضوئية، وهي أقوى الأحداث التي يقيسها علماء الفلك، وما نراه في النّهاية هو جزء صغير من الطيف الكهرومغناطيسي نُسمّيه الضوء المرئي. via GIPHY ما يمكننا رؤيته فقط هو رسم بياني لأشعة غاما، وتضيف دياز أن فقدانها للبصر لم يُمَكنّها من رؤية الرسوم البيانية، ولكنها اكتشفت طريقة لتصل إلى البيانات، إذ تمت ترجمة الأرقام إلى صوت، وباتت تكمل اكتشافاتها عبر الصوت، وتستمع إلى انفجار أشعة غاما. الاستماع إلى انفجار أشعة غاما جلب شيئًا ما للأذن يتجاوز الانفجار الظاهر، تشرح ذلك شرحًا واضحًا: "عندما فحصنا المناطق القوية جدًا ذات التردد المنخفض، أو خط صوت نبرة التردد… لاحظنا أصداء مميزة من الغازات المشحونة كهربائيًّا مثل الرياح الشمسية". via GIPHY لهذا بدأ يحوّل بعض الفلكيين البيانات المرئية إلى أصوات لاكتشاف الظواهر الفلكية بدقة أكثر.

علماء أعصاب: حواسنا غير متطورة ونحتاج إلى أخرى

ما اكتشفه العلماء وهم يساعدون فاقدي السمع والبصر لتحسين أدائهم، هو أننا لا نختبر العالم الحقيقي عبر حواسنا. ما تمكننا الحواس من إدراكه هو جزء ضئيل مما اكتشفه الإنسان في الكون، وكيف سيتغير العالم لو كانت لدينا أجهزة أخرى تستشعر تلك الموجات والألوان والأضواء التي لا تقبض عليها أبصارنا. يُشَكّك عالم الأعصاب ديفيد إيجيلمان في رؤيتنا للواقع، يقول "عقولنا لم تتطور بشكل كافٍ لتفهم العالم عند هذا المستوى"، جزء صغير مما يدور حولنا ندركه، الألوان التي تزين العالم مثل الموجات الضوئية والإشعاعات الكهرومغناطيسية تنعكس على الأجسام ثم تصطدم بمستقبلات معينة في الجزء الخلفي من عيوننا، وما نراه من الموجات هو جزء من 10 تريليون ممّا هو موجود، فموجات الراديو والأشعة السينية وأشعة غاما تعبر أجسامكم، ولا تدركون وجودها. لماذا؟ لأنّنا لسنا مُجهّزين بالمستقبلات الحيوية المناسبة لالتقاطها. الثعابين تستشعر الأشعة تحت الحمراء، والنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية، ولوحات القيادة في السيارات تلتقط إشارات في نطاق التردد اللاسلكي، والعقل لا يسمع ولا يرى بحسب إيجلمان، لأنه "متقوقع في محيط صامت ومظلم داخل الجمجمة، العقل لا يرى سوى الإشارات الكهروكميائية"، وما يفعله بتلك الإشارات  هو استخلاص الأنماط وتعريفها كي يبني عوالم داخلية ويجمعها كلها في قصة، لينشأ عالمكم الخاص". العقل يوظف المعلومات، ولكنه لا يهتم بمصدر الحصول على المعلومات الوافدة. يُسمّي إيجلمان نموذج التطور المرتبط بالحواس "بي إتش"، وهو اختصار "رأس البطاطا" إذ يتم التعامل مع حواسنا كعيوننا وآذاننا كالأجهزة الملحقة بالحاسوب نقوم بتركيبها، فيما دماغنا يوظف المعلومات التي يتلقاها. ويستعرض إيجلمان تجارب ما يعرف بـ "البديل الحسي". ففي عام 1969 قام العالم بول باخ واي ريتا بوضع أناس لا يبصرون على كرسي أسنان معدل، ركب كاميرا تسجيل، ووضع شيئًا أمام الكاميرا، يشعرون به في ظهورهم، وتجاوب فاقدو البصر إيجابًا في تحديد الجسم القابع أمام الكاميرا وذلك ليس عبر عيونهم ولكن ظهورهم، بشكل أذهل فريق العمل. via GIPHY ثمة اختراع آخر اسمه "منفذ الدماغ"، وهو عبارة عن شبكة كهربائية صغيرة تثبت على اللسان، تحول الصورة إلى إشارات حسية كهربائية صغيرة، وقد مَكّنت تلك التقنية المكفوفين من إدخال الكرة في السلة، والملاحة في طرق معقدة، لقد استطاعوا الرؤية عبر لسانهم. هل أنتم مندهشون، يقول لكم إيجلمان لا غرابة في ذلك، لأنّ ما نراه هو عبارة عن إشارات كهروكيميائية، يمكن أن يشعر بها لسانكم، أو ظهركم، تجول في حنايا الدماغ، ويوظفها ليبني عالمكم الخاص، ولكنّه في النهاية يجهل مصدر هذه الإشارات. وبحسب مجلة "ذي أتلانتيك"، فإن الباحثين بدأوا في مجال يسمونه "التعزيز الحسي" بتطوير أدوات تمنح الناس حواسَّ إضافية، تلك التي تقلد حواس الحيوانات، وأخرى تضيف إمكانات لا يمكن تخيلها. تستعير بعض الاجهزة حواسَّ من المملكة الحيوانية، مثل جهاز "بوتلنوز"، يستخدم الموجات الفوق الصوتية لتحديد مسافة الأشياء، وتهتزّ أصابع المستخدم بحسب الترددات المختلفة، ممّا يمنحه معرفة تحديد الأماكن، وأجهزة أخرى تُوفّر الحاسّة الملاحية للطيور المهاجرة. علمًا أن شركة "فيل سبيس" تبيع حزام "نافي بيلت" الذي يوجهكم في الاتجاه المطلوب عبر بعث اهتزازات على خصوركم. ويمكن بناء عيون إلكترونية تُمكّن الإنسان من رؤية الأشعة فوق البنفسجية مثل الفراشات والكلاب، وضوء الأشعة تحت الحمراء مثل الثعابين والأسماك والبعوض. وقام كيفين وارويك، مهندس في جامعة كوفنتري في بريطانيا، بتوصيل قطب كهربائي في ذراعه وآخر في ذراع زوجته، فشعر الزوجان أحدهما بالآخر بمجرد أن يثني الزوج ذراعه مثلًا، ويريد إيجلمان أن يأخذ تلك الفكرة إلى الأمام، وأن يكون هناك تواصل لاسلكي يُمَكنّنا من أن نشعر بقلب وعرق الآخرين ومزاجهم. وطبّق بعض الباحثين غرس مغناطيس في أكثر من دماغ، مما يمكن دماغ المرسل من إرسال نبضات مغناطيسية للمستقبل، شرط أن يكون الطرفان متصلين لا سلكيًّا، ويدمر هذا النوع من التواصل قيود اللغة، ويساعد الأشخاص في مشاركة المشاعر، والتعبير عن الأفكار التي يصعب وضعها في قيود، يقول وارويك: "أعتقد أنّ ذلك يُغيّر تمامًا كيف نكون بشرًا".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard