شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
جامعات سوريا تعاني من تسرب الطلاب والأساتذة والانفصال عن سوق العمل

جامعات سوريا تعاني من تسرب الطلاب والأساتذة والانفصال عن سوق العمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 9 مايو 201806:18 م
مسحت مرام بيديها على زي العمل الذي يغلب عليه اللون الأبيض لتتأكد من أناقة مظهرها، وهي تستعد لبدء يوم جديد في مطعم وسط دمشق. كان ينبغي في تلك الساعة أن تكون مرتدية مريولها الأبيض، وهي تدخل مخبر كلية الصيدلة التي اضطرت لترك الدراسة فيها. تقول مرام التي توفي والدها في الرقة شمال سوريا: "لم تمنعني الأوضاع الأمنية ولا تساقط القذائف على أبواب الجامعة من مواصلة الدراسة... وإنما فقط منعني الوضع المادي". نزحت الشابة العشرينية مع والدتها وأخويها الصغيرين إلى دمشق بحثاً عن ملاذ آمن. تركت الدراسة والتحقت بمطعم لإعالة الأسرة الصغيرة. انضمت مرام إلى طلاب تعثرت دراستهم الجامعية تحت ضغط الوضع الاقتصادي في ظروف الحرب التي تعيشها سوريا منذ سبع سنوات. توقفت جامعات عن التعليم بسبب الحرب، ما أدى إلى تزاحم الطلاب في العدد المتبقي من الجامعات. والتحق طلاب بأعمال تساعدهم في تدبير  تكاليف الدراسة، وطلاب بكليات نظرية، في حين انصرف آخرون عن الدراسة تماماً. وارتفعت نسبة الغياب إلى ما يقرب من 90 في المئة في بعض الكليات وفق ما أفاد طلاب، وانخفض مستوى التعليم بعد ضعف المناهج ورحيل أعداد متزايدة من الأساتذة. وانعكس الوضع على مستوى خريجي الجامعات لتنخفض نسبة الخريجين المؤهلين لفرص العمل المتاحة إلى ما بين 1.5 و2  في المئة وفق ما أفاد مديرو توظيف في شركات. وأصبحت الجامعات السورية خارج قوائم التصنيف في المقاييس العالمية. INSIDE_UniversitiesInSyria_Damascus ارتفعت أعداد الطلاب المقيمين في المدينة الجامعية في دمشق من 15 ألفاً عام 2011 إلى 22 ألفاً في 2017، حسب إحصاءات إدارة المدينة التي أصبحت الخيار  المفضل للطلاب وسط الصعوبات الاقتصادية نتيجة الأزمة. قال أحد الطلاب: "لولا السكن الجامعي لاضطررنا للتسول في الطرق". يتراوح متوسط تكلفة دراسة الطالب النظامي في الجامعات الحكومية حالياً بين 25 و50 ألف ليرة سورية (50 - 100 دولار) شاملة رسم التسجيل والتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، إلى جانب تكاليف السكن. وأخذاً في الاعتبار  متوسط دخل العائلة السورية، والذي لا يتجاوز مئة دولار حالياً وفق إحصاءات صادرة عن المرصد العمالي السوري للدراسات والبحوث منتصف العام الفائت، يهجر  طلاب قاعات الدراسة الجامعية للبحث عن عمل إلى جانب الدراسة يساعد في تغطية المصاريف. يقول رائف لباد الطالب في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن عمله في متجر  لبيع المواد الغذائية بعد الدوام الجامعي كان من أسباب تدهور نتائج امتحاناته. "كنت أتمنى تحصيل مرتبة عليا في الكلية، لكن مع العمل المسائي لا وقت لدي للدراسة". ويعمل طلاب آخرون في بيع الخضار والفواكه على بسطات في الطرق أو نقل مواد البناء أو  يقومون بأعمال تنظيف أو حراسة مستودعات ومصانع في ضواحي المدن. العمل المرافق الدراسة لم يكن مألوفاً قبل سنوات الحرب في سوريا، بخاصة في الكليات العملية التي تتطلب حضوراً، بحسب مازن المعيد في كلية الصيدلة الذي طلب عدم نشر  اسم عائلته. وأشار  مازن إلى تزايد نسبة الطلاب العاملين عاماً بعد آخر، وتراجع مستوى تحصيلهم العلمي. وقال: "طلاب كثر  يتغيبون عن الدروس الصباحية بسبب العمل الليلي، أحاول قدر الإمكان مساعدتهم لتعويض ما يفوتهم، لكن الحاجة المادية هي سيدة الموقف". يقول عبدالكريم موّاس الطالب في السنة الرابعة في كلية الفلسفة بجامعة دمشق: "بشق الأنفس يمكن عشرين طالباً أن يداوموا على حضور الدروس النظرية، في حين نتفاجأ في الامتحانات بوجود ما يقارب مئتي طالب"، أي إن نسبة الغياب تبلغ  90 في المئة حسب تقديرات مواس. ويفضل طلاب الالتحاق بالكليات النظرية التي لا تطلب الالتزام بنسب دوام معينة، ما يعني خفض نفقات التنقل، ويختار  آخرون الالتحاق بمعاهد متوسطة مدة الدراسة فيها سنتان فقط لا أربع سنوات ولا ست في الكليات. لم يكن أي من هذه الخيارات مجدياً في حالة مرام التي نزحت مع عائلتها من مدينة الرقة شمال سوريا إلى دمشق منذ ثلاث سنوات. وفاة والد مرام (23 سنة) في الرقة، واضطرارها للبحث عن عمل لإعالة والدتها وأخويها الصغيرين كان عاملين حاسمين في تركها دراستها الجامعية في كلية الصيدلة بشكل نهائي. وقالت: "لم أتمكن من مواكبة متطلبات الجامعة، بخاصة في هذا الفرع الذي يحتاج إلى مستلزمات كثيرة، وأنا الآن أعمل في أحد المطاعم وسط دمشق بدوام صباحي".

هجرة العقول

بالتوازي مع الصعوبات الاقتصادية للطلاب، تواجه الجامعات ذاتها مشكلات في مجالات عدة مع تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم، حيث انخفضت موازنة هذا القطاع من 733 ألف دولار  عام 2010 إلى ما لا يتجاوز 175 ألف دولار عام 2017. https://datawrapper.dwcdn.net/NJ7Qr/1/ وهجر  أساتذة أيضاً الجامعات السورية وخسر  التعليم العالي حوالى 20% من أعضاء هيئات التدريس بسبب الهجرة إلى خارج البلاد بشكل أساسي. وقد ترتفع النسبة إلى 30% في بعض الكليات بحسب تصريحات لوزير التعليم عاطف النداف التي أرجعت هذه الظاهرة إلى "أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية مرتبطة بالظروف الراهنة"، ومن أهم هذه الأسباب الأجور التي يحصل عليها أساتذة الجامعات الحكومية، والتي لا تتجاوز 150 دولاراً شهرياً. يقول د. محيي الدين س. من كلية الهندسة المدنية، والذي غادر البلاد منذ أكثر من عامين إلى الولايات المتحدة: "خطير ما سيؤول إليه مصير التعليم العالي في سوريا في حال استمرار نزيف الكوادر بهذا الشكل".
"خطير ما سيؤول إليه مصير التعليم العالي في سوريا في حال استمرار نزيف الكوادر بهذا الشكل"
بالتوازي مع الصعوبات الاقتصادية للطلاب، تواجه الجامعات ذاتها مشكلات في مجالات عدة مع تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم
وأدى نقص الكوادر  التعليمية وفق تصريحات لعضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سوريا لصحيفة الوطن، إلى الاعتماد على كوادر  أقل كفاءة لسد الفراغ، كتوظيف معيدين أو طلبة ماجستير  عوضاً عن حملة شهادة الدكتوراه. [full_width][/full_width] "القرار 233 شروط للسماح لحملة الماجستير  بالتدريس في الجامعات" قال عبدالحميد المقداد الطالب في السنة الثالثة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق:  "نشعر بإهمال كبير في العملية التعليمية. الطلاب بمعظمهم يعزفون عن الحضور". أوضاع الحرب فرضت أيضاً إعادة توزيع الطلاب بعدما خرجت جامعات حكومية من الخدمة بسبب وجودها في مناطق ساخنة مثل الرقة وإدلب. واستقبلت جامعات أخرى وعلى رأسها جامعة دمشق آلاف الطلاب من المحافظات المختلفة، ما شكّل عبئاً على كوادرها وبناها التحتية، وضغطاً على الصفوف التي اكتظت بالطلاب. وقال عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق الدكتور  ماهر ملندي لصحيفة الأيام السورية في تاريخ 26 نوفمبر 2017، أن الكلية فيها حوالى  25 ألف طالب، "ما يشكل تحدياً بسبب قلة أعضاء الهيئة التدريسية، حيث يبلغ عددهم حالياً 65 أستاذاً فقط بعد تسرب 15 منهم خلال الأزمة. المعايير العالمية تؤكد عدم إمكان إشراف الأستاذ على أكثر  من 50 طالباً، في حين أن النسبة في الكلية تتجاوز خمسة أضعاف ذلك". تأثرت قدرة الطلاب على التحصيل في الكليات العملية أيضاً. وتقول علا وافي طالبة في قسم طب الأسنان: "غالباً ما تزدحم غرف الدروس العملية بشكل لا يطاق". في الكليات الهندسية، تكلف مشاريع التخرج التنفيذية ما بين 400 دولار و 1000 للمشروع الواحد، ما يدفع طلاباً كثراً إلى التخلي عنها، أو التشارك مع آخرين في مشروع واحد. وقال سامي الدقاق الطالب في عامه الأخير  في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق: "تضاعفت أسعار  المواد اللازمة لمشاريع التخرج، فتوجهنا إلى إدارة الكلية طلباً للمساعدة، فكان الرد بعدم وجود قانون يقضي بمنح دعم مادي لتغطية نفقات مشاريع التخرج، وأن كل ما يمكن الكلية تقديمه هو استخدام المختبر ات والورش أثناء التنفيذ ".

الجامعات الخاصة أيضاً

الجامعات الخاصة أيضاً اكتوت بنيران الحرب، حيث اضطرت نحو  عشر جامعات لنقل مقار التدريس والعمل إلى مناطق آمنة داخل المدن، بحسب عاملين في تلك الجامعات، وبيانات مديرية الجامعات الخاصة في وزارة التعليم. [full_width][/full_width]   [full_width][/full_width]     مواصفات المقار  الموقتة ليست بمستوى المقار  الأصلية من حيث التجهيزات والمختبر ات والبنية التحتية رغم الموافقة عليها من قسم الجامعات الخاصة في وزارة التعليم العالي من حيث مطابقتها معايير محددة. تظهر  بيانات قسم الجامعات الخاصة في الوزارة، انخفاض عدد طلاب هذه الجامعات خلال الأعوام الأربعة الأولى من الحرب في البلاد، لكنه عاود الارتفاع اعتباراً من عام 2016، بخاصة في الكليات العلمية، وهو ما أرجعه طلاب وأساتذة إلى الدعم المادي لعائلات من أبناء يعيشون ويعملون خارج البلاد. حيث تسعى الجامعات الخاصة إلى جذب من يرغبون في الحصول على مستوى تعليمي مقبول داخل سوريا عوضاً عن السفر بغرض الدراسة.

مقبرة التعليم الجامعي

الكتاب الجامعي أيضاً تأثر  بظروف الحرب وأوضاع الاقتصاد، ووصفت صحيفة الأيام السورية في عددها الصادر في تاريخ 20 أغسطس 2017، الكتاب الجامعي بأنه "مقبرة التعليم الجامعي"، وأرجعت أسباب ذلك إلى قيود بيروقراطية في منح الموافقات لتأليف المناهج الجديدة، وتدني أجور التأليف التي لا تتجاوز مئتي دولار  للكتاب الواحد. وقال أستاذ في جامعة دمشق طلب عدم نشر  اسمه: "إذا رغب الأستاذ في شراء مرجع أجنبي لتطوير معارفه، فهو يحتاج إلى مبلغ يعادل راتبه الشهري". وتقول جودي مدلل الطالبة في السنة الرابعة في كلية علم النفس بجامعة دمشق أن "المنهاج قديم لا يتغير، وأجزاء منه مترجمة بشكل خاطئ".

تراجع التصنيف

مشكلات التعليم الجامعي انعكست على المكانة العلمية للجامعات السورية في التصنيفات العالمية. وفي عامي 2015 و 2016، غابت الجامعات السورية عن تصنيفات مقاييس عالمية مثل Shanghai وTop Universities. وظهرت جامعات في مقاييس أقل صرامة في معاييرها مثل webometrics الذي يعتمد على مواقع الويب الخاصة بالجامعات، لكن أفضل ترتيب للجامعات السورية في ذلك المقياس جاء في المركز  4500 على مستوى العالم لعام 2018، وكان من نصيب جامعة دمشق الحكومية. ويتراجع الترتيب عاماً بعد آخر وفق أرقام مديرية الجودة والاعتماد في وزارة التعليم العالي التي تسعى إلى تحسين الترتيب من طريق تطوير المكتبات الإلكترونية وإثراء محتويات مواقع الجامعات على الإنترنت بنشر  رسائل شهادات الماجستير والدكتوراه، وتصميم صفحات بأهم اللغات الأجنبية.

سوق التوظيف

تشير  لجين أسعد مديرة الموارد البشرية في شركة الواصل، إحدى شركات مجموعة سيرياتيل للاتصالات، إلى تراجع في مستويات الخريجين والمتقدمين إلى وظائف خلال السنوات القليلة الماضية. وقالت: "بشق الأنفس، يمكننا العثور على ثلاثة أو أربعة خريجين بالمستوى المطلوب من بين كل مئتي طالب وظيفة" أي بنسبة تتراوح بين 1.5 واثنين في المئة. وردّ معاون وزير التعليم العالي د. رياض طيفور الأمر  إلى غياب الارتباط بين الدراسة الجامعية وبين سوق العمل. ونقلت صحيفة الأيام السورية بتاريخ 15 تشرين الأول/ أكتوبر  عنه في 2017، قوله أن "وزارة التعليم لا تملك معطيات عن سوق العمل وهي مغيبة تماماً وليس في استطاعتها تفصيل اختصاصات لسوق العمل". وأضاف: "يتخرج الطلاب ويجدون أنفسهم عاطلين من العمل لأن اختصاصاتهم غير  مطلوبة". وقالت د. هلا شريف الشاش العضو ة في هيئة التدريس ومدير ةالموارد البشرية في الجامعة العربية الدولية، وهي جامعة سورية خاصة: "ما فائدة التعليم إن كان "ببلاش" (مجانياً) من دون قيمة فعلية؟". وأردفت: "لنتوقف عن زيادة عدد الخريجين ولنتوجه إلى مخرجات تعليمية نوعية لها علاقة مباشرة بسوق العمل". ودعت إلى التركيز  على الجوانب العملية والتطبيقية والابتعاد من بناء عقلية الحفظ عن ظهر  قلب. وقالت: "لا أريد اليوم خريجاً في قسم اللغة الإنكليزية يحفظ أشعار شكسبير  ويعجز عن التعريف بنفسه بهذه اللغة في مقابلة عمل". وفي ظل أوضاع الحرب والأزمة، لا تظهر  بارقة أمل على حلول في المدى القريب لمشكلات التعليم العالي في سوريا. وقال أستاذ في جامعة دمشق أن "القطاع التعليمي هو أول قطاع تصيبه آثار الحرب وآخر قطاع يتعافى". أنجز هذا التحقيق ضمن مشروع "سوريا بعمق" الإعلامي، المدعوم من مؤسستي "الغارديان" البريطانية و "آي إم إس" الدنمركية وشبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) وبالتعاون مع راديو سوريات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard