شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مناصب وهمية لوطن وهمي

مناصب وهمية لوطن وهمي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 30 مارس 201805:42 م
لطالما استقامت الدنيا على نوع من الانتخاب وهو وإن لم يأت في أحيان كثيرة منه على سير من استخدام الأوراق المطبوعة أو الإعلانات البرامجية الخاصة بالدعاية والترويج، إلا أنه مشابه لآليات الانتخابات السياسية: على نحو ما نفعل حين ننتخب كيلو من الطماطم نصف الناضجة لزوم السلطة أو ناضجة تماماً لزوم الجظ مظ مثلاً. أو حين ننتخب حذاء ملائماً من حيث التصميم ومتانة الجلد، لسهرة رسمية أو لغداء عمل أو للركض على طول المسارات البحرية. أو حين ننتخب الطريقة التي نموت بها، إذا كان الأمر متاحاً، لغمٌ مضادٌ للأرواح أو ارتفاع الضغط الشرياني، من الضجر أو من رصاصة ضاحكة، لكنه نوع من الانتخاب. وأستطيع الآن تجربته في العام بعد أن أتممت عمله في الخاص، انتخبت ملابسي وطعامي، انتخبت أصدقائي وأخوتي، مكان استحمامي وطاولة طعامي، الكتب والأقلام وألوان الملابس الداخلية. بقي أن أنتخب الأرض التي أستطيع العيش عليها، والسادة الموظفين الذين سيشرفون على القضاء على ما تبقى لدي من وقت وأمل.

الجنرال (خوف الأرواح الضيّقة) لوزارة الدفاع

لوزارة الدفاع أختار الجنرال (خوف الأرواح الضيقة) بقبعته حائلة اللون ونظرته اللامبالية، خوف الأرواح الأزرق الذي ينسلّ تحت أظافر المواليد الجدد، بمجسّاته النهمة وماصّاته المتغلغلة في كلّ كلّ: في البيوت خفيضة الأسقف والجدران المحتلة بالرطوبة، في الأشجار الموزعة على جانبي الطرقات، المخذولة والمطأطئة خزياً. الخوف الصفيق، الذي تنحت له تماثيل على قمم الجبال العالية وفي الساحات الرئيسية، والذي تنشر صوره الملونة على أغلفة الدفاتر وتكاد توضع على ورقات النعي لولا خشية الالتباس. من يذكر اسمه في المواويل الطويلة وفي بكاء العواصف الرعدية. من ينال أوسمة عقب كل كابوس وبعد كل صراخ لطفلة مرتبكة، الخوف من حياة قد لا تكتمل إلا بالدم، من الضرب الوحشي على الاسم الوحشي، من زوّار الليل الذين يأتون نهاراً، من الجوع ومن قلة الحيلة، الجنرال خوف الأرواح الضيقة، رسولي إلى الاختفاء بسلام، تحت جلدي المتغضّن.
أنتخب الجنرال (خوف الأرواح الضيّقة) لوزارة الدفاع، السيد الذي نحييه بإيماءة رأس ويحيينا بإصبع وسطى
هكذا تترقى من طين صامت في الخلق الأول إلى حجر صامت في حياتك الثانية، ومن ثم إلى تمثال صامت تتبول عليه الكلاب الشريدة

الدكتور (صمت) لوزارة الإعلام

لوزارة الإعلام، خياري هو الدكتور (صمت) ويدعى أحياناً (مدية العنق الذبيح): كف الصمت عن كونه خياراً للإجابة عما لا قبل لك بالإجابة عليه. أصبح أسلوب حياة لعدد لا يستهان به من البشر، هوية تمنح للبالغين سن الرشد بمعجزة، طريقة وحيدة للعيش تحت رحمة الجنرال خوف الأرواح الضيقة (راجع المرشح السابق) أصبح جاراً لنا، نحييه بإيماءة رأس ويحيينا بإصبع وسطى. وأنت تنتظر في طابور الإعانة اصمتْ، وأنت تقبع في غرفة انتظار العلاج اصمتْ، وأنت تصعد في الحافلة، وأنت تشتري ندمك اليومي، وأنت تنام مع زوجتك أو مع زوجة غيرك، وأنت تغرق في بكاء يشبه الزجاجات المحطمة، وأنت تموت من حريق الصمت اصمت. هكذا تترقى من طين صامت في الخلق الأول إلى حجر صامت في حياتك الثانية، ومن ثم إلى تمثال صامت تتبول عليه الكلاب الشريدة، حتى تنتقل بصمتك المخزي إلى قبرك الصامت، أرشحك عزيزي (مدية العنق الذبيح) وأنتخبك بكل... صمت.

السيد (5%) لوزارة الاقتصاد

أختار هنا السيد (5%) المعروف أيضاً باسم الشريك الغامض: ومن أفضل منك أيها الشريك الرائع لتولي منصب بهذه الأهمية، لتأخذ الشواطئ كلها بمظلاتها وصياديها، بقواقعها وملحها، الواجهات البحرية وحقول النفط، مزارع التبغ ومحطات الغاز والمناجم المحفورة بعرق العقود المؤقتة. لتأخذ شعباً يتصيد أنفاسه بإبرة الحياكة وينتقي أسماء أبنائه بحذر الأرنب، رجالاً أشداء يموتون بسعادة ونسوة راضيات يدفنّ أزواجهن بهمّة ورضى. الأجيال الجديدة لقرن قادم، أنساب الحيوانات الأصيلة وخطوط أشجار الليمون، يجب أن تكف عن الاختباء خلف تلك النسبة المضحكة ولتخرج مواهبك الاستثمارية إلى القارعة. شريكنا أنت في الأنفاس وفي الآهات، في الميكروبات وفي احتباس البول، شريكنا حتى في النيكوتين وسرطان الرئة، ولست طماعاً أبداً ففي النهاية لا أحد سيأخذ معه شيئاً إلى... جنيف؟

السيد (صفر المهل اللامنتهية) لوزارة الخارجية

أختار بمتعة السيد (صفر المهل اللامنتهية): اخترته كرقم وليس كعميل سري على جري العادة، إذ لا سرّ في عمالة صفر لامنتهٍ، من أبلغ من الصفر في التحدث باسم حقوق اللاشيء ومن أجدر منه في تحصيل الخواء، الصفر المطلق، الذي يستعير لسان غيره في الخطاب والسخرية والتملق، الذي يسير بأقدام الموتى ويتبرع بدم الباكيات وربما يقبل أيضاً بشفاه الغائب. صفر المؤتمرات المقامة على عجل ولجان التفاوض المخبّلة، صفر المهل الحاني. الذي أرهقته الحقوق فرمى بها على أول رصيف وأتعبته الواجبات فنسيها في درج مقفل، صفر الــ"نعم" وسمعاً وطاعة، الصفر الذي يخشى أن يصبح فاصلة ويخاف أن ينتصب على يمين رقم، أيها الصفر الرائع، يا محصلة الوطن المفيد وغير المفيد، انتخبك لتمثلني فأنا صفر أيضاً، مثلك.

المهندسة (سراب الرجاء) لرئاسة الحكومة

لرئاسة كل هذا الوهم المفجع اخترت المهندسة (سراب الرجاء): أنيقة ومشغولة بدقة الترزي حين يزركش ثوباً، سراب الرجاء الخفيفة كحياتنا الخفيفة، تأتي بكل الأبهة اللازمة والسيارات اللامعة والملابس المكوية جيداً. بالمشاريع المدروسة في المقاعد الخلفية والخطط المرسومة بأقلام الرصاص، كما يليق بسراب ناجح، تأتي بسحابة وردية من الأحلام سهلة التحقق، بآبار المياه العذبة وأنابيب الصرف الصحي، بالطرق السحيقة والجسور الشاهقة. سراب الرجاء الممتع، المُقنع، السراب الذي غطّى 185 ألف كيلومتر في السابق ويستطيع أن يغطي نصفها الآن، رغم تقدّمها في العمر، سراب الرجاء التي لا تشيب إذ لا يشيب منتخبوها. 

رئاسة الجمهورية

صرفت أربعيني في انتخابها، الحيرة الواضحة وضوح البذور في الشمّامة الحمراء، انتخبها أبي من قبلي وربما جدي أيضاً. من أنا لأخرج عن الخط الوطني العام لعائلتي السعيدة؟ أنتخب حيرتي من قادم الأيام وماضيها، أنتخب توهتي بما ستؤول إليه أشهري وسنواتي، أشهر ابنتي وسنواتها. أختارها لأنها الأصدق فيما علمت وما كنت يوماً واثقاً من شيء بقدر ثقتي بحيرتي. فلم لا تكون مولاتي الساكنة قصر الشعب وتصدر لأجلي القوانين التي تزيد حيرتي حيرة، ولم لا تكون مولاتكم وبرنامج حياتكم أيضاً، أنتم أيها الحائرون.

للوزارات الأخرى

ها قد اكتملت لائحتي للانتخابات المقبلة. وضعت فيها كل من أثق به لاستكمال القبض على ناصية الحياة السرية لشخص سري. السنوات المفترضة لكائن مفترض، تضمنت اللائحة الوزارات الأساسية كما هو معروف. أما الضجر واليأس والخيبة الرطبة، الخذلان العاري والألم المشعّ كمصباح، الضغينة الجافة والنهش المنظم، ركام البيوت المهجورة، معابر النازحين والآبار المردومة بالجثث، فلنوزعها كيفما اتفق على الوزارات المتبقية، مناصب وهمية لوطن وهمي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard