شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كشوف العذرية وغشاء بكارة الثورة

كشوف العذرية وغشاء بكارة الثورة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 4 أبريل 201808:40 ص
ماذا لو لم تكن سميرة إبراهيم عذراء؟ هذا السؤال الذي يبدو خاصاً جداً هو في الواقع عام جداً.
بينما يحتفل العالم بيوم المرأة في 8 مارس، تتذكر النساء المصريات حدثاً لا يُمحى من ذاكرتهن: كشوف العذرية التي أجراها ضباط الجيش المصري ضد متظاهرات قُبض عليهن في ميدان التحرير في 9 مارس 2011. علماً أن بعضهن لجأن إلى التقاضي مثل سميرة إبراهيم، وهي شابة عشرينية من محافظة المنيا، وفضّل بعضهن الصمت. حازت قضية سميرة إبراهيم اهتماماً إعلامياً محلياً ودولياً، وكان الخطاب المستخدم في الحديث عن القضية هو خطاب الدفاع ضد العنف الجنسي الذي تتعرض له المتظاهرات. لكن الآن، بعد مرور سبعة أعوام، كيف يُمكننا إعادة تناول واقعة كشوف العذرية من منظور مختلف نسبياً؟ لم تخلُ التيارات المُشاركة في ثورة يناير من الاتجاه المحافظ تجاه قضايا النساء، وهو ما أثبتته أكثر من واقعة، منها الاعتداءات الجنسية بميدان التحرير 2012، وما تلاها، مسبوقة بمحاولات فرض الانضباط على المعتصمات، مثل الملابس والسلوكيات قبل التنحي، ثم بمحاولات "نزع الثورية" عن عدد كبير من الشابات، منهن علياء المهدي. ولكن تبقى قضية كشوف العذرية ذات وضعٍ خاص، كونها من أوضح الأمثلة على اختلاط ما هو عام كالتظاهر، وما هو خاص كالعذرية، من خلال أجسام النساء المرتبطة بمفهوم الشرف. فالشرف مصطلح فضفاض يرتكز على خرافة محورها أن غشاء البكارة هو العلامة الوحيدة على عدم ممارسة النساء للجنس، وعليه يُعتبرن «محترمات»، وصالحات اجتماعياً، وجديرات بالثقة. تخسر النساء ذوات البكارة المفضوضة أو اللاتي وُلِدن دونها، رصيداً اجتماعياً، يتحول أحياناً إلى نبذ وعنف يصلان إلى القتل، فيما يُعرف بجرائم الشرف. و بقدر ما يكون الشرف مرتبطاً بالنساء، فإنهن في الواقع لا يملكنه، إذ يُعتبر ملكاً للعائلة. ومن خلال هذا الموروث الثقافي، يُعتقد أن جنسانية النساء تحت سيطرة العائلة، والدولة أيضاً، وتكون إما مصدراً للتفاخر أو للخزي.

الأخلاق، والثورة، والجنسانية

يشمل خطاب الحقوق الجسدية والجنسية وجهين أساسيين. الأول هو إدانة انتهاك الجسد، ويُمكننا الإشارة إليه بالوجه السلبي. والسلبية هنا صفة مجردة يكمن مضمونها في النفي والإدانة كرد فعل. أما الثاني، فهو الدفاع عن حق الانسان في تقرير ما يخص جسده، وهو ما يحمل صفة الإيجاب، أي الدعوة والمبادرة كفعل.
ماذا لو لم تكن سميرة إبراهيم عذراء؟ هذا السؤال الذي يبدو خاصاً جداً هو في الواقع عام جداً
النساء اللاتي يسعين إلى التحرر من القيم الأبوية في المجال الخاص، يُفاجأن بإعادة إنتاج القيم نفسها في المجال العام
انطلقت حملات تأييد لقضية سميرة إبراهيم، واعتمدت على الوجه السلبي لخطاب الحقوق الجسدية: إدانة الانتهاك والدعوة لأحقية النساء في المجال العام. ولكن نَدُرَ أو انعدم وجود الوجه الإيجابي لأحقية النساء في أجسامهن من منطلق جنساني بحت. وهو ما لم ينجُ بشكل كامل من الوقوع في فخ الأخلاق المحافظة، والاستخدام غير المباشر لنتيجة كشف العذرية كدليل على الأخلاق، وأحقية سميرة بالدعم. قد نرى ذلك جلياً في أحد تصميمات الجرافيتي لعمّار أبو بكر على حائط «مجلس الدولة» لدعم سميرة إبراهيم. قارن الرسمُ بينها وبين علياء المهدي، موضّحاً أن الأولى تم انتهاكها، بينما الثانية نزعت ملابسها بإرادتها، في مفارقة أخلاقية بين الانتهاك وحق التصرف في الجسد. قد يبعدنا ذلك قليلاً عن رومانسية الثورة في عيوننا، لكنها الضرورة.

العابرات من الخاص إلى العام

لا يُمكننا الجزم بأن التأييد الذي نالته سميرة إبراهيم، كان وحده معتمداً على الاعتداد بنتيجة الكشف، وعلى الربط بين البكارة والأخلاق واستحقاق الدعم. حتى لو أخذنا في الاعتبار أنها من أسرة صعيدية، ممن تم ربط مفاهيم الشرف بهم جغرافياً. أو أن والدها دعمها لأنه قد يكون ذلك نوعاً من التباهي في مجتمعه المحلي بعد إشاعات أطلقها التلفزيون المصري عن المتظاهرات بأنهن يُمارسن الجنس في التحرير. لكن ما زال بإمكاننا التساؤل عمّا كانت ستؤول إليه الأمور لو كانت سميرة إبراهيم غير عذراء. وعن كيف كانت لتبدو "صورة الثورة" آنذاك، أو رد فعل عائلتها، وكيف كان سيؤثر ذلك على موقفها من مقاضاة الدولة، لو أن نتيجة الكشف جاءت عكس ذلك؟ هذا ليس تطبيعاً مع كشف العذرية، أو اعتباره أمراً عادياً. لكنني أستخدمه هنا نقطةً أنطلق منها إلى ما لم نناقشه باستفاضة: عن علاقة الثورة بأجسام النساء وكيف استخدمت المجموعات المدنية المختلفة تلك الأجسام لنصرة الثورة أو لتطهيرها. في صيف 2013، انتشرت أغنية لدعم الجيش المصري بعد فضّه اعتصامات الإسلاميين، تبدأ بجملة: "اللي صان العرض يسلم". تم استخدام الأغنية بواسطة المُعارضين. استخدم هؤلاء نفس الجملة، وكتبوها على صورة الشابة التي سحلها وعرّاها أفراد الجيش في ديسمبر 2012، في ما يُعرف باشتباكات مجلس الوزراء. هنا، مرة أخرى، تتم الإشارة إلى أجسام النساء المتظاهرات والمنتميات للثورة كعلامات للشرف، ويجري استحضار مفهوم الشرف والعِرض للتدليل على الانتهاك. أتوقع أن الإجابة عن سؤالي يُمكن الاستدلال عليها من الوقائع التي ذُكر بعضها. فهؤلاء النساء اللاتي يتم تعريف أجسامهن في سياق الأسرة بأنها مترادفة للشرف، لم يختلف موقعهن في المجال العام كثيراً كمتظاهرات أو ناشطات. فقد جرى تعريف أجسامهن بأنها مُرادفة للشرف أيضاً. وبذلك، أصبح وجودهن في الفضاء العام بمثابة عبور لأجسامهن بكل ما تحمله من معانٍ وقيود. هذا العبور لم يحصل من خلال التحرر من قيم الشرف وقيود العائلة، وإنما نقلها إلى ما هو أوسع وأكبر: فتم استبدال "صورة العائلة" بـ "صورة الثورة". قد نُسمي ذلك "تأميماً"، وقد نُسميه أبوية. وقد نتفق أن ذلك، أيًا كان اسمه، هو عبء إضافي على النساء اللاتي يسعين إلى التحرر من القيم الأبوية في المجال الخاص، ويُفاجأن بإعادة إنتاج القيم نفسها في المجال العام، فتصبح رحلتهن من الخاص إلى العام عبارة عن صراع مُتكرر ومُرهق لا ينتهي.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard