شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أفلام الرعب العربية ليست مرعبة بل مثيرة للضحك. فهل نستمر بإنتاجها؟

أفلام الرعب العربية ليست مرعبة بل مثيرة للضحك. فهل نستمر بإنتاجها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 14 مارس 201812:33 م
حصد فيلم الرعب "Get Out" جائزة الأوسكار عن فئة السيناريو الأصلي خلال الحفل الذي أقيم قبل بضعة أيام بمسرح دولبي في هوليوود. كان هذا الخبر كفيلًا بأن يفتح الباب لطوفان من الأسئلة حول الحرفية التي وصلت إليها أفلام الرعب وأوصلتها إلى منصة الأوسكار 2018 برغم غيابها سنوات طويلة لأسباب اختلف النقاد والنجوم حولها.
الطوفان نفسه انهمر علينا في الوطن العربي مختصرًا في سؤالين هما، لماذا فشلنا حتى الآن في إنتاج أفلام رعب ذات جودة عالية، ولماذا تتسبب أفلام الرعب المصرية على وجه الخصوص، والعربية إجمالاً، في موجة من الضحك والكوميديا برغم أنها لم تنتج لهذا الغرض من الأساس؟ لقد حققت أفلام الرعب الأجنبية نجاحات كبرى، ووصل الأمر إلى حد وفاة بعض الأشخاص في دور العرض خلال مشاهدة فيلم رعب، تماماً كما حدث مع فيلم The Conjuring  الذي أنتج في 2016، ولقي فيه، بحسب صحيفة "The independent" البريطانية، مواطن هندي مصرعه إثر إصابته بأزمة قلبية حادة، ولم تفلح الجهود في إنعاشه.
والآن، إذا جربتم أن تدوروا بين محركات البحث لتتعرفوا على فيلم رعب عربي واحد كان له نفس التأثير أو حتى ترك بصيص من الخوف في نفوس جمهوره، فلن تجدوا، بل على العكس، ستجدون أن أفلام الرعب العربية أجبرت مشاهديها على الخروج من قاعات العرض قبل انتهاء الفيلم بحجة أنها تستخف بعقولهم. هنا نترك المساحة لعدد من النقاد وأهل الفن لنعرف منهم كيف يرون تجارب السينما المصرية والعربية مع الرعب؟ وهل يجب أن نستمر في تلك النوعية برغم فشلنا الذريع فيها أم نتوقف لنجرب في ميادين أخرى؟
قال الناقد مجدي الحمزاوي: بكل تأكيد، يمكن الجزم بأن أفلام الرعب المصرية والعربية فاشلة، لأن الموروث أو العقل الجماعي المصري تحديدًا، والعربي عامةً، لا يحتوي على هذا النوع من الفن. وتابع: العقلية توقفت عند "أمنا الغولة" و"الرخ" و"المارد"، وكان أكثر الأمور بشاعة في التراث عملية أكل الحيوانات البشرَ مثل الغولة أو المردة، ولم تُصور جيداً في التراث الشفاهي ولا حتى في المكتوب كـ"ألف ليلة وليلة". ويواصل: في الديانة المسيحية تم تصوير الشيطان على أن له وجوده المادي، وتطويعه لمعاونيه، وهذا أفرز صوراً كثيرة تتغذى على الدماء والأشلاء، فكان طبيعيًا أن تتحول قصة الكونت دراكولا إلى مصاص دماء، ولو نظرنا إليه سنجده تجسيدًا لعمل الشيطان.
ويضيف الحمزاوي: أما نحن فلم نعرف استخراج أفكار ومشاهد مرعبة من تراثنا الثقافي والتاريخي، وربما من الجيد أننا فشلنا في ذلك. فالرعب نعيشه في مشاهد حية يوميًا على الشاشة. وقال الناقد محمد مسعد: هناك ثلاثة أسباب أساسية لتراجع قدرة السينما العربية على إنتاج أفلام الرعب: الأول أن نوعية الرعب على مستوى الإنتاج السينمائي تطورت ونمت في ظل ظروف إنتاجية شديدة الثراء في أمريكا، وبالتالي فقد استطاعت أن تقوم خلال العقود الأخيرة بقفزات نوعية على مستوى الخدع السينمائية وتقنيات الجرافيك وتدريب عدد كبير من الفنيين والفنانين بدءًا من المخرج والسيناريست وحتى عمال الإضاءة على التقنيات الفنية التي تحقق التأثير المرجو منها. وهو ما لا يتوافر للسينما العربية والمصرية حتى اليوم إذ لم تزل تحاول استكشاف وتتبع التقنيات الفنية والجمالية الخاصة بإنتاج نوعية الرعب ومحاولة تطوير الصناعة لملاحقة التطورات التقنية.
لا تزال السينما العربية تحاول استكشاف وتتبع التقنيات الفنية والجمالية الخاصة بإنتاج نوعية الرعب
تكمن مشكلتنا في ضعف الخيال وفي محاولة استعارة تجارب ثقافات غريبة علينا وزرعها في بيئة غير مهيأة لتلقيها
والسبب الثاني متعلق بظروف إنتاجية أيضاً، عدا أن لتلك النوعية من الأفلام جمهورًا خاصًا إذ ليست موجهة لجمهور عام مثل جمهور أفلام الحركة أو الكوميديا، وبالتالي فإن الرهانات الإنتاجية دائمًا منخفضة، وفي المقابل فإن المتلقي لتلك النوعية من الأفلام يمتلك خبرة كبيرة وسقفًا جماليًا وتقنيًا مرتفعًا لم تستطع السينما العربية توفيره حتى اليوم. لذلك هو ينظر للمنتج السينمائي العربي المنتمي لنوعية الرعب بقدر من الاستهانة وعدم التقدير، وهذا ما يتم دعمه بتاريخ السقطات الفنية والتقنية الخاصة بمحاولات إنتاج تلك النوعية في السينما العربية ، وهو ما يعني أن المنتج والمستهلك في حالة شك متبادل.
أما السبب الثالث فهو: خلال السنوات القليلة الماضية بدأت الروايات الشعبية في مصر اختراق عالم نوعية الرعب وهو ما يمكن أن يمثل قاعدة أساسية لبناء سينما الرعب في مصر والمنطقة العربية، خصوصاً أن تلك النوعية من الروايات أصبح لها جمهور واسع من الشباب بشكل أساسي، لكن حتى الآن لم تنجح تلك الروايات في تقديم المادة المناسبة للإنتاج السينمائي المتوسط التكلفة. ولكن خلال السنوات المقبلة سترتفع فرص نجاح مشروع سينمائي منتمٍ لنوعية الرعب، خصوصًا أن هناك أجيالًا جديدة من السينمائيين يمتلكون القدرة والرغبة في المراهنة على تقبل المتفرج العربي لتلك النوعيات التي لم تهتم السينما العربية بتنميتها مثل الفانتازيا والخيال العلمي والرعب.
وقال الكاتب والشاعر يسرى حسان: تكمن مشكلتنا في ضعف الخيال، كما تكمن في محاولتنا استعارة تجارب من ثقافات غريبة علينا، ومحاولة زرعها في بيئة غير مهيأة أصلا لتلقيها، خاصة على هذا النحو الساذج الذي نقدمها به، نحن مجتمع مأزوم أصلًا ولديه مشكلات تخصه والأولى بنا أن نقدمها، والأولى بنا كذلك أن نجدد في أفكارنا التي تتماس وهموم واهتمامات مجتمعنا. ويتابع: أفلام الرعب التي ينتجها الغرب تعتمد على تقنيات ووسائل لا نملكها ولم نستوعبها بعد، فلماذا لا نعمل على قدر إمكاناتنا لتقديم أعمال سينمائية جيدة؟
وعلق الناقد عبد الله غلوش قائلاً: في تاريخ السينما المصرية محاولات شبه جيدة لأفلام الرعب، وأفضل تلك التجارب من وجهة نظري هي أفلام "الإنس والجن" و"التعويذة" و"استغاثة من العالم الآخر"، لاعتمادها الأكبر على الرعب في القصة وليس الإخراج، لأننا ما زلنا نعاني من أزمة الأفكار التي يمكن تقديمها في نوعية الرعب، وأعني هنا تحديدًا المؤثرات البصرية والصوتية والجرافيك بالمقارنة مع أمريكا وأفلامها "اللي الناس دايماً أول ما بنجيب سيرة الرعب بيعملوا مقارنة معاهم وطبعاً بنخسر في أي مقارنة". وقال الكاتب محمد الشماع: محاولات تقليد أفلام الرعب الأجنبية والالتزام بموضوعاتها وتقنيات العمل فيها هي الأزمة الحقيقية التي لم تجعل السينما المصرية، والعربية، تقدم عملاً متقناً في هذا المجال. من حيث الموضوعات، لم يفرّق السينمائيون العرب بين أفلام التشويق والجريمة (thriller, criminal) من جانب، وبين أفلام الرعب (horror) من جانب آخر، فهذان التصنيفان يعرفهما صناع السينما الهوليوودية وجمهورها جيداً، بل هناك متخصصون ودورات تدريبية ومناهج دراسية في أكاديميات السينما الأمريكية للتفريق بين التصنيفين، وتجد معظم الأفلام مصنفة في خانة واحدة، والفارق بينهما شعرة، فأفلام التشويق والجريمة تعتمد على حبكة منطقية. ربما تسير الأحداث مبهمة كجرائم قتل يرتكبها شخص يرتدي قناعًا، ولكن في النهاية تتكشف حقائق الأمور، عبر فك ألغاز يعرفها الكاتب.
أما أفلام الرعب فلا منطق فيها. هي أفلام بلا سند عقلي ومنطقي وعلمي، كخروج ثعابين من فم فتاة صغيرة، أو تحول شخص لكتلة نار تحرق ما جواره. وقال مهندس الديكور شادي قطامش: كل أفلام الرعب التي قُدمت في مصر كانت محاولات ساذجة، ولا ترتقي إلى وصفها بـ"أفلام الرعب"، ذلك أن تلك النوعية تحتاج إلى ميزانيات بالملايين بسبب الاعتماد على المؤثرات السمعية والخدع البصرية والمكياج، وطبعًا لن تجد منتجًا في مصر يجازف بالملايين ليخسرها في النهاية، كما أن العرب والمصريين لن يتقبلوا فكرة وجود أفلام رعب عربية لأن لدينا أحكامًا مسبقة عنها بأنها ستفشل، وبالتالي فنحن نحتاج إلى تغيير تلك النظرة لدى الجمهور، وإلى منتج مغامر ليجرب في هذا الإطار، فربما نربح يومًا ما من تلك الأفلام ونغير وجهة نظر الناس فيها. وقالت الممثلة دينا مجدي: للأسف، لم نستغل الحكايات والأساطير الشعبية المصرية كما يجب، واستسهلنا النسخ من الخارج  في الوقت الذي استفادت فيه السينما الأمريكية من الحكايات الشعبية والأساطير المتوارثة حول العالم.
هنا إذاً تكمن الأزمة والحل هو أننا بحاجة للعودة إلى الجذور لنأخذ منها ما يستحق التقديم في قوالب الرعب، وإذا جربنا وفشلنا يجب أن نركز على تجارب أخرى نكون ناجحين فيها. وقال المخرج شاذلي فرح: منذ انطلاق سينما الرعب في مصر، وتحديداً مع فترة إسماعيل يس، كانت أفلام الرعب بلهاء، بعد ذلك جاءت حقبة اعتمدت على صناعة أفلام التشويق، كان ذلك في الستينيات وأيضاً فشلت فشلاً ذريعاً، وفي الثمانينيات انتشرت أفلام الرعب والأفلام البوليسية وأيضاً فشلت، برغم أننا نمتلك بيئات كثيرة يمكن أن نصنع منها أفلام رعب مدهشة مثل الصعيد، الذي تنتشر فيه أسطورة "النداهة" و"أم الشعور"، وكذلك منطقة الدلتا والصحراء ومطروح الوادي الجديد والبيئات البدوية كلها ممتلئة بحكايات رعب وتشويق يمكن أن يستفيد منها المخرجون لتقديم أعمال ترقى للمستوى العالمي. ولكن المشكلة أن كل المخرجين عملوا على المنهج الأمريكي فنقلوا القالب الغربي إلى قلب البيئة في مصر، فكانت النتيجة المنطقية خروج العمل بشكل كوميدي لأنه تقليد أعمى. ويختم: المحزن الآن هو أن السينما الهندية تصنع فيلم رعب عالي الجودة من حيث الحبكة والقصة والتصوير، وكذلك السينما التركية، أما نحن فماذا نقدم؟ بكلمتين، ليس هناك سينما رعب في مصر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard