شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عن النازيّة العربيّة والمعجبين بها

عن النازيّة العربيّة والمعجبين بها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 28 فبراير 201805:50 م
أطل الممثل السوري أويس مخللاتي - المعروف بشخصيّة "صخر" التي أداها في المسلسل الذي نال شهرة واسعة حين عرضه، الهيبة - من برنامج "هيدا حكي" الذي يقدمه الممثل اللبناني عادل كرم على قناة Mtv. وخلال هذا اللقاء تمّ الحوار التالي: عادل: مين هو الزعيم التاريخي اللي بتلفتك مسيرته؟ أويس: أوووف عادل: كتار؟ أويس: لأ. عادل: مين؟ يضحك أويس مخللاتي فيسأله عادل: ما فيك تقول؟ أويس: يعني بستحي… بخاف بخاف…. لا ما بخاف... يا خيي هتلر. عادل ضاحكاً: هتلر؟ وهنا يصفق الجمهور بحماسة. ويضيف عادل: حيرتنا. أويس: بس بدي قول شغلة. هتلر كان، بغض النظر عن البطش اللي كان قائم عليه ولكن كان صاحب قومية… يا ريتها كانت عربية. بس… بكل حب. يصفق الجمهور. عادل: بنوجهله تحية لهتلر. أيّ حبّ هذا يا أويس؟ لماذا تقول "كلّ الحب" في نهاية جملة تتغنى بواحد من أسوأ الدكتاتوريين في العالم؟
هل تعرف أن ما قلته في بيروت كان يمكن أن يزج بك في السجن لو قلته في ألمانيا؟ هم خجلون بتاريخهم الدامي، فهل يمكن أن نخجل نحن من تاريخنا الدامي يوماً ما؟
عن المستقبل الذي ينتظر أولادنا في بلاد يُعجب مثقفوها وشعراؤها وممثلوها بأسوأ المجرمين عبر التاريخ
هل تعرف أنّ هتلر كان السبب المباشر للحرب العالمية الثانيّة؟ هل سمعت بالمحارق وإعدامات الغاز التي جرت في عهد هتلر؟ هل قرأت يوماً ما، وأنت الممثل الأكاديمي، أن هتلر كان سبباً مباشراً في موت سبعة وعشرين مليون إنسان على الأقل؟ تتمنى أن يكون هتلر عربياً؟ هل تريد أن تشيّد مجد قوميتك العربيّة على أرواح ملايين الناس؟ كيف تستطيع يا أويس أن تقول "بغض النظر عن البطش اللي كان قائم"؟ كيف يمكنك غض النظر عن ملايين القتلى والجرحى والمصابين ومئات الملايين من المتأثرين سلباً بـ"البطش اللي كان قائم"؟ ألا يمكنك أن تحسّ بكلّ تلك الأوجاع وآثارها المستمرة حتى اليوم؟ أتعرف كلّ ذلك وما زلت معجباً بهتلر؟ إن كنت تعرف، يا أويس، فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعرف، فتلك مصيبة أخرى، ولا أدري أيّ المصيبتين أعظم.
هل تعرف أن ما قلته في بيروت كان يمكن أن يزج بك في السجن لو قلته في ألمانيا؟ هم خجلون بتاريخهم الدامي، فهل يمكن أن نخجل نحن من تاريخنا الدامي يوماً ما؟
عن المستقبل الذي ينتظر أولادنا في بلاد يُعجب مثقفوها وشعراؤها وممثلوها بأسوأ المجرمين عبر التاريخ
لكن، ربما المشكلة ليست ما تفكر فيه، ربما كانت المشكلة أنّ عشرات الأشخاص يصفقون لما قلته. هل تعرف أن ما قلته في بيروت كان يمكن أن يزج بك في السجن لو قلته في ألمانيا؟ هل تعرف لماذا؟ لأنّهم لا يريدون تكرار تاريخهم غير المشرف. هم خجلون بتاريخهم الدامي، فهل يمكن أن نخجل نحن من تاريخنا الدامي يوماً ما؟ هل محبتك لهتلر غريبة عنّا؟ لا أعتقد ذلك. في كتبنا ومناهجنا المدرسيّة نتفاخر بتاريخ غارق بالدماء، بقادة مجرمين قاموا بأفعال غير إنسانيّة يُندى لها الجبين. نتفاخر بقتل الآخرين، كما لو أنّ القتل والموت هما طريق الحياة. في الصف الخامس الابتدائي، أي حين كنّا في العاشرة من العمر، علمتنا أستاذتنا الشابة أغنية تقول: "هذي السيوف تعطشت، يا حبذا لو أنعشت". يا لها من جريمة في حق الطفولة. تاريخنا زاخر بسفك الدماء البريئة وحاضرنا مشابه. دماء تسيل في كلّ مكان، وكأنّ لا لون للحياة سوى لون دماء الأبرياء. أولئك الذين يهتفون للدكتاتوريين ويموتون في سبيلهم في بلادنا هم أبناء ثقافة الموت هذه، أبناء ثقافة عبادة المجرمين، أبناء ثقافة محبي هتلر ومحبي بشار الأسد.

في الصف الخامس الابتدائي، أي حين كنّا في العاشرة من العمر، علمتنا أستاذتنا الشابة أغنية تقول: "هذي السيوف تعطشت، يا حبذا لو أنعشت"

كيف أستغرب ما تقول وأنت لم تشذ عن قاعدة الإعجاب بالقتلة الكبار، ألم يتمنَّ الشاعر نزيه أبو عفش أن يكون رئيسه ستالين المعظم، لو كان يعيش في أربعينيات القرن الماضي؟ ستالين هذا كان سبباً مباشراً في قتل حوالى أربعين مليون شخص خلال سنوات حكمه. ألا يعجب الآلاف من أبناء بلادنا بدكتاتور قاتل كماوتسي تونغ، دكتاتور الصين الأسوأ؟ وماذا يقول المرء في عادل كرم، الممثل اللبناني الشهير ومقدم برنامج متابع على نطاق واسع؟ عادل كرم الذي يتجه للتعامل مع منصة كبيرة مثل نتفلكس. أفكر هل تقبل منصة كهذه بأن يكون أحد شركائها من الذين يقبلون بالنازيّة؟ ماذا جرى يا عادل، تضحك وتصفق لضيفك الذي يعجب بهتلر، وفوق هذا توجه تحية لهتلر على سبيل السخريّة، هل حقاً تتعامل مع النازيّة بهذه الطبيعيّة والمزاح؟ لقد سبق أن تعاملت مع عنصريّة صادرة من ضيوفك بهذه الأريحيّة، وانحدارك ما زال مستمراً، مع الأسف. أي مستقبل ينتظر أولادنا في بلاد يُعجب مثقفوها وشعراؤها وممثلوها بأسوأ المجرمين عبر التاريخ؟ أي مستقبل ينتظرنا في بلاد ترفع من شأن المجرمين والدكتاتوريين والفاسدين وتدفن مواهبها؟ أي مستقبل ينتظرنا في بلاد تقتل أطفالها وتعتقل شبابها وتترك معجباً بهتلر يخرج علينا من الشاشات الفضائيّة ليخبرنا أنّ القومية العربية شيءٌ جميل؟
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard