شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ماذا أُسمّي ابنتي؟

ماذا أُسمّي ابنتي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 21 فبراير 201811:45 ص
قالت لي شريكتي: ربما أحمل طفلاً في أحشائي. أجرينا اختبار الحمل ثم زرنا الطبيبة. نعم لدينا طفلة قادمة إلى هذا العالم. بعد أسابيع، حين أصبح بإمكاننا معرفة جنس الجنين وضعتنا الطبيبة أمام سؤال لم أفكر فيه مسبقاً: هل تريدان معرفة الجنس أم تريدان أن يبقى ذلك مفاجأة؟ كانت تلك المرة الأولى التي نفكر فيها باسم الطفل. قررنا معرفة الجنس لأنّ التفكير في أسماء جنس واحد أسهل من التفكير بأسماء الجنسين. اختيار الاسم مشكلة فعلاً. كنت أقول في تلك الشهور الطويلة من البحث والمباحثات إنّ هذه المشكلة من أكبر المشكلات التي واجهتها في حياتي. اختلاف أذواقنا وثقافاتنا ومعاني الأسماء لدينا ووقع موسيقى الأسماء على آذاننا يُعمق المشكلة؛ الأم ألمانية، وأنا سوري مشبّع بالثقافتين العربيّة والكرديّة. مثلاً، حين عرفت أن جنس الرضيع أنثى، قلت لشريكتي: "حسناً هذه سهلة، سنسميها ليلى، هذا الاسم المُفضل لدي وأنتِ تعرفين ذلك". أجابت: "أحب هذا الاسم لكن لا، هذا اسم كليشيه، في كلّ الأفلام والبرامج التلفزيونيّة الأوروبيّة - أو أيّ شيء له علاقة بالعرب أو بتركيا أو بإيران - يكون اسم الفتاة ليلى، لا أريد هذا الاسم". بقيت طويلاً أصارع لنيل هذا الاسم، لكني استسلمت أخيراً لعنادها. قالت لي: "أحب اسم ليلي، هذا اسمي المفضل، لماذا لا نسميها ليلي؟". أجبتها: "لا بأس، حين نجلب كلبة سنسميها ليلي، كان لدى صديقتي كلبة اسمها ليلي". قالت: "لا، هذا اسم جميل جداً". قلت: "هذا اسم دلع وليس اسماً جميلاً، ما رأيك أن نسميها ليلى وندلّعها ليلي؟". "وماذا ستناديها أنت؟" سألتني. "ليلى طبعاً" أجبت. "إذن لا أريد هذا الاسم" قالت. وهكذا مع باقي الأسماء إلى أن تخلّينا عن جميع أسمائنا المفضلة.
هذا الجدل نعيشه جميعاً... اي اسم نختار لمولودنا القادم؟ كي لا يقول لنا يوماً: ألم تجدوا لي اسماً أفضل من هذا؟
نبحث بكل اللغات التي نعرفها والتي لا نعرفها، علّنا نجد ضالتنا. سألنا أصدقاءنا وأهلنا. لا شيء. أقول أنا وتقول شريكتي مثلما قال محمود درويش: لا شيء يعجبني.
بدأنا البحث في الانترنت عن أسماء البنات، نكتب في محركات البحث جملًا مثل: أسماء بنات عربي، أسماء بنات كردي، أسماء بنات روسي، أسماء بنات إنكليزي، أسماء بنات ألماني… الخ. نبحث بكل اللغات التي نعرفها والتي لا نعرفها، علّنا نجد ضالتنا. سألنا أصدقاءنا وأهلنا. لا شيء. أقول أنا وتقول شريكتي مثلما قال محمود درويش: لا شيء يعجبني. كان لا بدّ لنا من الأخذ بعين الاعتبار أنّنا نسكن في برلين، وأن عائلتي خليط كردي عربي وأنّ عائلتها ألمانيّة، لذا يجب اختيار اسم سهل النطق للجميع. كنّا نريد أن تكون خالتي العراقيّة العربيّة وعمتي السوريّة الكرديّة والجدّة الألمانيّة قادرات على نطق الاسم. بعد شهور من البحث، استقر بنا الحال على قائمة قصيرة من الأسماء، أسماء جميلة وسهلة لكنّها لم تكن مفضلة لدينا، أسماء مثل: مايا، يارا، آفا… لم نكن نتخيل أن نسمي ابنتنا بهذه الأسماء رغم أنّنا أحببناها. هكذا بقينا ننادي الجنين "بي بي". زرنا أمي وأبي اللذين يسكنان في إحدى قرى الريف الفرنسي، وحين عودتنا في الطائرة، جلست خلفنا أم وابنتها التي تبلغ من العمر حوالى عشرة أعوام. في المطار الفرنسي، وفي الطائرة، وفي المطار الألماني، رحت ابتسم لتلك الطفلة فتبادلني الابتسام، كانت تمتلك أحلى ابتسامة في العالم، هكذا قلت لشريكتي. قبل أن نصعد إلى الباص الذي يصل بيتنا، سمعنا الأم تنادي ابنتها: ميلا. أحببنا وقع موسيقى الاسم على الآذان، ومنذ ذلك الحين بقي هذا الاسم المفضل في قائمتنا القصيرة. أردنا، مثل عادة الألمان في هذه الأيام، أن نعطي البنت اسماً ثانياً. فكان اسم روزا هو الأكثر تناسقاً موسيقياً مع الاسم الأول. اسم روزا قد يكون ألمانياً مثل روزا لوكسمبورغ، ويكتبونه Rosa، وقد يكون كردياً ويكتب Roza، ونحن قررنا أن نكتبه بالطريقة الكرديّة. ومعنى الاسم وردة. اسم ميلا، هو اسم منتشر في أوروبا الشرقيّة وأوروبا الشماليّة ويعني الشخص العزيز. وهكذا اعتمدنا اسم ميلا روزا. ولدت ابنتي أثناء قراءتي كتب الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش. وهكذا بدأت أناديها "ميلوشكا"، مثلما يفعل الروس. وكذلك أناديها "ميلوكي" بياء مخففة متلما يدلّع الأكرادُ الأسماءَ. اليوم تملأ ميلوشكا حياتي وتشغل يومي وأعطيها من الحب ما لم يعرفه بشر. لكنني واثق بأنّ يوماً سيأتي في المستقبل ستقول لي فيه، مثلما يفعل معظمنا مع أهله: ألم تجدوا لي اسماً أفضل من هذا؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard