شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
العلاج النفسي الأونلاين... مواقع متخصصة وصفحات

العلاج النفسي الأونلاين... مواقع متخصصة وصفحات "تغتال المريض معنوياً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 18 فبراير 201812:52 م
عندما تعرّضت الشابة المصرية مريم ص. لأزمة نفسية تستدعي الذهاب إلى الطبيب، كان اختيارها الأول الحصول على المساعدة "أونلاين". بحثت عن منصة إلكترونية للعلاج النفسي تقدّم لها متخصصاً في علاج حالتها، وعبر اتصال مباشر حصلت على الجلسة العلاجية التي تحتاجها، في تجربة صار كثيرون لا يترددون في الإقدام عليها. خلال السنوات الأخيرة، عكست مواقع التواصل الاجتماعي حاجة متنامية لدى الجمهور العربي للدعم والاستشارات النفسية، فبرزت مواقع متخصصة وصفحات ومجموعات مهمتها تقديم المساعدة. دعمت هذه المنصات جمهورها بمعلومات واستشارات حول الأزمات النفسية بأنواعها، بدءاً من الأزمات الحياتية العابرة، كالحزن لفقدان حبيب ومشاكل العلاقات العاطفية وتربية الأبناء، وصولاً إلى الأمراض الخطيرة والمزمنة مثل الاكتئاب والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، لنصبح أمام ظاهرة توشك على تغيير خارطة العلاج النفسي في البلاد العربية.

صفحات وغروبات "تأخذ بيدك"

إذا كنت تحتاج دعماً نفسيّاً، لم تعد الزيارة التقليدية لعيادة الطبيب سبيلك الوحيد. فعلى الإنترنت توجد أشكال عدة للدعم النفسي. أكثر أشكال الدعم النفسي انتشاراً على الإنترنت هي غروبات وصفحات موقع فيسبوك، التي تخدم الجمهور من خلال تقديم النصائح النفسية، خصوصاً في ما يتعلق بتربية الأطفال، والمشكلات التي تواجههم مثل اضطرابات فرط النشاط ونقص الانتباه وتأخر التعلم ومشاكل النطق والتخاطب، وكذا أساليب التعامل مع المراهقين. وتحظى النصائح الأسرية بنصيب الأسد على صفحات فيسبوك، لا سيما المشاكل العاطفية وطرق تجاوز الخلافات الزوجية والعائلية، وبناء حياة أسرية واجتماعية سليمة وسعيدة، والأزمات التي تعترض العلاقات طويلة الأمد. تسمح بعض الصفحات بإشراك المتابعين في توجيه رسائل ونصائح لأصحاب المشكلة المعروضة، لتخلق تفاعلاً وزخماً في عرض الخبرات، رغم ما يُلاحَظ فيها من تعليقات جارحة تهاجم صاحب المشكلة، خصوصاً إذا تصادم ما يحكيه مع معتقدات المعلقين الدينية. ومن أشهر الغروبات الموجودة على فيسبوك للمساعدة النفسية غروب "مش لوحدك" الذي يؤسس مساحة مختلفة للعلاج النفسي الجماعي، قائمة على تقديم النصيحة لصاحب المشكلة دون تجريح أو إقحام للمعتقدات الدينية والشخصية في الرد عليه، ليكون الهدف مساعدته على تخطي أزمته لا أكثر. تتحدث الدكتورة حسناء الدباوي، الطبيبة النفسية بوزارة الصحة المصرية، عن الاستشارات النفسية المُقدمة على صفحات وغروبات فيسبوك وتقول لرصيف22: "هذه الصفحات تدخل في نطاق الدعم والنصائح النفسية، ولا يمكن اعتبار ما تقدمه علاجاً، كما أن تعليقات المتابعين على المشاكل النفسية غالباً ما تغتال المريض معنويّاً، فهي غير متخصصة وغير علمية، وقلة منها قادرة على دعم المريض ونصحه باللجوء إلى طبيب". تشرح الدباوي خطورة تعليقات الجمهور غير المتخصص: "العامة يعتقدون أن الاكتئاب سببه البعد عن الله، ولا يدركون أنه مرض جسدي حقيقي بسبب خلل في كيمياء الدماغ. عندما يُهاجَم المريض بأنه لا يتقرّب من الله كفاية يشعر بالذنب والتقصير، وبأنه مجرم وجاحد خصوصاً لو كان متديناً بالفعل". وتضيف: "نفس المشكلة نراها في مرضى الفصام الذين يعانون من هلاوس وضلالات ويسمعون أصواتاً غير موجودة، فيخبرهم معلّقون بأن هذا من عمل الجن والشيطان، ويدفعونهم نحو طريق الدجل والشعوذة، وبالتالي يؤخرونهم عن تلقي العلاج المناسب".
بهذه الإجراءات الضرورية يمكنك أن تحصل على خدمة طبية نفسية جيدة عبر الإنترنت...
تعليقات المتابعين على المشاكل النفسية غالباً ما تغتال المريض معنويّاً، فهي غير متخصصة وغير علمية، وقلة منها قادرة على دعم المريض...

العيادات الأونلاين... دعم عابر للحدود

مع تبلور الحاجة إلى خدمة أكثر احترافية في مجال العلاج النفسي، برزت العيادات الأونلاين على شكل مواقع متخصصة، تقدم الدعم النفسي عن طريق أطباء وأساتذة في مختلف التخصصات، لتغطية جميع الاضطرابات النفسية والسلوكية، وهي الشكل الأكثر احترافية وتخصصاً للعلاج النفسي عبر الإنترنت. تعتبر عيادة شيزلونج من أشهر هذه المنصات، وتقدم الدعم لجمهورها عن طريق عرض قائمة من الأطباء النفسيين، بوسع المريض استعراض تخصصاتهم، ودرجاتهم العلمية، وتكلفة كل جلسة علاجية، ثم اختيار الطبيب المناسب، وتحديد موعد معه. تتراوح مدة الجلسة العلاجية على منصة شيزلونج بين نصف ساعة وساعة، وتتم عبر قناة اتصال خاصة داخل الموقع، توفّر مكالمات بالفيديو والصوت والصورة بين الطبيب والمريض، مع ضمان الحفاظ على خصوصية الأخير وسرية بياناته. وإلى جانب خدمة العلاج النفسي مدفوعة الأجر، تقدم منصات علاجية أخرى خدماتها مجاناً، كما في موقع علاج نفسي الذي يقوم عليه باحثون وأطباء عرب من جامعة برلين الألمانية. MAIN_Shezlong

"شازلونج" ملاذ آمن في العالم الافتراضي للمرضى النفسيين

تبدأ سلسلة العلاج على موقع "علاج نفسي" عبر تسجيل الاسم والبريد الإلكتروني، وتحديد المشكلة النفسية التي يعاني منها المريض، ومن ثمَّ يتولى فريق العمل التواصل معه لإبلاغه بموعد الجلسة مع طبيبه، وقد يتم تغييره إذا لم يكن مناسباً. وتركز منصة "علاج نفسي" على تقديم الدعم لمرضى الاكتئاب، وكرب ما بعد الصدمة، مع اهتمام إضافي بضحايا الحروب والتعذيب في المنطقة العربية. ورغم أن طريقة التواصل الأساسية في العيادات الأونلاين هي الاتصال بالصوت والصورة بين المريض والطبيب، فإن المريض يختار أحياناً أن تتم الجلسة بمكالمة صوتية فقط، أو حتى بالكتابة، وهو ما يحترمه الطبيب مراعاةً لخصوصيته.

عيادات أونلاين vs عيادات تقليدية

تقدم عيادات العلاج النفسي عبر الإنترنت نفسها كبديل أسهل وأفضل من العيادات التقليدية، لمميزات متعددة، منها استطاعة المريض اختيار المعالج المناسب لحالته وميزانيته، وتوفير الجهد اللازم للتنقل، خصوصاً إذا كان الطبيب في محافظة أخرى، أو في دولة أخرى. كذلك توفر العيادات النفسية الأونلاين الوقت على المريض، فتختصر ساعات انتظاره للطبيب في العيادة، وتحدد له موعداً بعينه، كما توفر له الخصوصية والأمان إذا كان يتحرّج من التردد على الطبيب النفسي علناً، خشية أن يراه أحد معارفه، في مجتمع لا يزال ينظر بطريقة غير سليمة إلى المريض النفسي. تقول الدكتورة حسناء الدباوي عن العلاج النفسي الأونلاين: "هذه الخدمة الصحية ما زالت مبتدئة في مصر، وتكاد تقتصر على منصة شيزلونج، ومؤخراً شهدنا انطلاق مؤسسة مرسال، إلى جانب قلة من الأطباء الذين يوفرون خدمة التواصل مع المرضى أونلاين، ولكنها تُعتبر حالات فردية محدودة". وتشرح الدباوي أن عبارة "علاج نفسي" تشمل أكثر من أسلوب علاجي، منها العلاج المعرفي والعلاج السلوكي، بجانب تلقين سُبل الدعم النفسي لأهالي المريض ليستطيعوا مساندته، وكلها أنماط من العلاج يصعب تقديمها عبر الإنترنت. وترى الدباوي أن كثيراً من المرضى هربوا إلى العيادات الأونلاين بسبب أزمة كبيرة تواجه الطب النفسي في العالم العربي، وهي عجز الطبيب عن فصل قناعاته الدينية وآرائه الشخصية عن أسلوبه العلاجي، ما يحرمهم من خدمة احترافية وعلمية تعالجهم دون أن تحكم عليهم. أما عن أزمات العلاج الأونلاين فتقول: "للعلاج النفسي عبر الإنترنت مميزاته، منها أن بعض المرضى يستريحون للتحدث مع شخص لا يعرفونه، أو شخص لن يعرفهم أبداً، والبعض يفضل الكتابة ولا يستطيع التواصل بالكلمات"، ولكنها تعقّب: "رغم هذا فبعض الأمراض النفسية لا يمكن علاجها أونلاين". وترى الطبيبة أن العلاج الأونلاين قد يساعد مرضى اضطراب القلق واضطراب ما بعد الصدمة، لكنه لن يكون عمليّاً ولا ناجعاً للأمراض الخطيرة، مثل الإدمان، والاكتئاب الشديد، والرغبة في الانتحار، وغيرها من الأمراض التي تتطلب علاجاً طويلاً ومنتظماً مع الطبيب، خصوصاً لو اقتضت علاجاً سلوكياً يغيّر من طريقة عمل دماغ المريض.

كيف يرون العلاج عبر الإنترنت؟

تحكي مريم. ص.، وهي شابة عشرينية، عن تجربتها مع العلاج النفسي عبر الإنترنت، وتقول لرصيف22: "منذ فترة مررت بأزمة نفسية أوصلتني إلى حالة حرجة، فتوجهت إلى منصة شيزلونج واخترت اختصاصيّاً في علاج حالتي، وطلبت جلسة علاجية معه. كانت تكلفة الجلسة التي اخترتها 150 جنيهاً (نحو 8 دولارات) لمدة ساعة، وهي نفس التكلفة التي أدفعها في العيادة التقليدية". بدأت مريم جلستها باستئذان المعالج بعدم فتح الكاميرا من جهتها، فاحترم رغبتها. ومن ثمَّ تواصلت معه صوتيّاً، وحكت مشكلتها وهو يصغي إليها صامتاً إلا من عدة أسئلة يلقيها بين فترة وأخرى. تقول مريم عن طبيبها: "كان مستمعاً جيداً، وقد ساعدني كثيراً. لم أواجه مشكلة في الجلسة إلا تقطع الاتصال، ومع غياب الدعم الفني الفوري اضطررنا لاستعمال Skype، وبخلاف هذا كانت الجلسة ناجحة جدّاً". تضيف مريم لرصيف22 أنها لم تتلقَّ إلا هذه الجلسة، ولم تكمل العلاج مع طبيبها لأسباب شخصية، لكنها فضلت العلاج النفسي عبر الإنترنت مقارنة بزيارة العيادة لأسباب توضحها: "أعتقد أنها قادرة على إسعاف مريض ليس لديه طاقة للخروج من بيته، ويحتاج طبيباً بشكل عاجل، كما أنها توفر وقت التنقلات المرهق والضاغط على الأعصاب". وتختم مريم تجربتها بالإشارة إلى نقطة هامة: "أفضل ما في هذه الجلسة العلاجية هو القبول الذي عاملني به الطبيب، وهو شيء لم أجده مع الأطباء الذين زرتهم في عياداتهم، أو تعامل معهم أصدقائي". "القبول" كلمة سحرية يبحث عنها كثير من طالبي العلاج النفسي، وتتسبب في مقاطعتهم العيادات التقليدية، تماماً كما حدث لكريم أ.، وهو مصمم غرافيك عمره 24 عاماً، يشارك رصيف22 تجربته بقوله: "انقطعت عن زيارة الأطباء النفسيين الذين تعاملت معهم واحداً تلو الآخر بسبب عدم تفهمهم لما أعاني منه، وحكمهم عليَّ، وتسفيههم مشاكلي بشكلٍ وحشي". ويروي كريم: "أحد الأطباء انفعل عليَّ عندما شعر أنني ألوم الله على ما أصابني في حياتي، وآخر لمَّح مراراً إلى أن مشاكلي تعتبر لا شيء مقارنة بمشاكل آخرين، أمَّا أكثر ما أقلقني فهو الأطباء الذين لا يستمعون إلى مشكلتي ولا يحاولون مساعدتي على تخطيها، وبدلاً من هذا يكتبون كمّاً كبيراً جداً من الأدوية. لذلك توقفت عن ارتياد العيادات التقليدية". ويضيف كريم أنه تعامل مع أطباء عديدين غلبت نزعتهم الدينية مهنيتهم، فطالبوه بالصلاة والدعاء ليتجاوز الاكتئاب المرضي الذي يعاني منه، الأمر الذي كان يدفعه إلى ترك الطبيب وعدم العودة إليه، لأنه لن يتلقى مساعدة احترافية من طبيب لا يختلف كثيراً عن "إمام زاوية"، على حد تعبيره. لم يجرّب كريم العلاج النفسي الأونلاين بعد وإن كان لا يستبعد إقدامه على التجربة. ولكن على نقيضه، ترفض منار س. الفكرة من أساسها، وتقول لرصيف22: "لا يمكنني الثقة في معالج تفصلني عنه شاشة، كما أحتاج وقتاً طويلاً لأنفتح على الآخر وأتحدث بحرية، وهذا لا يمكن أن يتوافر عبر الإنترنت". عانت منار تجربة عدم "تقبل" المعالج النفسي لشخصيتها، فقد جرّبت العلاج مع أربع طبيبات مختلفات، أولاهن تجاهلت أزمتها النفسية واعتبرت ارتداءها الخمار سبب كل مشكلاتها. وتحكي عنها منار: "كانت طبيبة محجبة، وشعرت بالغرابة لتعليقها على خماري هكذا ورفضها له، ووصمه بأنه سبب مشكلاتي والحاجز الذي يحول بيني وبين الناس". لم تكرر منار س. تجربة العلاج النفسي لمدة أربع سنوات تالية، ثم ذهبت إلى طبيبتين "لطيفتين" استوعبتا أزمتها، ومع هذا لم تلتزم بالحضور، حتى تعرفت على طبيبتها الحالية. تقول: "تعرفت عليها منذ أشهر وشعرت بالارتياح لها. هي لطيفة ومتفهمة ولا تحكم على شخصي أو أفكاري. شعرت بالراحة معها، ورحلة علاجي مستمرة منذ خمسة أشهر بنجاح". الموقف نفسه من العيادات الأونلاين تعتنقه سوسن م. وتقول لرصيف22: "أفضل التعامل مع طبيب في عيادة تقليدية لأني أخشى التشخيص الخاطئ، ولأنني أرتاح أكثر للتحدث وجهاً لوجه مع معالجي. كما أعوِّل كثيراً على اكتشافه لأية مشكلة بي من تحليله لحديثي وحركاتي. لا أعتقد أن طبيباً قادر على التشخيص أونلاين".

تحديات الأطباء في العيادات الأونلاين

في مجال الطب النفسي تكون رؤية المريض والتفاعل معه هي مفاتيح التشخيص السليم، ما يضع أطباء المنصات الأونلاين أمام تحدٍ حقيقي إذا رفض المريض فتح الكاميرا، أو طلب التواصل بالرسائل دون تفاعل مباشر يضمن للطبيب تحليل حركاته وسكناته ولغة جسده، ورصد انفعالاته عند التعبير عن مشاعره ومشاكله.

العامة يعتقدون أن الاكتئاب سببه البعد عن الله، ولا يدركون أنه مرض جسدي حقيقي بسبب خلل في كيمياء الدماغ. عندما يُهاجَم المريض بأنه لا يتقرّب من الله كفاية يشعر بالذنب والتقصير...

يقول الدكتور طلعت الحكيم، مدرس علم النفس الإكلينيكي في جامعة عين شمس، وأحد أطباء منصة "شيزلونج"، إن التشخيص السليم لرواد العيادات النفسية الأونلاين يقتضي أن يتواصل المريض مع طبيبه بالصوت والصورة، ليستطيع الطبيب مراقبة انفعالاته ولغة جسده، والتفاعل معه بصريّاً، ليقف على مشكلته بدقة، وبالتالي يقدر على علاجها. ويضيف لرصيف22: "أحياناً يرفض المريض فتح الكاميرا لشعوره بعدم الثقة والأمان، خصوصاً إذا كان أنثى، ما يضع عبئاً إضافيّاً على الطبيب ليحلل مشكلة المريض من نبرات صوته وطريقة حديثه، وفي هذه الحالة يفتقد التشخيص إلى نتائج مراقبة لغة الجسد وانفعالات الوجه، ويعتمد على ما يرويه المريض فقط، فيكون التشخيص أقل دقة بدرجة ما". يختلف العلاج النفسي عبر الإنترنت عنه في العيادة، ومن وجهة نظره كطبيب يقول الحكيم إن العلاج النفسي الأونلاين قادر على تقديم الدعم والمشورة في كثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية، ولكن زيارة عيادة الطبيب تظل الخيار الأفضل عندما يتعلق الأمر بأمراض خطيرة. بُعد آخر يضيفه الحكيم في ما خص التحديات التي تواجه الطبيب النفسي عند تقديم دعمه عبر الإنترنت: "بعض الاضطرابات النفسية تقتضي الحصول على أدوية لا يمكن صرفها دون وصفة طبية، وبالتالي يظل المريض بحاجة إلى زيارة طبيبه في العيادة، ليشخص مرضه بدقة كاملة قبل أن يمنحه الأدوية المناسبة لحالته، وبوصفة طبية رسمية تقبلها الصيدليات". ومع هذا يرى الحكيم أن منصات العلاج النفسي عبر الإنترنت أتاحت خدمة طبية ممتازة لملايين في العالم العربي، ومنحتهم فرصة الحصول على آراء كبار الأطباء النفسيين في العالم العربي، والذين يتمركزون في مصر والإمارات ولبنان.

كيف تختار طبيبك النفسي عبر الإنترنت؟

وفقاً للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن العلاج النفسي عن بعد يقدم خدمة صحية تتميز بالسرعة وسهولة الوصول إلى قاطني الأماكن البعيدة، وإلى ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنه الأكثر تفضيلاً لدى فئة الشباب، نظراً لسهولة تعاملهم مع التكنولوجيا مقارنة بالأشخاص الأكبر سنّاً. تقدم الجمعية بعض النصائح لطالبي خدمة العلاج النفسي الأونلاين قبل الشروع في علاجهم، لضمان حصولهم على خدمة جيدة.
  • أولى هذه النصائح هي اللجوء إلى منصات موثوقة وأطباء نفسيين خبراء في مجالهم، قادرين على مساعدة المريض على أسس علمية سليمة، وتجنب نصائح غير المختصين.
  • النصيحة الثانية هي ضرورة التأكد من حصول الطبيب المعالج على رخصة لمزاولة المهنة سارية المفعول، تخوله العمل في القطاع الطبي. وتوفر أغلب دول العالم موقعاً إلكترونيّاً يضم قائمة بالأطباء المرخصين محليّاً.
  • النصيحة الثالثة والأكثر أهمية اختيار موقع آمن لضمان سرية البيانات وعدم تسرب المعلومات الشخصية وتفاصيل الحالة إلى الخارج.
بطبيعة الحال يشارك المريض بعض التفاصيل الحساسة مع طبيبه، وقد يحتوي سجله على مراسلات تكشف أسراره الشخصية. الموقع الآمن يضمن بقاء تلك الأسرار في أمان، فلا تتجاوز الطرفين المعنين بها وهما المريض وطبيبه.

أحد الأطباء انفعل عليَّ عندما شعر أنني ألوم الله على ما أصابني، وآخر لمَّح مراراً إلى أن مشاكلي تعتبر لا شيء مقارنة بمشاكل آخرين.. أزمة الطب النفسي في العالم العربي هي عجز الطبيب عن فصل قناعاته الدينية وآرائه الشخصية عن أسلوبه العلاجي

وفي ضوء هذه النصائح، تعلق الدباوي على الوضع في العالم العربي بقولها: "لدينا أزمة كبيرة في المعالجين المؤهلين لتقديم العلاج النفسي في مصر، وربما في العالم العربي، فكثيرون منهم غير مرخصين ويمارسون عملهم دون تصريح اعتماداً على دورات تدريبية". وتشرح الدباوي لرصيف22 أن مُقدِّم خدمة العلاج النفسي إمَّا أن يكون طبيباً Psychiatrist، أو معالجاً/ اختصاصيّاً نفسيّاً Psychologist. والطبيب النفسي هو طبيب بشري تخرج في كلية الطب وتخصص في الأمراض النفسية، ووحده له رخصة كتابة الوصفات الطبية والأدوية. أمَّا المعالج النفسي أو الاختصاصي النفسي، فهو ليس طبيباً، وإنما شخص يحمل الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي أو الفلسفة أو الإرشاد النفسي، وهو مؤهل لأداء الاختبارات النفسية ومتابعة حالة المريض، لكن قلة منهم يُصرح لها بكتابة الوصفات الطبية. تضيف الدكتورة الدباوي: "نظراً للسنوات الطويلة التي يقتضيها الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة، يعمد بعض المعالجين النفسيين إلى افتتاح عياداتهم دون شهادة تخولهم ذلك، مرتكزين على بعض الدورات التدريبية في مجالهم، ما يفتح الباب أمام الأخطاء المهنية. لهذا على المريض أن يتأكد من شهادة معالجه، والترخيص الذي يحمله لتقديم الخدمة الطبية". وتضيف الطبيبة أنه لا تتوافر خدمة إلكترونية تسمح للمريض بالتأكد من ترخيص معالجه في مصر، وبالتالي يكون الخيار أن يسأله عن شهادته، ليحمي نفسه من أية أخطاء محتملة في تشخيص مرضه وسبل التعامل معه. بهذه الإجراءات الضرورية يمكنك أن تحصل على خدمة طبية جيدة عبر الإنترنت، ولا ندري ما سيحمله إلينا المستقبل مع مزيدٍ من التكنولوجيا التي تضع تدريجياً كل شيء بين أصابعنا.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard