شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رصاص طائش هدايا الحب في سوريا

رصاص طائش هدايا الحب في سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 15 فبراير 201801:55 ص

يلملم عزام كل صباح "كراكيب" غرفته ويتجه إلى شرفته التي ملأها رصاص طائش.

بثقةٍ ينظر إلى مشروعه الخاص "الرصاص الطائش وبقايا الحرب".

هي قصة بدايتها رصاص ومقذوفات فارغة ونهايتها حب، بدأت مع انتظار عزام، الذي يعمل صحافياً، وسط حمص عام 2014، إحدى عشرة ساعة ليوثق خروج المدنيين إلى منطقة آمنة.

ساعاتٌ لملمَ فيها ما وجد من شظايا ومقذوفات، فزيّنها لاحقاً بورود حمراء كقساوة الحرب أو بورود صفراء كغيرة كل شخص على هذا البلد.

لا يهم اللون.

يقول عزام: "إنها رصاصة حب لأهلي المدنيين في زمن الحرب".

مدينته دمشق استعدت منذ بداية الشهر الجاري لعيد العشاق.

الصناديق الكبيرة أمام المحال تنتظر عشاقها، والقلوب الحمراء مع البالونات تنتظر مشتريها، وكل عاشق يطرق باب محل تجاري يطلب فكرة غريبة والرصاصة تتصدر الأفكار، على حد تعبير محمد أحد أصحاب المتاجر في حي المزة.

لكن هدايا عزام، الرجل الذي يجمع الرصاص، مختلفة.

يقولون: "للجنون فنون"، لكن في سوريا "قلة عقل" العشاق تعكس ثورة الحب في زمن الحرب.

في عيد العشاق هذا، كعادته يهدي عزام رصاصة، فشرفته كفيلة بتغطية عشرة أعياد حب قادمة على الأقل.

عنده رصاص مطرز بالحبق، وقد أهدى مرة رصاصة بالياسمين، وبالجوري مرات، لأن الإناث مغرماتٌ بالجوري ويليقُ بهن، على حد تعبيره.

وفي عيد العشاق الماضي، أعادت رصاصة الحرب مع وردة وقليل من الألوان صديقته من حي الميدان الدمشقي، بعدما اختلف معها في السياسة، ودامت القطيعة ثلاثة أعوام.

عنده رصاص مطرز بالحبق، وقد أهدى مرة رصاصة بالياسمين، وبالجوري مرات، لأن الإناث مغرماتٌ بالجوري ويليقُ بهن، على حد تعبيره
في عيد العشاق الماضي، أعادت رصاصة الحرب مع وردة وقليل من الألوان صديقته من حي الميدان الدمشقي، بعدما اختلف معها في السياسة

رصاصة الحرب هذه كسرت حقد السياسة ولمت شمل الرفاق وسط بابا توما. لم يقتنع عزام كغيره من الشباب، ممن هم في منتصف العشرين من العمر،"بالدبوب الأحمر"، كما أنه لن يدفع آلاف الليرات ثمن دمية تختصرها حياةٌ تبتعد عنها رصاصة طائشة.

ولحبيبته هذا العام سيهدي أيضاً رصاصة وياسمينة ويكتب اسمها على أحد الجدران في حارات الشام القديمة.

حال عزام لا تختلف عن حال الشباب والصبايا السوريين مع بداية السنة الثامنة من الحرب، التي غيرت نمط الهدايا. وهو أمر طبيعي.

قد يكون الدافع هو الخوف من المجهول عند الشباب السوري، والتعلق بالحياة خصوصاً عند العاشقين، بعدما أصبح الموت فكرة يومية تطرق باب كل شخص في هذا البلد.

صندوق الأمنيات التي بقيت "ريم"، اسم مستعار، ابنة 18 عاماً تجمع ثمنه منذ الشهر العاشر من العام الفائت، سيحمل لحبيبها "رصاصة وشظية هاون صغيرة"، ورسالة قالت له فيها: "الله يبعدهم عنك يا كل العمر".

لا تدرك ريم خطورة المقذوفات الفارغة والشظية حتى بعدما أدت مهمتها بإلحاق الضرر بالممتلكات وقتل الأبرياء.

بقايا الحرب، وإن كانت تعبر عن الحب، تؤدي إلى الخراب. فالرصاصة المتروكة تقتل إن تعرضت لحرارة عالية.

وكأنها تقول، مهما جملناها وحولناها لرمز للحب، تبقى الرصاصة قاتلة.

لكن عزام يرفض هذا، ويصر على إيجاد الحب في رموز الحرب. يزرع الرصاص في التراب وفي مشتل الأزهار، فتطفو الوردة على السطح وتُدفن الرصاصة تحتها.

وكأنه يقنع نفسه بأن الورد نبت من تراب يحمل رصاصاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard