شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الشكوى لغير الفيسبوك مذلة... هل تحولت صفحات المغاربة إلى ديوان للمظالم؟

الشكوى لغير الفيسبوك مذلة... هل تحولت صفحات المغاربة إلى ديوان للمظالم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 16 فبراير 201805:02 م
سواء أكانوا عالقين وسط الثلوج، أو يعانون من شطط في استعمال السلطة، أو غيابٍ للخدمات الاجتماعية، أو حتى احتجاجاً على تظلم كيفما كان نوعه، يستخدم المغاربة الفايس بوك مؤخراً كوسيلة للتعبير عن غضبهم واحتجاحهم ضد تظلم أو شكوى لا يصل صداها عبر القنوات الرسمية أو المؤسسات الوسيطة. عددهم يتزايد سنة بعد سنة، فمن بضع آلاف مستخدم إلى أزيد من 13 مليون، فايسبوكي مغربي، وتشير الأرقام إلى أن العدد تضاعف 50 مرة خصوصاً بعد اندلاع ثورات واحتجاجات ما يعرف بـ"الربيع العربي" لعام 2011، فهل تحول الفايس بوك بالمغرب من وسيلة للتعارف ومشاركة المحتوى الشخصي إلى ديوان للمظالم؟

منبر من لا منبر له

"والو السلطات... والو البرلمانيين، أين ذهبوا و أين وعودهم؟" هكذا علق أحد المغاربة في مقطع مصور، يظهر فيه أشخاص يتحدون كتلاً من الثلوج وهي تحاصر بلدتهم المتواجدة بمنطقة ميدلت. يستغيث المعلق السلطات للتدخل من أجل إنقاذ الساكنين من عزلة وجوع يهدد حياتهم بالموت. الفيديو يوثق لموجة برد قارس و ثلوج كثيفة سجلها المغرب في الأسابيع الأخيرة، تسببت في محاصرة نصف مليون مغربي في البوادي والقرى والبلدات المتواجدة في أعماق جبال الأطلس والريف. المغاربة يحتجون أيضاً على التماطل الإداري والبيروقراطية، إذ يرونها عائقاً أمام قضاء مصالحهم الإدارية وتؤجج من احتقانهم تجاه مصالح الإدارة. "الأحزاب السياسية... زيرو، البرلمانيين... زيرو، لا موظفين ولا مستشارين ولا حتى محافظ المنطقة، لا أحد منهم يستجيب لنداءاتي وطلباتي، الملك"، هكذا اشتاط غضب أحد المغاربة من ذوي الاحتياجات الخاصة في مقطع مصور احتجاجاً على تماطل الإدارة في الاستجابة لطلب يهم إنشاء ممر للراجلين يكون مخصصاً للتلاميذ. كثيراً ما يجد المغاربة مشاكلاً في خدمات التطبيب من تأخر الطبيب أو غيابه، أو حتى اضطرار المريض لانتظار سنة كاملة من أجل تشخيص المرض بأجهزة التصوير الطبقي، الأمر الذي يؤجج من غضبه، في فيديو متداول على الفيسبوك يستلقي مواطن أمام إحدى المراكز الصحية، و هو يحتج بسبب غياب الطبيب: "والطبيب فينا هو... والمريضة هاهي". على الطريق السيار (السريع)، قد يصادف المغاربة دركياً بغتة بدعوى مخالفة في السرعة أو في قوانين السير، وهو سلوك مخالف لقوانين مدونة السير التي تمنع رجال الدرك من توقيف المخالفين وسط الطريق السيّار لما قد يشكله ذلك من خطر على الجميع، بينما يمكنهم ذلك في حواجز دفع الرسوم.
"الأحزاب السياسية... زيرو، البرلمانيين... زيرو" شكاوى فيسبوكي المغرب في تزايد، في عددها وشعبيتها
تضاعف عدد فيسبوكي المغرب 50 مرة بعد احتجاجات "الربيع العربي"، ويصل اليوم لما يزدي على 13 مليون
حسن وركا، مواطن مغربي اشتهر بمقطع فيديو يوثق فيه لدركي اعترضه وسط الطريق السيار بسبب تجاوزه للسرعة، الفيديو لقي موجة انتقادات واسعة بعد صدور مذكرة بحث في حقه بتهمة "عدم الامتثال"، الأمر الذي زاد من جرعة التعاطف معه خصوصاً و أنه تحدى شطط السلطة و تجاوزاتها. يقول رشيد الجرموني، الباحث في علم الاجتماع السياسي أن "التظلم و الشكوى عبر الفيسبوك لا يخص فقط المغاربة بل هي ظاهرة موجودة في كل دول العالم"، وأضاف في حديثه مع رصيف22 أن "الفيسبوك صار وسيلة للضغط على الجهات الرسمية، رغم الهفوات والفوضى والارتجالية التي يتسم بها خطاب التظلم". من جهته يرى جواد مبروكي، المحلل النفساني أنّ "المغاربة في الأغلب متشبعون بثقافة شفهية، كما يجهلون كل الخدمات والمصالح الحكومية والجمعوية لطلب المساعدة أو تقديم الشكاوي أو طلب الخدمات، فهناك أرقام مثلاً خضراء لمصالح حكومية، لكن يتجاهلونها ولا يثقون بها" يستطرد مبروكي. وأضاف مبروكي أن "الفيسبوك أتاح للمغاربة إمكانية تسجيل فيديوهات ونشرها، إذ أخذ حيزاً مهما في ثقافتهم الشفوية، وأضحى بإمكان المغربي الأمي أن يوصل رسالته الاحتجاجية عبر الفيديو".

ولكن المطالب تؤخذ فيسبوكياً

كثرة الصرخات والاحتجاجات بسبب تظلمات وشكاوى المغاربة على أروقة الفيسبوك دون غيره من القنوات التواصلية يدل على أن الموقع الأزرق تحول إلى ديوان للمظالم. فلماذا يلجأ المغاربة أكثر للفيسبوك دون غيره من المواقع والقنوات التواصلية؟ يجد المغاربة صعوبة في إيصال صوتهم الاحتجاجي عن طريق وسائل الإعلام التقليدية، فهي تظل في معظمها تحت رقابة الدولة، أي أنه لا يوجد سقف عالٍ للحرية في التعبير عن تظلم معين أو احتجاج إلا وفق شروط يفرضها الخط التحريري لكل منبر إعلامي. ورغم أن الإذاعات المغربية على كثرتها في السنوات الأخيرة، تعج ببرامج مخصصة لاتصالات عن تظلمات وشكاوي المواطنين تتعلق بممارسة شطط السلطة أو الحرمان من خدمات أو بنيات اجتماعية أو خدمية، إلا أن مقص الرقابة الذاتية لكل إذاعة يحضر بقوة. ويرى المواطن المغربي أن الوسائل التقليدية من صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية لا تشكل أداة سريعة وجماهيرية في النشر والتأثير بالحجم الذي يجده مع الفيسبوك، فهو يتيح له البث الحي بدون رقابة، كما أنه يوفر له الآنية في نشر مادته المصورة كانت أو مكتوبة مع إمكانية التعليق والتفاعل الكثيف والمشاركة على أوسع نطاق. من هنا قد يخلق المغربي من شكواه وتظلمه "بوزا" إعلامياً قد يثير جدلاً أو تعاطفاً بين فئات واسعة من المتلقين، وبالتالي قد تصل رسالته صداها لمبتغاها إلى المؤسسات أو الأشخاص المعنيين بها. ويظل الفيسبوك في يد المواطن المتظلم في مواجهة تسلط مؤسسات الدولة، كما يعتقد بأنه معني دوماً بالاحتجاج والمطالبة بالتغيير، فالدولة ومؤسساتها لن تستجيب لمطالبه تلك، فهل هناك فرص لتغيير ذلك بالصراخ والتباكي لحشد مزيد من التأييد أو التعاطف؟ يقول رشيد الجرموني بأن هذه الوسيلة "سيصبح اللجوء إليها في تزايد أكثر، وستصبح هي الفاعل الأول والأخير في عملية التغيير". وزاد الجرموني في حديثه مع رصيف22 أن انتشار التظلمات الفايسبوكية يعزى بحسبه لـ"فقدان المواطن المغربي ثقته في المؤسسات السياسية و الحكومية، وغياب تواصل حقيقي مع المواطنين والاستماع لشكواهم والتقليل من شأن المبادرات الحيوية والآنية،كما أن هيئات المجتمع المدني هي آخر ما يلجأ إليه المواطن".

ومع ذلك فالمتظلم "أناني"

يرى المحلل النفساني، جواد مبروكي بأن المواطن المغربي صاحب الشكوى على الفيسبوك "أناني ويريد تحقيق مطالبه الشخصية دون غيره، ولا يهمه المواطنون الآخرون، وكل مغربي يدرك هذه الأنانية، كما أنه مازال يهاب المؤسسات الحكومية، رغم أنها هي التي يجب أن تهابه لأنها في خدمته". ويضيف مبروكي في حديثه مع رصيف22 أن المغربي "يفتقر القدرة على الدفاع عن النفس بما يكفي للتعبير عن مشاعره ورأيه، كما يفتقد لحس الانتماء للمجتمع والحس بالمسؤولية تجاهه ولا يفتح فمه إلا إذا كان ضحية لوضعية ما". و استطرد: "أما عندما يصادف الآخرين بكونهم ضحايا لوضعية ما، لا يأبه لهم و لا يتضامن معهم". وأكد مبروكي أن المواطن ينشر هذه الفيديوهات عبر الفيسبوك مدركاً أنه لن يتابعها أي مسؤول أو حتى جهة حكومية نظراً للعدد الهائل لهذه المقاطع المصورة". وتساءل المحلل النفساني عن هدف نشر المواطن لتظلمه، "هل من أجل تغيير وضعيته والاستجابة لمطالبه؟ وهل فيديو كافي لتغيير الوضعية الاجتماعية؟ أم الهدف هو نشر المظالم؟" فهل التضامن الذي يشعره الـ"فيسبوكي" مع كل مشاهدة وتعليق على فيديوهات التشكي، هو وحده ما سيجنيه من نشرها؟
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard