شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الحيّ الخطير... رواية عن الجريمة وقاع المجتمع المغربي

الحيّ الخطير... رواية عن الجريمة وقاع المجتمع المغربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 13 فبراير 201803:49 م
داخل زنزانته الانفرادية يسترجع "مراد"، بطل رواية "الحيّ الخطير" للكاتب المغربي "محمد بنميلود"، تفاصيل حياته، وحياة رفيقيه الاثنين "عبد الرحمن" و"رشيد" الذين شكّل معهما عصابة كان هدفها الخروج من الحيّ المعدم إلى مكان أكثر تحضّراً ورقياً، مهما كانت الوسائل والسبل لتحقيق هذه الغاية. غير أن رياح الحياة جرت بما لا تشتهي سفن الآمال، فقُتل الصديقان، وكان مصير الثالث السجن. هناك، في المكان المظلم البارد، الذي وفّر لمراد مساحة ليخلو بالكامل لنفسه، لن يمر شريط حياته فحسب، بل سيطلق فلسفته الخاصة في كل شيء أيضاً. يتذكر مراد خاله الذي أُعدم لأنه انضم إلى حركة ثورية ماركسية انقلابية، ولم يخلّف إلا صندوق كتب وبضع رسائل، قرأها الصغير كلها، وفهم ما فهمه الرجل في أن العالم مقسوم إلى قسمين: أغنياء وفقراء، أسياد وأقنان، نبلاء وحثالة. وفي حين أراد خاله مع رفاقه في التنظيم قلب موازين الصراع الطبقي، فإن مراد قرر مواصلة المسيرة لكن على طريقته هو، متجنباً ما اعتبره أخطاء الأول.

"كان مثقفاً أكثر من اللازم، متأثراً بالكتب وبلغتها الغامضة أكثر، ربما، من تأثره بالواقع، لذلك حلم بقلب موازين الصراع الطبقي للشعب بأكمله، وليس لنفسه فقط. كان بإمكانه في الحقيقة أن ينتقل هو وحده من طبقة الحثالة إلى طبقة النبلاء. (...) قررت حينها أن أواصل الطريق عوضاً عنه، بالطريقة الصحيحة، بطريقة أبناء حيي وليس بطريقة طلاب الجامعات، دون أحزاب ودون نقابات ودون تنظيمات ودون مظاهرات، بل بمفردي فقط، بسكين كبيرة داخل ثيابي".

هكذا، تبدأ العصابة أعمالها بالسرقة والنهب وتجارة الممنوعات، وحتى القتل. كل شيء مباح طالما أنه يوصل للهدف النهائي. لن يبدو ذلك غريباً أو غير مألوف في المكان الذي نشؤوا فيه، إذ كانوا محاطين أصلاً بالمجرمين على مختلف أشكالهم. يبرع "بنميلود" في رسم هذا العالم، عالم القاع بكل ما فيه من نماذج بشرية، الرجال السكارى والقتلة والقوادون، النساء اللواتي يلجأن إلى الحي بحمل غير شرعي، الأطفال المتروكون للعراء والفقر... يكتب عن كل هؤلاء بلغة يمكن وصفها بأنها لغة تنتمي إلى المكان، فالمفردات التي يستخدمها والتشابيه التي يستعملها كلها مستمدة من هذه البيئة التي تتحرك فيها شخصياته.
يبرع "بنميلود" في رسم هذا العالم، عالم القاع بكل ما فيه من نماذج بشرية، الرجال السكارى والقتلة والقوادون، النساء اللواتي يلجأن إلى الحي بحمل غير شرعي...
ليس هناك جنية قرب المقبرة ولا وحش داخل النهر، بل المخزن هو الذي يعتقل هؤلاء المساخيط المارقين ليؤدبهم...
ورغم أن الخط الذي بدأت به الرواية هو تذكّر مراد لحياته السابقة على السجن، وحياة صديقيه، إلا أن هذا الخط سيتفرع ويتشعب ليصبح الحيّ هو بطل الرواية، وحكايات القاطنين فيه هي الشاغل الأساسي للسرد. ومن الحكايات التي تأخذ نصيباً مهماً من الرواية حكاية "الفرناطشي"، الذي يعمل في تحطيب الأشجار، من أجل الفرن، لكنه في الحقيقة كان "حطاب أرواح" أيضاً. إذ كان يستغل مرور أي شخص وحيداً، وبضربة واحدة لا يكررها، ينهي حياته، ثم يسحب الجثة مع الحطب إلى الفرن، وهناك يضاجعها طوال الليل، قبل أن يرميها فجراً إلى النار. بعد ازدياد عدد المختفين، تبدأ القصص والأساطير والخرافات بالظهور لتفسير أسباب هذا الاختفاء، منهم من يعزو الأمر إلى الجن، ومنهم من يقول إنه وحش النهر خطفهم، وآخرون يخترعون سبباً ثالثاً. وحدها السلطة تستغل هذا الأمر لصالحها، ولكي تعزز سطوتها على الناس، وتقمع معارضيها وتخوّف الآخرين من الانضمام إليهم، تشيع عن طريق أحد رجالها أنها هي من تعتقل الناس لأنهم مخرّبون.

"رفع المقدّم يده فسكتوا بعد ثوان ليواصل كلامه: دعوني أكمل يا جماعة الخير، قلت لكم إن لهؤلاء الكفرة فرعاً هنا، وهدفهم هو انضمام عدد أكبر منكم ومن أبنائكم إلى عصابتهم، وزرع الكفر والفتنة والزندقة والقلاقل في البلاد والعباد. لكن المخزن لن يسكت على ذلك، بل سيضرب بيد من حديد. ليس هناك جنية قرب المقبرة ولا وحش داخل النهر، بل المخزن هو الذي يعتقل هؤلاء المساخيط المارقين ليؤدبهم".

تسير رواية "بنميلود" وفق دائرة، تبدأ في السجن وتنتهي إليه، تبحث في ماضي الشخصيات وماضي الحيّ وحاضره. يحمّل الكاتب راويه الرئيسي فهماً ومنطقاً خاصاً يعيش حياته بهما، ويجعله ناطقاً بواحدة من أهم الأفكار الأساسية في الرواية. إذ ينظر "مراد" إلى العالم باعتباره مكاناً للجريمة، وكل من فيه يشكّلون عصابات، ويرتكبون جرائم. وإن كان لأبناء هذا الحي مبررٌ يتلخص بظروفهم وفقرهم وحرمانهم، فأي مبرر يمكن ذكره للعصابات الأكبر، ومنها الدولة؟ ولماذا يعتبر قتل عصابة مراد لواحد من الناس جريمة تستوجب العقاب، بينما أن تقتل الدولة خاله هو فعلٌ قانوني؟ ومن يحدد هذا القانون، إذا كانت الدولة نفسها تخترق قوانين الإنسانية كل يوم؟

"قد تبدو حربنا داخل الحي من أجل البقاء ومن أجل الخروج من جحيم الحثالة حرب شوارع وأبناء حواري عديمي التربية والأخلاق، وسخةً وخارجة عن العدالة والقانون. هذا صحيح دون شك، لكن، من يحدد ذلك القانون وتلك العدالة؟ أليست تلك الدولة نفسها التي لا شك أن لها تاريخاً مجيداً في الحروب والدمار وتدمير المنازل وحرق الأعداء بالقنابل والقذائف والصواريخ؟ أليست تلك الدول نفسها عصابات مسلحة تحتجز شعوباً عزلاء بكاملها لتفعل بها ما تشاء وما تريد؟".

محمد بنميلود، كاتب مغربي. يكتب الشعر والقصة والرواية والسيناريو. "الحي الخطير" روايته الأولى. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 192 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard