شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن العلاقة المقدسة بين المفكرين والمبدعين والكتاب بالسيجارة

عن العلاقة المقدسة بين المفكرين والمبدعين والكتاب بالسيجارة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 فبراير 201802:17 م
"مجة" واحدة من "سيجارة" قد تكون كافية لإثارة العواطف والأحاسيس، للإبداع والجنون وحتى لقيادة شعب ووطن. بعيداً عن التحريض على التدخين، سنحاول كشف عما إذا كانت هناك علاقة بين التدخين وزيادة القدرة على التفكير والتخطيط والإبداع، من خلال درس علاقة أبرز المبدعين والشعراء بـ"شحطة الكبريت" والسيجارة والغليون والسيجار.

السيجارة "الثورية"

شخصيات عربية وأجنبية عدة رافقتها السيجارة في مسيرتها السياسية الحافلة بالانقلابات والثورات، فبعض الزعماء ألفوا السيجارة والبايب والشيشة، وبات التدخين جزءاً لا يتجزأ من شخصيتهم، ومع مرور الوقت تحولت اللفائف إلى عنصر أساسي للـ"كاريزما". فقد عُرف الرئيس الكوبي الشهير "فيدل كيسترو" بحبه للسيجار، ففي الـ14 من عمره دخّن أول سيجارة، ومع الوقت تعلق بالسيجار الذي لم يفارقه حتى أن معظم الصور التي التقطت له تظهره بمظهر الرجل المفكر الذي يحمل بيده السيجار، تماماً كالثوري "تشي غيفارا" الذي عندما نلفظ اِسم "تشي" أول ما يخطر على بالنا أمران: "البيريه" والسيجار الكوبي. INSIDE_Tadkheen_Che كذلك كان "وينستون تشرشل" من أكثر المدخنين شراهة إذ كان يدخن حوالى 10 لفائف من السيجار الكوبي في اليوم الواحد. أما الزعيم الشيوعي ستالين، فكان يدخن البايب والسيجارة وفق مزاجه والمكان الذي يكون فيه، ففي العلن فضل البايب من باب "الكاريزما" أما في البيت فكانت السيجارة هي الوسيلة التي تجعله يشعر بالراحة. INSIDE_Tadkheen_KingFarouk وفي العالم العربي، تطول لائحة الزعماء والسياسيين الذين يدخنون بـ"شراهة"، فقد اشتهر الملك فاروق مثلاً بحبه للتدخين على أنواعه: شيشة، وغليون، وسيجارة عادية. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان من الذين يتلذذون بالسيجارة إلا أنه فضّل أن يبقيها بعيدة عن عدسات الكاميرا وعن المناسبات الرسمية، خاصةً بعد توليه منصب رئيس الجمهورية. وعند اشتداد الأزمات السياسية، أصبح عبد الناصر شديد التوتر وكان يدخن من دون تفكير، "يشعل" السجائر، الواحدة تلو الأخرى ليتحول إلى مدخن شره يعرف بـchain smoker، وفق ما كتبه عنه يوماً الصحافي المصري محمد حسنين هيكل. INSIDE_Tadkheen_AbdelNasser وعُرف الرئيس السادات بولعه بالتدخين، خاصةً الغليون، الذي لم يفارق شفتيه إلا نادراً. INSIDE_Tadkheen_Sadat ومن أشهر المدخنين الرؤساء، الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي عُرف بأطباعه الغريبة، فكان يدخن في الاجتماعات الرسمية، خاصةً أثناء انعقاد الجامعة العربية، و"ينفخ" الدخان أحياناً في وجه "جاره". وتشمل لائحة الزعماء "المدخنين الشرهين" أيضاً الرئيس العراقي صدام حسين، والعاهل السعودي الملك عبدالله، الذي كشفت "ويكيليكس" مدى حبه للتدخين، الأمر الذي سبب له مشاكل صحية، والسياسي اللبناني نجاح وكيم، الذي عندما يتردد اِسمه يقترن دوماً بالسيجارة التي لا تفارقه حتى أثناء مقابلاته التلفزيونية، كاسراً البروتوكول الذي يفرض عدم التدخين أثناء الحوار التلفزيوني.

السيجارة الفلسفية

"بغض النظر عما يقوله أرسطو والفلاسفة الآخرون، لا شيء يضاهي التبغ، ومن يعيش من دون تبغ فهو لا يستحق العيش"، هذا ما جاء على لسان الشاعر الفرنسي "موليير"، مدافعاً عن التدخين ومعتبراً أن هذه "اللذة" تفوق جميع اللذات في الحياة. كيف حوّل البعض الدخان المتطاير إلى سحابة إبداع؟ معروف أن العديد من المفكرين والعلماء كانوا من أنصار التدخين والتبغ ودافعوا عن السيجارة، معتبرين أنها سر إبداعهم و"ملهمتهم"، فكانوا يسرحون في أفكارهم ويطلقون العنان لمخيلتهم بعد أن يأخذوا "مجة" من سيجارتهم مع رشفة قهوة. هكذا اقترنت السجائر بالمبدعين، فالقلم وحده لم يكن كافيا، لتسجيل الإبداعات ما لم يُقرن بالسيجارة، التي حين "تشتعل" يشتعل معها عالم الإبداع. أينشتاين مثلاً كان يتميز بشعره "المتطاير" وغليونه الخشبي الذي كان يصطحبه معه إلى كل مكان. INSIDE_Tadkheen_Einestein لطالما عبّر صاحب نظرية "النسبية" عن ولعه بالغليون، وكان يرى أن التدخين يساهم في جعل المرء يطلق حكماً أكثر هدوءاً وموضوعية، وامتنع عن التدخين حين نصحه طبيبه بالابتعاد عن هذه العادة، فإنصاع لأوامره وقرر التخلص من التدخين إلا أنه لم يتخلَّ يوماً عن الغليون، فكان يضعه في فمه حتى من دون تبغ، بهدف التركيز على نظرياته. وكان فرويد يعتبر أن التدخين يزيد من قدرته على العمل ويجعله أكثر إنتاجية، وبدأ حبه للتدخين منذ أيام المراهقة، واستمر على هذه الحال حتى علق بالسيجار وبات يدخن أكثر من 20 واحداً في اليوم. وبالرغم من المشاكل الصحية التي مر بها ونصائح الأطباء بضرورة الإقلاع عن التدخين، فقد رفض ذلك بحجة أن التدخين يحسن من إنتاجيته ويزيده إبداعاً. أما بالنسبة إلى الشعراء العرب، فقد تغنى بعضهم بالسيجارة، مثل نزار قباني في قصيدته "صديقتي وسجائري"، التي اعتبر فيها السيجارة رمزاً للإثارة وسلاحاً بيد الرجل لجذب النساء، والشاعر السوري فوزي المعلوف تحدث في "حسناء والسيجارة" عن غيرة حبيبته من السيجارة التي لم تكن تفارق شفتيه.
قصائد ونصوص عديدة تناول فيها الأدباء السيجارة، التي لم تغب عن بالهم وتفكيرهم وأصابعهم، ولكن أن يصل الأمر إلى إصدار كتاب شعري عن السيجارة، فهذا لافت جداً. وهذا ما قام به الشاعر اللبناني بول شاوول، الذي خصص في "دفتر سيجارة" كتاباً كاملاً عن هذه اللفافة، وعن علاقته العاطفية بها.

التدخين وعلاقته بالتركيز والإبداع

استفادت شركات التبغ من "خيال" بعض المنتجين والمخرجين للتأثير على عقول الشباب من خلال ربط السيجارة بالنضج والإبداع والتخلص من الصعوبات. ففي أفلام "الأكشن" غالباً ما يُصور البطل أثناء اشتداد المحنة وهو يدخن سيجارة تساعده في التخطيط للخروج من الأزمة، على غرار مسلسل "الهيبة" الذي ارتبطت صورة "الجغل" تيم الحسن بالسيجارة، تماماً كفيلم "ناصر 56" الذي جسد فيه أحمد زكي دور الرئيس عبد الناصر، وبالطبع لم ينسَ المخرج أن "يزج" السيجارة في كل مشهد حساس يقتضي تركيزاً عالياً للخروج من المأزق أو اتخاذ قرار مصيري. وهل يمكن تصور مثلاً رشدي أباظة من دون السيجارة المتراقصة بين أصابعه، ومثله أحمد رمزي؟ السيجارة هي الوسيلة التي تساعد البعض على التركيز والتخطيط والإبداع، ولكن من الناحية العلمية هل يمكن تبرير ذلك؟ تنقسم الآراء العلمية حول مدى علاقة التدخين بالتركيز وزيادة معدلات الذكاء، ففي حين يعتبر البعض أن السيجارة تؤثر سلباً على وظائف المخ، فإن البعض الآخر، أمثال البروفيسور "ألبرت جاد"، يجد أن مادة النيكوتين تساعد المرء على التركيز وتحسين الذاكرة، يقول:" إذا كان علينا شرح مفهوم الذكاء، فهو يتلخص بالقدرة على اتخاذ خيارات معقولة واستباق تحديات المستقبل. وهذا ما يساعدنا النيكوتين على فعله"، مشيراً إلى أن هذه المادة تعمل على تنظيم ذاكرة الإنسان". أما الباحث "ستيفان هايمشان" فقد رأى أن التدخين يحسّن من أداء الدماغ من خلال مجالات عدة: التركيز، والمهارات الحركية، والذاكرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard