شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
«السينما باظت من ساعة ما بطلوا بوس»... أسوا ما فعلته السينما النظيفة هو أنها جعلت المواطن نفسه يطلب الرقابة عليه

«السينما باظت من ساعة ما بطلوا بوس»... أسوا ما فعلته السينما النظيفة هو أنها جعلت المواطن نفسه يطلب الرقابة عليه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 فبراير 201804:00 م
مرّ نحو ربع قرن على ما اصطُلح على تسميته في مصر بـ«السينما النظيفة»، وهو أحد المصطلحات التي يتم إطلاقها على الحقبات الفنية المتعاقبة، فنجد سينما الواقعية، وهي المرحلة التي كانت تستلهم مادتها من الأعمال الروائية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم شبه سيطرة للكوميديا في السبعينيات، مرورًا بسينما «المقاولات» في الثمانينيات، وهي نوعية من الأفلام يقوم ببطولتها ممثلون ليسوا نجوم شباك، لكنهم قادرون على جذب فئة معينة من الجمهور، مثل سعيد صالح، وسمير غانم، ويونس شلبي، وأحمد بدير، وغيرهم ممن هم أقل موهبة وشهرة، وعادة ما ينتهي تصوير هذه النوعية من الأعمال في أيام معدودة.

صراعات معلنة

حالة من الصراع الذكي خاضه صناع «السينما النظيفة»، مع من تبقى من نجوم الثمانينيات، وهربوا بأفلامهم، الجيد منها والضعيف، لينافسوا في مطلع التسعينيات، مثل نادية الجندي ونبيلة عبيد، وعادل إمام، الذي ظل ينافس حتى آخر أعماله «زهايمر» عام 2010، بالإضافة إلى شبه المنافسة مع «سينما المقاولات»، وكلا الصراعين انتهى لحساب صناع السينما النظيفة. فالأفيشات حملت جُملًا مثل: «فيلم تستطيع مشاهدته أنت وأسرتك»، و«فيلم لا يخدش حياء الأسرة»، ناهيك بما روجوا له من شعارات بدَت في ظاهرها منطقية جدًا لإقناع البعض، مثل أنهم كانوا سببًا في عودة العائلات لقاعات العرض لخلو أعمالهم من القًبلات، والمايوهات، وبدلات الرقص، مُعتمدين على الإفيهات، التي أطلقت مصطلح "المُضحكون الجُدد" وهم «محمد هنيدي، وهاني رمزي، وعلاء مرسي، ومحمود البزاوي، وأشرف عبد الباقي».
يرى المخرج الكبير داود عبد السيد أن السينما المسماة بالسينما النظيفة سببها تجاري بحت، إذ استغل صنّاعها الجانب المحافظ في المجتمع المصري، وانتشار التيارات الإسلامية، وتأثيرها الواضح على العائلات، فكان طبيعيًا أن تروا المولات، التي كانت حديثة العهد حينها، تكتظ بعدد كبير من الأُسر، فنجد الجد والجدة والأب والأم والأحفاد يشاهدون فيلمًا واحدًا، وطبيعي أن يكون «نظيفًا».

ما الذي تبقى من آثار السينما النظيفة؟

ويضيف عبد السيد في حديثه لرصيف22 : «أسوا ما فعلته السينما النظيفة هو أنها جعلت المواطن نفسه يطلب الرقابة عليه، غير مكتفٍ بالرقابة التي تفرضها الدولة ممثلة في هيئة المصنفات، أو حتى في جهاز الشرطة الذي يتدخل في الحريات الشخصية معتمدًا على قوانين غريبة، فمثلًا لو وُجد شخص ومعه حبيبته داخل سيارة بمفردهما قد يزج بهما في السجن بتهمة الفعل الفاضح في الطريق العام. في المقابل، استغل منتجو هذه الأفلام الاتجاه المحافظ للمجتمع والدولة، وقدموا أعمالًا ليست خالية من المايوهات والقبلات فقط، لكنها خالية أيضًا من أي مضمون فني حقيقي». وأشار مخرج «الكيت الكات» إلى أنه بالرغم من وجود صناع هذه الأفلام المسماة نظيفة، لم يستطيعوا تغيير شيء في المجتمع، ويرى أن المجتمع بات أكثر تحررًا من السابق، بل أكثر انحلالًا، وبالتالي لم يُقدم هؤلاء فنًا خالصًا يتسم بالجدية، وكذلك لم يُصلحوا من حال المجمتع أخلاقيًا كما كانوا يروجون. وعلى الرغم من أن السينما النظيفة لم تستطع ترك أثرها في المجتمع ولا حتى في صناعة السينما، فإنها تركت بعض الأثر على بعض الممثلات، اللواتي خِفن من نظرة المجتمع الذي تغير وأصبح يقيّم الجميع أخلاقيًا حتى لو كانوا لا يطبقون هذه الأخلاقيات، فاضطر بعضهن للعزوف عن تقديم أدوار جريئة، مثل منة شلبي، التي نالت هجومًا لاذعًا بعد فيلم «الساحر» عام 2001، للمخرج الراحل رضوان الكاشف، وهند صبري التي شاركت عبد السيد في فيلم جريء هو «مواطن ومخبر وحرامي». وكانت إحدى الفنانات صرحت للإعلامي المصري عمرو الليثي ببرنامج «واحد من الناس»، أنها لا تخجل من أي دور قدمته، ولا تعتبر أدوار زميلاتها بالسينما النظيفة، فنًا حقيقيًا، بل فناً أقرب للتفاهة.
يقول المخرج داود عبد السيد لـرصيف22: «مثل هؤلاء النجمات أصبحن يخفن حتى من نظرة حارس العقار الذي يسكنّ فيه، اتقاءَ لما قد يدور بذهنه أثناء رؤيته لهن، وتذكّره مشاهدهن العارية في تلك الأفلام الجريئة".

محاولات رائدات السينما النظيفة

إن كان هذا التراجع والخوف من نظرة المجتمع حدث مع من بدأن مسيرتهن بأعمال جريئة، فما بالكم بمن عُرفن في البداية بأنهن من المساهمات في نشر مصطلح السينما النظيفة، مثل حنان ترك بفيلم «إسماعيلية رايح جاي» عام 1997، ومنى زكي، وغادة عادل بفيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» عام 1998، وحلا شيحة بفيلم «اللمبي» عام 2002؟ على الرغم من أن اثنتين من أكثر فنانات «السينما النظيفة» موهبة، شاركتا في فيلم جيد ولا ينتمي لنوعية الأفلام التي بدأتا بها، هو «سهر الليالي» عام 2003، فإن تلك المشاهد لم تكن لهما، بل لفنانتين غيرهما هما علا غانم وجيهان فاضل، ومنذ ذلك الحين تم اعتبار الأخيرتين نجمتين للإغراء في العصر الحديث.
تمر الأعوام وتتوه حنان في دوامة الصراع الفكري بين حرام الفن وحلاله، فمن جرأة مع يوسف شاهين ــ فيلم الآخر ــ للسينما النظيفة الخالية من كل شيء شكلي وموضوعي، ثم انتقالها للحجاب واعتزال الفن، ثم العودة المشروطة. وفي المقابل حاولت منى تقديم أدوار تناسب موهبتها الحقيقية التي يعرفها الجميع، من خلال فيلم جيد هو «احكي يا شهر زاد» عام 2009، للكاتب وحيد حامد، والمخرج يسري نصر الله، لكنها قوبلت بموجة غضب من قِبل جمهورها الذي وصل به الحب أو الشطط، لدرجة مطالبته لزوجها الفنان أحمد حلمي بتطليقها. عن تلك الأزمة التي مرت بها منى زكي، تقول الناقدة الفنية ماجدة موريس لرصيف22: «الجمهور انقلب على منى الفتاة الطيبة التي عرفها، وترسخت في ذهنه بأنها ابنته وأخته، لكن بشخصيتها في احكي يا شهر زاد رآها تخلع عباءة الفتاة البريئة وتجسد دور سيدة تحب وتكره وتمارس الجنس، وإن بصورة غير فجة».

هل كانت «السينما النظيفة» نظيفة حقًا؟

بنظرة سريعة إلى أفلام «السينما النظيفة»،  نجد ــ وإن روّجت في الظاهر أنها أخلاقية ــ أنها تقدم العديد من المشاهد المنافية لكل ما هو أخلاقي، مثل العنصرية تجاه ذوي القامة الطويلة، أو القصيرة، أو أبناء الصعيد، أو أصحاب البشرة السمراء كما في أفلام: «صعيدي في الجامعة الأمريكية، واللي بالي بالك، وأفريكانو...
«السينما باظت من ساعة ما بطلوا بوس». تلك الجملة قالتها الفنانة سلوى خطاب، التي لا يختلف اثنان على موهبتها، وقدرتها على تجسيد أي دور، وهو ما يؤكده ظهورها في أغلب الأعمال الجيدة فنيًا على الساحة حاليًا. وكانت قد قالتها  في برنامج «كلام تاني». لكن هل فعلاً خلت السينما النظيفة التي ترمي إليها سلوى من «البوس»؟
الحقيقة لا، لم تخلُ الأفلام النظيفة من «البوس»، ولكنه "بوس" على استحياء، أو مبرر، بمعنى أن يكون خارج الإطار الرومانسي، كأن يحاول الممثل المساعد «الشرير»، وليس البطل «الطيب»، اغتصاب البطلة وتقبيلها، في ظل ممانعتها الشديدة، ثم ينقذها البطل منه، كما في فيلم «زكي شان»، لأحمد حلمي، وياسمين عبد العزيز، وأمير كرارة. أو أن تكون القبلات من البطل نفسه لامرأة أجنبية، كما في فيلم «مافيا»، بطولة أحمد السقا .


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard