شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حكاية الحبّ الممنوع في قصر موسى، التاج محل على أسلوب القرية اللبنانية

حكاية الحبّ الممنوع في قصر موسى، التاج محل على أسلوب القرية اللبنانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 2 فبراير 201805:58 م
"عندما تملك قصراً يمكنك أن تتحدث إليّ". كان وقع هذه الكلمات التي تفوّهت بها زميلته الثرية أيام الدراسة، واضحاً لموسى، فقرّر منذ ذلك الوقت أن يبني قصراً. 11001718_806431909404929_8300701485018612247_o هذه حكاية "موسى المعماري" الذي صنع طريقه بنفسه ورحل الأربعاء الماضي (عن عمر يناهز 87 عاماً) تاركاً وراءه أحد أبرز المعالم السياحية في لبنان، ودرساً عن المثابرة حتى تحقيق الأحلام، أياً تكن.

الرحلة

"لا مستحيل تحت الشمس". هذه العبارة تلخص مسيرة موسى عبد الكريم المعماري الذي ترجع أصوله الى "حارة السرايا" في سوريا. لم تكن حياة "موسى" عادية على الإطلاق بل رحلة طويلة وشاقة اختبر فيها الفقر قبل أن يحقق حلمه وينجح في تغيير مستقبله. ولد "موسى" في العام 1931 في عائلة متواضعة تمتهن العمارة، ومثل العديد من أترابه، وقع الشاب الذي ينتمي للطبقة الفقيرة والبالغ من العمر 14 عاماً في حب زميلته في الصف، غير آبه بالفروق الاجتماعية بينهما. إلا أن حبيبته كانت تحلم بالعز، فلم تكترث لمشاعره بل رفضته وارتبطت بشابٍ ميسور. هذه الحادثة كانت كافية لقلب حياة "موسى"، الذي عوضاً عن الاستسلام، قرر أن يبني قصراً يضاهي جمال قصور الملوك وأصحاب الثروات، متحدياً جميع من سخروا منه بما في ذلك أستاذه في المدرسة. ففي إحدى حصص الرسم، رسم موسى معالم القصر الذي وعد حبيبته به، زاعماً أنه سيبنيه يوماً من الأيام، غير أن الأستاذ "أنور" اعتبر أن "موسى" يسخر منه، فضربه ومزّق الرسم ورمي الورقة على الأرض. تناول الفتى الصورة الممزقة وغادر الصف مصمماً أكثر من أي وقت مضى على تحقيق حلمه. قرر موسى عام 1945 من دون علم أحد ترك المدرسة والعائلة والسير من طرطوس إلى صيدا، حاملاً خصلة من شعر حبيبته وصورة القصر الممزقة. في صيدا، ساعد موسى عمه في ترميم القلعة البحرية، فاكتسب الخبرة اللازمة في مجال "الترميم". ثم عيّنه الأمير موريس شهاب المسؤول عن تجديد القلاع والاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في لبنان في المتحف الوطني في بيروت عام 1947. كما تم تعيينه لاحقاً لتثبيت الكولونات القديمة المكتشفة في أراضي بلدية بيروت. وفي قصر بيت الدين، أعاد ترميم متحف الأمير بشير الشهابي الثاني. وقد تمكن الشاب من أن يجمع 15 ألف ليرة لبنانية من أجل أن يتزوج ابنة قائمقام منطقة "دير القمر"، حيث اشترى قطعة أرض، ساعياً لـ"تحويل الرمال إلى ذهب"، كما كانت تردد والدته. shutterstock_264285221 بدأت المهمة الحقيقية عام 1962. وبمساعدة زوجته باشر موسى بناء قصره في بيت الدين حيث كان يحمل الطين والحجارة الثقيلة بنفسه.

وبعد عقودٍ عدة، أصبح القصر جاهزاً لاستقبال الناس، إذ كان موسى يحرص على الترحيب شخصياً بالزوار القادمين من لبنان وخارجه بابتسامة عريضة ويقص عليهم مغامراته وتفاصيل حياته الشيّقة. من يزور "قصر موسى" يرى أن المكان زاخر بمحطات من حياة بانيه، حتى أن الحجارة تحكي عن رحلة المعماري وعن التراث اللبناني. الشكل الخارجي للقصر تملأه الزخرفة على الأحجار والنقوش، ومن الداخل مرآة تعكس أبرز ما مر به موسى في حياته. من هنا، بدأ موسى بصنع المجسمات والتماثيل التي تنتشر في غرف القصر وتجسد شخصيات قريبة منه، كتلك التي تعود لأفراد عائلته وأقاربه والفلاحين الذين ساعدوه في بناء القصر، وأحضر مقاعد الصف من سوريا وجسّد الأستاذ "أنور" وهو يضربه أمام الطلاب.
shutterstock_661621981 وحرص "موسى المعماري" على الاحتفاء بالتراث اللبناني وبأبرز المحطات التاريخية التي شهدتها البلاد، في تماثيل تجسد حياة اللبنانيين من العصر العثماني حتى الإنتداب الفرنسي، إضافة الى عرض مجموعة واسعة من قطع الأسلحة القديمة التي رافقت تلك الحقبة التاريخية ومجسمات عن الحرف اللبنانية والعادات القروية. shutterstock_661621948 shutterstock_661621957 22291390_1506124926102287_1959640136310329778_o shutterstock_661622905

الزيارة

بعد البحث المكثف عن حبيبته أيام المدرسة، وجدها في أميركا، وبمساعدة قريبته وجّه إليها في العام 2009 دعوة لزيارة القلعة. وما إن وصلت الحبيبة القديمة، واسمها "سيدة"، إلى القصر حتى أصابها الذهول إذ أدركت أن "العجوز" الذي يقف قبالتها، معرّفاً عن نفسه بأنه صاحب القلعة، هو زميلها "موسى" الذي كان قد وعدها في يوم من الأيام ببناء قصر ردّا على رفضها الارتباط به بسبب فقره. 11027471_877441565637296_5541370367110528676_n "علّمتني الحياة أن هذا العالم لن يتوقف عن استمراره بعد موتي كما أن الأرض لن تحجم عن دورانها والشمس لن تكف عن شروقها وغروبها"، كتب موسى على جدران قصره.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard