شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
سوريا تسوّق فعلاً لعودتها كوجهة سياحيّة: ما المزعج في الأمر؟

سوريا تسوّق فعلاً لعودتها كوجهة سياحيّة: ما المزعج في الأمر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 22 يناير 201808:41 م

بين عشرة آلاف شركة ومكتب سياحي اجتمعوا في معرض مدريد الدولي للسياحة، كان ثمة جناح مشارك لفت زوار المعرض والصحافة دون غيره.

في الجناح كانت تُعرض صور لدمشق وحلب والساحل وغيرها من المناطق السورية، ومن خلالها كان مدير التسويق والترويج السياحي في وزارة السياحة السورية بسام بارسيك يسوّق لعودة بلاده كوجهة سياحيّة بعدما تركت المعارك آثار هدم ودماء على معالمها الأثرية وفي مدنها التاريخيّة.

كانت المرة الأولى التي تعود فيها سوريا إلى هذا المعرض الشهير منذ العام 2011.

وقد برز الحضور السوري في مدريد مع عودة النظام إلى العديد من المناطق الأثرية التي كان تنظيم الدولة الإسلاميّة قد سيطر عليها، ومنها تدمر المدرجة في لائحة التراث العالمي لليونسكو، وحلب التي تضرر حوالي 60 في المئة من أحيائها القديمة نتيجة المعارك الطاحنة، حسب تقرير اليونسكو.

لكن المشاركة السورية في تلك الفعالية الدولية، التي انتهت مساء الأحد، لم تكن عابرة. لقد أثارت، ومعها تصريحات بارسيك، نقاشاً انقسم بين مرحب بالعودة وآخر ساخر من الترويج للسياحة وسط الدمار والحرب المستمرة.

سيّاح بالملايين

"إنه عام إعادة بناء سوريا واقتصادنا"، هذا ما قاله بارسيك لوكالة الصحافة الفرنسية التي نقلت عنه أرقام لافتة لعدد السياح الحالي والمتوقع.

زعم بارسيك أن 1.3 مليون زائر أجنبي دخلوا إلى سوريا العام الماضي، بينما تهدف وزارة السياحة إلى زيادة العدد إلى مليوني زائر في العام الحالي.

ما ساعد سوريا في استعادة سمعتها كوجهة سياحيّة، وفق بارسيك، كان سيطرة الجيش على مناطق واسعة في سوريا واستعادتها من الجماعات الإرهابيّة.

تبدو أرقام بارسيك واعدة. في زمن ما قبل الحرب، كانت أرقام مماثلة لتبدو شديدة البديهية في إحدى أهم الوجهات السياحية العالمية في الشرق الأوسط، بما فيها من حوالي 14 ألف موقع أثري وأكثر من 60 قلعة وأقدم مدن العالم، إضافة إلى متاحف ومساجد وكنائس ومعابد تاريخية.

في العام 2005، جذبت سوريا أكثر من 3.6 مليون سائح، وفي العام 2010 وصل العدد إلى 5 ملايين سائح، لكنه تراجع دراماتيكياً بعد الحرب حتى وصل في العام 2015 إلى أقل من 400 ألف.

وقد تراجعت إيرادات القطاع، الذي كان يشكل 14 في المئة من الناتج المحلي ويشغل حوالي 13% من القوى العاملة، حتى وصلت الخسائر إلى ثلاث مليارات دولار حسب المصادر الرسمية، وحوالي 15 مليار حسب تصريحات جهات معارضة.

هذا الواقع الممتد من سنوات، وما معه من تدمير لحق بمواقع أثرية كثيرة ومخاطر أمنيّة ومعارك، جعل ذكر أرقام مماثلة مفعماً بالأمل، خاصة وأن السياحة تقاس بشكل أساسي بأعداد السياح، الذين يعكسون بدورهم انتشار الاستقرار والأمان.

ولكن الأرقام نسبيّة، وتشريحها ضروري في مجال السياحة، الذي جرى تكريسه في الدول التي شهدت حرباً أو حصاراً كأداة سياسة وبروباغندا.

بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تتضمن أرقام بارسيك من دخل سوريا من لبنان، حتى ليوم واحد فقط.

كذلك، لا يمكن استبعاد الزوار من إيران ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان في إطار السياحة الدينية، أو الزوار الروس والصينيين وغيرهم من الخبراء الذين يحضرون الصفقات لإعادة إعمار سوريا وإدارة مشاريعها ومعهم الخبراء العسكريين، ولا يمكن تجاهل المنظمات الإنسانية والدولية التي تقصد البلاد بسبب الأحداث الجارية.

أكثر من 300 ألف قتيل وآلاف المخفيين قسراً والمعتقلين و11 مليون نازح ولاجئ... ولكن مع ذلك، يروج النظام لسوريا كوجهة سياحية

"سوريا بتضلّ الأحلى"

بين الدول الأكثر خطورة حول العالم، تحجز سوريا لنفسها موقعاً متقدماً منذ بدء الحرب في العام 2011.

وبين الكوارث العالمية التي سجلها التاريخ، أفردت دموية الحرب السورية وبشاعتها، بأكثر من 300 ألف قتيل وآلاف المخفيين قسراً والمعتقلين و11 مليون نازح ولاجئ، مساحة لها قد لا ينافسها أحد في القرن الـ21.

وعلى قوائم الدول الغربية التي تحذر مواطنيها من زيارة بلد دون آخر، تأتي سوريا بين تلك التي تقرع جرس الإنذار عند ذكر اسمها، حتى أن كثر ممن لا يعرفون المنطقة يعتقدون أن لبنان والأردن وكل ما يحيط بسوريا هو في صلب معاركها وتحت مرمى نيرانها، فيخاف القدوم إليها.

ومع ذلك، "سوريا بتضلّ الأحلى". كان ذلك، بحسب وزارة السياحة السورية، التي أعادت حملتها الحالية التذكير بذاك الفيديو الترويجي الذي نشرته في العام 2016، مستعرضة جمال شاطئ طرطوس في يوم صيفي حار.

لا أحد ينكر جمال سوريا وغنى حضارتها. وكثر من السوريين، في الداخل والخارج، يحاولون التأكيد على هذا الجانب في يومياتهم وذكرياتهم.

أن تعود سوريا كوجهة سياحية ليس ما استفز كثر، ولم يكن ذلك حال الشاطئ السوري آنذاك، بل النهج المتعمد للوزارة بتجاهل وقائع كثيرة. في وعود الوزارة، لا أثر ليأس لاجئ أو خوف هارب في البحر، وعبرها يصبح الدمار والقصف والخطف "هامشياً".

السياحة السوداء

في العشرينات والثلاثينات، قرر مجلس السياحة الروسي إعادة تسويق روسيا لدى السائح الغربي، فنظمت مباريات ودعوات لفنانين مشهورين كي يرسموا لوحات وإعلانات جذابة، لم تكن تمت إلى الواقع الروسي بصلة كبيرة.

وكذلك فعلت ألمانيا النازية مع هتلر الذي وقع تشريعاً في العام 1933 للسياحة، وقد ألحقت منظمة السياحة بموجبه بوزارة البروباغندا، في حين اعتبرت مسألة تنوير أكثر منها تنظيم عمليات نقل ودعم اقتصادي.

من الطبيعي أن تثير وجهات مغلقة شهيّة تلك الفئة من السياح الذي تسعى وراء الغريب والمحجوب، وهذا يفسر توجه العديد منهم إلى كوريا الشمالية رغم انتقادات كثيرة تلاحق البلاد، وتعتبر السياح إليها أدوات دعاية للنظام الذي يحدد لهم ما يمكن رؤيته من عدمه.

يُضاف لهؤلاء فئة تجد نفسها غير معنيّة بما تروجه وسائل الإعلام عن بلدان معينة، وترى في معلوماتها مبالغة أو تزييفاً، فتسعى وراء بلدان تعد خطرة في الإعلام والسياسة بحثاً عن حقيقة ما، أو عن جرعة أدرينالين بكل بساطة.

من هؤلاء، سياح زاروا سوريا في الفترة الماضية وشاركوا تجربتهم عبر مواقع ومدونات، ككريستيان ل. الذي زار دمشق وحلب بـ"عقل منفتح ومتحرر من الأحكام  السياسية المسبقة" كما قال، ووجدهما تضجان بالحياة والجمال... والهدوء بعيداً عن مبالغات الإعلام.

وكما كل مفاصل الحياة في سوريا خلال الحرب، كان هناك "قصتنا" و"قصتهم" والقصة الثالثة القابعة بين تفاصيل القصتين.

بنظر كل من عاش في سوريا ولا يزال، وكل من تركها مرغماً، "سوريا بتضل الأحلى" بكل تأكيد. ولكن المشكلة تبقى ماثلة في مقاربة المسؤولين للسياحة في تلك البلاد.

قد يكون المدخل الأنسب لذلك ما يُصطلح تسميته بـ"السياحة السوداء"، التي ترتكز على زيارة المواقع ذات الماضي المظلم كمواقع الإبادات الجماعية والقتل.

ويعتبر المتخصص في هذا النوع من السياحة بيتر هوهنهوس أن هذا النوع من السياحة أساسي في عالم منقسم سياسياً وغارق في حروبه.

ويخبرنا هوهنهوس، الذي زار أكثر من 90 بلد وحوالي 600 موقع مظلم، أن "من لا يتعلمون من ماضيهم لا بد لهم من تكراره"، ومن هنا ينبع الجمال في بشاعة الحرب عندما نقاربها سياحياً في وقت لاحق. سنتوقف أمامها طويلا، نلامس وجعها، ونخاف الوقوع فيه مجدداً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard