شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل قررت الصين أخيراً أن تلعب دوراً سياسياً في المنطقة العربية؟

هل قررت الصين أخيراً أن تلعب دوراً سياسياً في المنطقة العربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 7 يناير 201801:37 م

أدى إعلان وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤخراً إطلاق بلاده مبادرة خاصة لإحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى إلقاء مزيد من الضوء على السياسة الصينية في المنطقة العربية.

فقد باتت بكين اليوم أكثر احتكاكاً بقضايا المنطقة وأزماتها من أي وقت مضى، في ظل تزايد مكانتها الدولية وبالتالي تعاظم دورها في كثير من الملفات التي كانت حتى وقت قريب خارج اهتمام ساستها.

اللعب على كل الحبال

منذ تبني الصين سياسة الانفتاح الاقتصادي وهي تنهج نهجاً حيادياً تجاه القضايا الشائكة التي لا تمس مصالحها بشكل مباشر، تجنباً لاتخاذ مواقف سياسية قد تلقي بظلال سلبية على علاقاتها التجارية حول العالم.

ولذلك تخلت عن النزعة الأيديولوجية القديمة التي اتبعتها في عهد مؤسسها ماو تسي تونغ، ولم يعد تبنيها للفكر الشيوعي ذا تأثير يذكر في علاقاتها بدول العالم، فصارت تتعامل مع أي نظام أياً كان شكله طالما كان هذا التعاون يصب في صالح اقتصادها المتنامي، طبقاً للمقولة التي اشتهر بها الرئيس دينغ شياو بينغ، مهندس النهضة الصينية "ليس المهم لون القطة أبيض أم أسود فما دامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة".

ما دام النظام الذي تتعامل معه يفيد مصالحك الاقتصادية فلا يهم شكله ولا لونه. وطبقاً لذلك، اتخذ الصينيون موقفاً "بلا لون" من قضايا المنطقة، كي لا تتضرر مصالحهم مع جميع الأطراف.

نجحت سياسة اللعب على كل الحبال في فتح جميع دول المنطقة أمام الاستثمارات الصينية، حتى أن الرئيس الصيني في زيارته الأخيرة للمنطقة زار السعودية وإيران ووقع مع كلا البلدين اتفاقيات اقتصادية كبيرة.

ولم تتأثر العلاقات مع مصر مثلاً بوجود الرؤساء حسني مبارك أو محمد مرسي أو عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم، وكذلك الحال مع الفلسطينيين والإسرائيليين، فبكين تعتمد على الأخيرة في تطوير بعض الأسلحة، وفي نفس الوقت هي صديق قديم للفلسطينيين تدعم قضاياهم وتحافظ على علاقاتها معهم.

الصين وعملية السلام

جاء إعلان وزير الخارجية الصيني، أن بلاده "قررت زيادة انخراطها فى إحراز تقدم في العملية الدبلوماسية بين إسرائيل والفلسطينيين" تتويجاً لعلاقاتها متعددة الأطراف، ومحاولة لاستثمار مكانتها الدولية، فقد عقدت لقاءً بين وفد فلسطيني بقيادة مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل شعث، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، ووفد إسرائيلي يترأسه النائب حيليك بار، الأمين العام لحزب العمل ونائب رئيس الكنيست.

ونجحت المبادرة الصينية التي أتت عقب اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تبع ذلك من اعتبار الفلسطينيين أن واشنطن لم تعد وسيطاً محايداً في عملية السلام، في صياغة وثيقة مبادئ للسلام مع أن أعضاء الوفدين رفضا عقد مؤتمر صحافي مشترك بسبب وجود بعض الخلافات، لا سيما في ما يتعلق بقضية القدس.

لكن اللقاء شكّل محاولة صينية للتخلص من الاحتكار الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط.

نجحت سياسة اللعب على كل الحبال في فتح جميع دول المنطقة أمام الاستثمارات الصينية، حتى أن الرئيس الصيني في زيارته الأخيرة للمنطقة زار السعودية وإيران ووقع مع كلا البلدين اتفاقيات اقتصادية كبيرة.
عيون الصين شاخصة على المنطقة العربية خاصةً أن أحد أهم الممرات الاقتصادية الستة لطريق الحرير التي تربطها بأوروبا يمر بحراً بقناة السويس، وبراً بشمال العراق

الصين والأزمة السورية

كان موقف الصين من الأزمة السورية الأكثر أهمية خلال الفترة الماضية، ويتضح ذلك جلياً بالنظر إلى أنها استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن ست مرات لصالح النظام، من ضمن 11 مرة استخدمته فيها طوال تاريخها، أي أكثر من نصف العدد الكلي، ما يدل على أهمية القضية بالنسبة إليها.

وللصين عدة دوافع لتأييد النظام السوري، أبرزها الخشية من انتقال عدوى العنف المسلح إليها، إلى جانب محاولة استغلال الظرف الحالي للاستحواذ على أكبر نصيب من الاستثمارات.

وشرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ، في 29 نوفمبر الماضي، دوافع انخراط بلاده بنشاط مع سوريا ودول الشرق الأوسط الأخرى بقوله: "يعاني الكثير من الناس في الشرق الأوسط من أيدي الإرهابيين الوحشية... ونحن ندعم البلدان في المنطقة في استكشاف مسار إنمائي يناسب أحوالهم الوطنية"، معرباً عن استعداد بكين لتقاسم الخبرة في مجال الحكم وتعزيز السلام والاستقرار من خلال التنمية المشتركة.

وأكد المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا، شيه شياويان، استعداد بلاده للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، بعد انتهاء الحرب، فالتدمير الذي طال كل شيء يجعل من عقود إعادة الإعمار مكسباً ثميناً يستحق التعب للوصول إليه، كما أن موقع سوريا الجغرافي يقدم للصين مساهمة كبيرة في مشروع الحزام والطريق الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جينبينغ، عام 2013.

وبحثت المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس السوري، بثينة شعبان، مع وزير الخارجية الصيني، مسألة التعاون في "مكافحة الإرهاب" وركّز اللقاء على المقاتلين ذوي الأصول الصينية، خلال زيارتها لبكين أواخر نوفمبر الماضي.

وأتت زيارة شعبان بعد توجيه الحزب الإسلامي التركستاني، في نفس الشهر، تهديدات إلى الحكومة الصينية، ضمن عرض عسكري لقواته في محافظة إدلب، هو الأول من نوعه منذ بداية نشاطه العسكري في سوريا، تضمن العشرات من الدبابات والآليات العسكرية.

استخدمت الصين حق الفيتو في مجلس الأمن 6 مرات لصالح النظام، من ضمن 11 مرة استخدمته فيها طوال تاريخها

ويقيم نحو ثلاثة آلاف مقاتل إيغوري يقاتلون ضمن الحزب التركستاني، معظمهم أتوا مع أسرهم، في ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي، ولا يخفي هؤلاء المقاتلون نيتهم شن هجمات على الصين، كما سبق وأعلنوا مراراً مسؤوليتهم عن هجمات سابقة، فهم ينظرون إلى نظام بكين كعدو محتل لبلادهم التي يسمونها "تركستان الشرقية" وتسميها الصين إقليم "شينغيانغ"، لذلك تحاول بكين أن تجعل المعركة على أراضي سوريا لا على أراضيها.

وكانت وسائل إعلام روسية قد قالت إن القوات الخاصة الصينية التي تحمل اسم "نمور الليل" وصلت ميناء طرطوس السوري في 28 نوفمبر، للمشاركة في العمليات العسكرية ضد "الإرهابيين".

إلا أن المبعوث الصيني إلى سوريا نفى بشكل قاطع خلال لقائه وفد المعارضة السورية بجنيف، إرسال بلاده أية قوات إلى سوريا.

وأصدرت وكالة أنباء "سانا" الحكومية، في 16 ديسمبر ، نفياً للخبر جملة وتفصيلاً، لكن ما لم يتم نفيه بنفس الشكل هو وجود مستشارين عسكريين صينيين لدعم نظام الأسد منذ عام 2015، بحجة تدريب الجيش السوري على استعمال الأسلحة الصينية.

وتشير الخبيرة في الشؤون الصينية وأستاذة الاقتصاد بجامعة بني سويف الدكتورة نادية حلمي إلى أن تدخل الصين في الشأنين السوري والعربي بات حتمياً بسبب مخاوفها من استهداف الحزب التركستاني لمصالحها وشركاتها في الخارج أو تسلل عناصره إليها، وهذا برأيها "سر تطور موقفها من الأزمة السورية" خاصة مع ترابط مصالح الصين بالمنطقة بشكل أكبر، ما جعلها تولي اهتماماً خاصاً بالتعاون مع الدول العربية وعلى رأسها مصر في مجال مكافحة الإرهاب.

وأضافت لرصيف22 أن الصين أدركت جيداً، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، أن استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط قد يمتد إلى الصين يوماً ما، وأن إعادة الاستقرار للشرق الأوسط بحاجة إلى جهود مشتركة من دول المنطقة والمجتمع الدولي، وأن غيابها لا يمكن أن يساعد على حل القضايا في المنطقة، ولذلك لا تنقطع الوفود المتبادلة على مختلف المستويات، وتتعدّد الزيارات الرسمية عالية المستوى.

ما دام النظام الذي تتعامل معه يفيد مصالحك الاقتصادية فلا يهم شكله ولا لونه. وطبقاً لذلك، اتخذ الصينيون موقفاً "بلا لون" من قضايا المنطقة، كي لا تتضرر مصالحهم مع جميع الأطراف

وتابعت أن سياسة بكين في الشرق الأوسط تتسم بالحذر الشديد إذ أن موقفها من الأزمة السورية يعاكس مصالحها الاقتصادية في المنطقة، فاستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن للتصدي لمشاريع قرارات تمثل إرادة معظم الأنظمة العربية والعالم ككل، أثار النقمة على هذه المواقف، إلا أنها لم تضع الأمر في ميزان مصالحها الاقتصادية وعلاقاتها الدولية الاعتيادية، وإنما وضعته في ميزان جيو استراتيجي دقيق، فالموقف الرسمي من الأزمة في سوريا واضح، تعبّر عنه تصريحات العديد من المسؤولين الصينيين بشكل متواصل.

وأشارت حلمي إلى أن الصين لا يمكن أن تغيب عن قضايا المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً، في ظل تزايد أهمية المنطقة بالنسبة إليها يوماً بعد يوم، فالدول العربية أكبر مورد للنفط وسابع أكبر شريك تجاري لها وسوق هامة للمقاولات والاستثمارات الخارجية، خاصة بعد إعادة إحياء طريق الحرير المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق البري والبحري الذي يسعى إلى ربط الصين بالعالم وعلى رأسه دول المنطقة العربية، والذي تقدر تكلفته بتريليون دولار.

ويشكل هذا المشروع المحرك الرئيسي لسياسة البلاد الخارجية، وتلفت حلمي إلى أن النقطة الجديرة بالانتباه، والتي تعكس أهمية المنطقة العربية تحديداً في مبادرة طريق الحرير هو أن أحد أهم الممرات الاقتصادية الستة لطريق الحرير التي تربط المبادرة بمنتهاها الأوروبي هو "ممر الصين آسيا الوسطى غرب آسيا" الذي يمر بحراً بقناة السويس، وبراً بشمال العراق.

هذا الممر يشكل تحدياً كبيراً للصين في ظل الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط، والمشاكل والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول المنطقة، لذا، فإن الحضور الصيني القوي والفعال في المنطقة العربية في الفترة المقبلة بات أمراً لا مفر منه خاصة مع إدراك الصين أن بعدها عن المنطقة العربية سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً بات يهدد مصالحها الحيوية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard