شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعيداً من نظريات المؤامرة، من هم الرابحون والخاسرون من تقلبات أسعار النفط الأخيرة؟

بعيداً من نظريات المؤامرة، من هم الرابحون والخاسرون من تقلبات أسعار النفط الأخيرة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 1 يونيو 201712:40 ص

هوت أسعار النفط منذ يونيو 2014 بنسبة 60% تقريباً، وتعنينا هنا أسعار برميل "برنت"، المؤلف من مزيج نفطي مستخرج من حقول بحر الشمال، ويُعَد مرجعاً لتسعير النفط في معظم أنحاء العالم، ويُتداوَل في بورصة لندن. ومع أن المضاربات تؤدي تقليدياً دوراً بارزاً في تقلب أسعار النفط، إلى جانب سلع أخرى والأسهم والعملات والمعادن الثمينة والصناعية وكل ما يُتداوَل في البورصات العالمية، كانت للتراجع الأخير لأسعار النفط أسباب أخرى كثيرة هذه المرة، ولم يكن التراجع بمنأى عن نظريات المؤامرة. وفي الشرق الأوسط عموماً والعالم العربي خصوصاً، برز خاسرون ولامبالون ورابحون.

وفيما بدأ التراجع سلساً في يونيو 2014، اتخذ مساراً حاداً منذ نوفمبر الذي تلاه، حين عقدت "منظمة البلدان المصدرة للنفط" (أوبك) اجتماعاً في مقرها في فيينا لوزراء النفط في البلدان الأعضاء، وفي حضور روسيا ( ليست عضواً)، وانتهى الاجتماع بقرار جماعي قضى بعدم خفض إنتاج بلدان المنظمة دعماً للأسعار. وقيل إن إبقاء الإنتاج عند 30 مليون برميل يومياً جاء بضغط سعودي وسط اعتراض إيران وفنزويلا، لكن العضوين هذين رضخا لضغط العضو الأبرز حفاظاً على ضرورة الإجماع في قرارات المنظمة. وألمح وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي إلى أن بلاده تمكنت خلال الاجتماع من إقناع الأعضاء الآخرين بضرورة الحفاظ على مستوى إنتاجهم الإجمالي لحماية حصصهم في أسواق النفط المهددة من منتجين خارج المنظمة، خصوصاً روسيا التي لم تتجاوب مع طرح سعودي لخفض إنتاج جماعي، من المنظمة ومن خارجها، دعماً للأسعار. وزخرت الصحف الغربية، بما فيها المرموقة، بتحليلات لم تخلُ من نظريات المؤامرة، إذ نشرت صحيفة الـ Newyork Times، مثلاً، في 3 فبراير 2015 تقريراً مطولاً نقلت فيه عن مسؤولين ومحللين تأكيدهم أن السعودية المنتج الأكبر في "أوبك"، والتي تستطيع أن تتحمل أسعاراً متدنية للنفط بفضل فوائض مالية ضخمة راكمتها خلال طفرة الأسعار منذ 2010، إنما رفضت خفض إنتاج "أوبك" لدفع الأسعار نزولاً أكثر، للضغط على روسيا، المنتج الأكبر خارج المنظمة، والتي لا تستطيع تحمل أسعار متدنية. وعزت الصحيفة السبب إلى الخلاف السعودي – الروسي حول سوريا، فالسعودية راغبة في رحيل نظام الرئيس بشار الأسد، فيما روسيا تدعمه. ونفت روسيا تقرير الصحيفة في اليوم التالي.

وما لبثت "أوبك" نفسها، وهي الممثلة الأولى لمنتجي النفط، على الرغم من أن حصتها من الإنتاج العالمي لا تتجاوز 40%، وكذلك وكالة الطاقة الدولية، الممثلة الأولى للمستهلكين، أن حسمتا الأمر: إن فائض الإنتاج هو وراء هبوط الأسعار. ففي تقريرها الشهري الأخير في مارس، نبهت "أوبك" إلى طفرة الإنتاج من النفط الصخري في الولايات المتحدة، متوقعة انتهاء الطفرة بحلول نهاية العام الجاري بسبب هبوط الأسعار. والنفط الصخري عبارة عن نفط يُستخرَج من صخور مشبعة به، واحتياطاته الكبيرة في الولايات المتحدة وغيرها (الصين، مثلاً، وحتى السعودية) معروفة منذ زمن بعيد، لكن استخراجه لم يكن ممكناً إلى أن توافرت تقنية "التكسير المائي" في السنوات الأخيرة. والتقنية عبارة عن ضخ للماء في الصخور لتفتيتها وإطلاق ما فيها من النفط وحتى الغاز. وأكدت "أوبك" أن الطفرة الأمريكية، التي جعلت واشنطن تأمل بالوصول إلى اكتفاء ذاتي نفطي، هي من أسباب هبوط الأسعار، نافية ضمناً كلاماً عن أن الأسعار أُنزِلت عمداً لضرب هذه الطفرة.

وفي مارس أيضاً، لفت التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستقرار الذي شهدته الأسعار في الأسابيع القليلة السابقة لصدور التقرير ليس إلا مؤقتاً، ففائض الإنتاج المتوفر في الأسواق لا يزال مرتفعاً. وعلى عكس "أوبك"، رأت الوكالة أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي لا يبدي مؤشرات يُعتَد بها إلى أنه سيتباطأ. هذا علماً بأن الخام الأمريكي الخفيف، أو خام غرب تكساس الوسيط، هو نظير "برنت" في النصف الغربي من العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة، فهو مرجع التسعير هناك. وأسعاره تدنت منذ يونيو أيضاً، لكنه يبقى كشأنه في السنوات الأخيرة، أدنى سعراً من "برنت" بهامش يراوح حول 10 دولارات أمريكية. ويُقدَّر فائض النفط المعروض في الأسواق بـ1.8 مليون برميل يومياً.

والآن ما هو وضع بلدان المنطقة في ضوء انهيار أسعار النفط؟ واضح أن إيران تراهن على اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي يفضي إلى رفع كامل للعقوبات عليها بما يسمح لها بمعاودة تصدير النفط. وسمحت استثناءات من العقوبات، منحها الغرب لبلدان آسيوية مستوردة للنفط الإيراني، بمواصلة هذا الاستيراد لأن مصافي هذه البلدان مبرمجة لتكرير النفط الإيراني الخفيف، أي المتضمن نسبة متدنية من الكبريت، ولا تستطيع التعامل مع أنواع أثقل من النفط. لكن المبيعات النفطية الإيرانية هبطت إلى أقل من النصف بسبب العقوبات منذ 2013.

أما بلدان الخليج فراكمت فوائض نقدية ضخمة خلال طفرة أسعار النفط منذ 2010 تمكنها من مواصلة سياسة الإنفاق الكبير في موازناتها بالسحب من هذه الفوائض أو بالاقتراض من مصارف محلية أو أجنبية. وليس جديداً على بلدان الخليج أن تقترض، فهي فعلت ذلك أثناء أزمة المال العالمية في 2008 – 2010 وخلال حرب الخليج (1991) وفي السنوات التالية لها. وحقق الاقتصاد الخليجي العام الماضي، نمواً بنسبة 4.2%، مقارنة بـ4.1% في 2013، وبقيمة إجمالية تناهز 1.7 تريليون دولار، مقارنة بـ1.65 تريليون دولار في 2013. وساهم نمو مستويات الإنفاق الحكومي، وتحسن ظروف القطاع الخاص في هذه الدول، في نمو الناتج المحلي غير النفطي في المنطقة بنسبة 6.1% في 2014، مقارنة بـ5.7% في 2013.

وينسحب الكلام نفسه على الجزائر، المنتجة للنفط والغاز والطامحة إلى استغلال ثروة من النفط والغاز الصخريَّين، لكن مع تحفظات كثيرة بسبب مشاكل بنيوية تعتوِر اقتصاد البلاد، مثل اختلالات الميزان التجاري وميزان المدفوعات ونسب عالية من التضخم لا تتراجع عن 42% ومعدل للنمو الاقتصادي لا يتجاوز واحداً في المئة.

أمّا البلدان العربية المستوردة للنفط فتشعر عموماً بارتياح. فمديرية التوقعات المالية التابعة لوزارة المال في المغرب متفائلة بآفاق 2015، لهبوط أسعار النفط الذي اضطرت المملكة إلى تقليص دعم مشتقاته في سنوات طفرة الأسعار بين 2010 و2014 لجماً لعجز متفاقم في الموازنة، ناهيك بأن الأمطار الوافرة هذه السنة تعد بإنتاج زراعي جيد، وتالياً بصادرات جيدة. وساهم تراجع أسعار النفط في خفض قيمة فاتورة الطاقة للمغرب بنسبة 44% خلال السنة الماضية، وهو ما سيساهم في تراجع عجز الموازنة، على أن تنخفض هذه الفاتورة إلى النصف خلال 2016 مقارنة بـ2013.

وفي لبنان يسود تفاؤل مماثل، وإن لم يرافق تراجع الأسعار العالمية للنفط خفض مماثل لأسعار المشتقات في لبنان لأن الخزينة، شبه الفارغة بسبب الجمود الاقتصادي الناجم عن تباطؤ قطاع السياحة ذي المساهمة الكبرى في العائدات الحكومية بسبب الحرب في سوريا والأزمة السياسية في لبنان، تعتمد على ضرائب مفروضة على أسعار المشتقات النفطية، إلى جانب الضرائب على الاتصالات. ففاتورة لبنان النفطية السنوية تبلغ ستة مليارات دولار، ويُتوقَّع ألّا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار هذه السنة، لكن ثمة مخاوف من تراجع الودائع المالية في مصارف لبنان، خصوصاً الودائع الخليجية التي قد يطلب أصحابها بعضها لسد حالات العجز المتوقعة عندهم بسبب تراجع أسعار النفط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard