شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن القصص المؤلمة لضحايا الرصاص الطائش في غزة... فوضى السلاح والخلافات حول توحيده

عن القصص المؤلمة لضحايا الرصاص الطائش في غزة... فوضى السلاح والخلافات حول توحيده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 7 فبراير 201805:47 م
لم تكتمل فرحة الإفراج عن أحد الأسرى من سجون إسرائيل، وقد عبّرت عنها مسيرات ابتهاج خرجت في شوارع شمال غزة في يوليو الماضي، إذ تحوّل العرس الوطني إلى عزاء نتيجة إصابة محمد أبو زاهر برصاصة طائشة في قلبه أسقطته قتيلاً. كانت أسرة الضحية تستعد لخطبته ولكن الرصاصة التي أصابته حالت دون اكتمال فرحتهم، روى الحاج حسن أبو زاهر لرصيف22 عن ابنه الذي كان معيلاً لأسرته. تسببت وفاة الشاب بحزن شديد لدى أسرته وفي الحي الذي يقطنه، فقد كان من أكثر الأشخاص خدمةً ومرحاً، بحسب صديقه يوسف العطاونة.

ضحايا بالعشرات

لا يكاد يخلو بيت أسرة فلسطينية في قطاع غزة من وجود أسلحة نارية، فقد فرض الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وكثرة الفصائل الفلسطينية المسلحة امتلاك هذه الأدوات القاتلة، ما انعكس بشكل سلبي على الفلسطينيين أنفسهم في بعض الأحيان. يقوم مالكو الأسلحة النارية بإطلاق النار في الهواء في ليالي الزفاف، وأثناء صدور نتائج اختبارات الثانوية العامة وفي العزاءات والجنازات، وحين يخرجون في مسيرات ابتهاجاً بتنفيذ عملية فدائية بالمدن المحتلة أو بإطلاق سراح أسير... ولا تمرّ هذه الطلقات القاتلة بسلام في كثير من الأحيان. أسر كاملة تتدمّر بسبب وفاة معيلها، أو فقدان أبنائها بعض أعضائهم. استهدفت إحدى الرصاصات الطائشة وسيم خطاب أثناء ممارسته رياضة كرة القدم. سقط بشكل مفاجئ داخل الملعب، وحين استعاد وعيه، وجد نفسه في مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة، ليعرف تفاصيل ما حصل معه من زملائه.
عشرات الضحايا سنوياً بسبب فوضى السلاح في غزة... حكومة الوحدة الوطنية تطالب بحصره بأيدي قوى الأمن، ولكن فصائل كثيرة ترفض ذلك لـ"ضرورات المقاومة"
مستشفيات غزة تستقبل على الدوام قتلى أصيبوا بالرصاص المرتد والطائش... ولكن معوقات كثيرة تمنع توحيد السلاح وضبط استخدامه
يروي لرصيف22 أنهم وجدوا ثقباً في رقبته ونقلوه إلى المستشفى حيث أفاد الفحص الطبي بأن رصاصة استقرت في رقبته، لينتهي به الحال بشلل نصفي سيرافقه طوال حياته. يعرب الشاب عن حزنه من هذا الأمر الذي سيمنعه من الوصول إلى حلم طالما غامر من أجله، وهو أن يكون أحد لاعبي المنتخب الفلسطيني لكرة القدم. يقول طبيب العظام في المستشفى المركزي بغزة إيهاب شرير لرصيف22 إنهم يستقبلون بشكل شبه يومي حالات أصيبت بالرصاص المرتد والطائش، كانت أهمها في الفترة الأخيرة حالة سيدة حامل بالشهر السادس من عائلة الديري أُصيبت في بطنها برصاصة طائشة أطلقها أحد أقربائها في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي، ما تسبب بوفاتها هي وجنينها. واندلعت إثر ذلك اشتباكات مسلحة بين أفراد العائلة نفسها بعد صلاة عيد الفطر مباشرة، وقُتل ثلاثة مواطنين آخرين وجرح العديد منهم.
عشرات الضحايا سنوياً بسبب فوضى السلاح في غزة... حكومة الوحدة الوطنية تطالب بحصره بأيدي قوى الأمن، ولكن فصائل كثيرة ترفض ذلك لـ"ضرورات المقاومة"
مستشفيات غزة تستقبل على الدوام قتلى أصيبوا بالرصاص المرتد والطائش... ولكن معوقات كثيرة تمنع توحيد السلاح وضبط استخدامه

السلطة وفوضى السلاح

أوضح الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة أيمن البطنيجي لرصيف22 أن عدد الوفيات جراء الرصاص الطائش وصل إلى 12 قتيلاً عام 2016، بينما انخفض عام 2017 العام إذ لم يتعدّ الثمانية. وشرح أن معظم هذه الحالات سقطت نتيجة قتل غير متعمد داخل البيوت وليس في الشوارع العامة. ومن هذه الحالات مقتل السيدة أحلام أبو بكرة على يد طفلها البالغ عمره سبع سنوات عندما كان يلعب بسلاح والده، فخرجت رصاصة منه استقرت برأس والدته، ومنها مقتل المواطنة رندا قديح بسلاح زوجها أثناء تنظيفه وتفقده. كما توفيت الفتاة صابرين أبو شعبان، 24 عاماً بطلق طائش من مصدر مجهول أثناء سيرها بشارع النفق وسط غزة، ولا تزال الشرطة تبحث عن مطلق الرصاصة الطائشة كما أوضح البطنيجي. وأفاد البطنيجي بأن القانون المعمول به في مؤسسات الشرطة والأمن يقضي بملاحقة مَن يستخدم السلاح لما له من آثار سلبية، ومصادرة سلاحه وتوقيفه لمدة زمنية معيّنة حسب نوع الاستخدام، وكذلك فرض غرامة مالية عليه كعقوبة لتجاوزه التعليمات القانونية المتعلقة بسوء استخدم السلاح. كذلك تقوم الشرطة بمداهمة مكان إطلاق النار في الأفراح والأعراس والمناسبات المختلفة وتصادر قطع السلاح التي يتم إطلاق النار منها وتوقف أصحابها، وكذلك تنتشر في أية مناسبة عامة من المتوقع إطلاق الرصاص فيها منعاً لحدوث ذلك، مثل مناسبات الإعلان عن نتائج الثانوية العامة أو الاحتفالات بخروج أسير من سجون الاحتلال وغيرها. ومن ضحايا الرصاص الطائش، الطالبة فاطمة المصدر التي حصلت على الترتيب الأول باختبارات الثانوية العامة بقطاع غزة، ولكن فرحتها لم تكتمل، فقد قُتلت بالخطأ بإحدى رصاصات أطلقها أخوها فرحاً بنجاحها. عدا ذلك، هناك حالات قتل متعمد، مثل الجريمة التي ارتكبت بحق ثلاثة من عائلة أبو مدين وسط مدينة غزة، حين قطع ملثمون طريقهم وقتلوهم على مرأى من المارة، نتيجة خلافات قديمة بين عائلتي القتلة والمقتولين.

مطالبات بتوحيد السلاح

أغلب حالات القتل سواء العمد أو غير العمد نفذتها عناصر لا تتبع للجهاز الحكومي، وإنما لعائلات وأحزاب، الأمر الذي دفع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى المطالبة بدمج جميع الأجنحة المسلحة في قطاع غزة تحت مظلة جهاز أمني واحد يتبع لحكومة الوفاق الفلسطيني، لتجنب الكثير من حالات القتل ولفرض الأمن في المجتمع. وترى حكومة الوفاق أن الانقسام الفلسطيني أحدثته أسلحة الفصائل التي تعمل خارج الإطار الحكومي. وكان رئيس الشرطة الفلسطينية اللواء حازم عطا الله قد صرح في الفترة الأخيرة: "كيف يمكنني أن أكون رئيساً للشرطة بغزة، والسلاح ينتشر بيد الكثير من الفصائل المسلحة؟". وقال عضو المجلس الثوري لحركة فتح السيد إياد النصر لرصيف22 "إن توحيد السلاح الفلسطيني تحت مظلة جهاز أمني واحد في غزة سيقلل من أعمال العنف والقتل واستخدام السلاح بطرق غير شرعية، ما تسبب بنكبة عدة عائلات، وحوّل الأفراح إلى أحزان". وأضاف "أن الأمن الفلسطيني وُجد من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المواطن الفلسطيني وحمايته من يد الغدر الإسرائيلية"، مطالباً بعدم جعل المقاومة شماعة من أجل استمرار الانقسام وعدم توحيد القوى بخصوصها. واعتبر أن الدولة الفلسطينية، مثلها مثل أية دولة في العالم، تحتاج إلى سيادة موحدة وحكومة واحدة وسلاح واحد، مشيراً إلى أن توحيد السلاح الفلسطيني سيقود إلى حماية مشروع القيادة الفلسطينية المبذول والمتمثل بحلم الدولة الفلسطينية. ولكن فصائل كثيرة ترفض توحيد السلاح وترى ضرورة استمرار امتلاكها له لأنه من ضرورات مقاومة إسرائيل. وكانت حركة حماس قد رفضت مراراً بشكل قاطع شروط الرباعية الدولية التي تنص على تسليم سلاح المقاومة، مؤكدةً أنه سيبقى سلاحاً وطنياً موجهاً للاحتلال.

قُتلت بالخطأ بإحدى الرصاصات التي أطلقها أخوها فرحاً بنجاحها... القصص المؤلمة لضحايا الرصاص الطائش في غزة

وهذا ما تؤكده أيضاً حركة الجهاد الإسلامي. فقد قال الناطق باسمها أحمد المدلل لرصيف22 "إن الفصيل يقوم بسحب السلاح من المخالف وبفصله، وعلى الأجهزة الأمنية اتخاذ باقي الإجراءات الصارمة التي تكون قد ساعدتها بها فصائل المقاومة من ناحية فرض الأمن". وأضاف أنه لا يوجد أي فصيل يسمح بأن يضم إلى صفوفه أفراداً خارجين عن القانون، وبالتالي "لا حجة في ما يتعلق بهذه النقطة". وبين الطرفين، تقف بعض فصائل اليسار. فقد اعتبر الأمين العام لجبهة النضال الشعبي محمود الزق أنه من الواجب بقاء سلاح الفصائل على ما هو عليه مقابل دمجها بذراع عسكري واحد يتبع لقرار سياسي موحد وشامل، وتكون مرجعيته حكومة الوفاق الوطني، داعياً إلى الاتفاق على الوقت اللازم لخروج هذا السلاح ومتى يجب استخدامه، واتخاذ إجراءات قاسية بحق كل مَن يخالف ذلك. ويرى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة أن "سلاح المقاومة والجهاز الأمني مكملان أحدهما للآخر، حيث وظيفة الأجهزة الأمنية حماية الجبهة الداخلية للمواطن الفلسطيني والتي لا غنى عنها، بينما سلاح الفصائل يحمي المواطن الفلسطيني من الاعتداءات الخارجية". ولكن دعا إلى أن تتحكم باستخام السلاح غرفة عمليات مشتركة وموحدة تحت قرار سياسي واحد مرجعيته الحكومة كما هو الحال في الأجهزة الأمنية. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد دعا خلال كلمته التي ألقاها عبر الفيديو كونفرس بمهرجان إحياء الذكرى الـ13 لرحيل الرئيس الراحل ياسر عرفات بغزة إلى توحيد السلاح تحت منظومة أمنية واحدة تجمع جميع فصائل العمل الوطني بلا استثناء، بشكل يعزز صمود الفلسطينيين ويدعم مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي، ويحفظ للسلطة الفلسطينية مكانتها الدبلوماسية بين الأمم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard