شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مريم، ابنتي من أختي

مريم، ابنتي من أختي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 7 ديسمبر 201704:50 م
  إلى مريم ما إن تولد الفتاة حتى يبدأ حُلمها بالأمومة، أو بالأحرى هذا ما يُخيّل لها، ويظهر تجسيد هذا الحُلم بواقع افتراضي يتمثل في دُمية تُعاملها معاملة الاِبنة، فتتحول الطفلة إلى أمّ للُعبتها، تختار لها اسماً وتعتني بها وتحتضنها عند النوم، وبعض الفتيات يصل بهن الحال إلى الهوَس بـ"عروستهن"، والتعلق المرَضي بها، وبعضهن يحتفظن بدُميتهن المُفضلة بعد بلوغهن، وهذا كله سببه جينات الفتاة التي تفجّر إحساساً فطرياً بالأمومة. ربما هذه ليست قصة كل فتاة، ولكنها قصتي أنا. وكثيرات عشن تجارب شبيهة.

هكذا أصبحت "ماما" بلا حمل

كنت من الفتيات اللاتي وُلِدن أمهات كما يُقال، فمنذ الصغر أحب حمل الأطفال والاعتناء بهم واللعب معهم، وكان يُطلق عليّ بين أقاربي وأصحابي "بيبي سيتر"، وبعدما كبرت، بدأ الشعور يراودني بالرغبة المُلحّة في الحمل وتخيّل بطني منتفخاً طوال الوقت ووصل بي الحال إلى الإحساس بالغيرة والنَقص، لماذا أنا لست حاملاً وأُماً حتى جاءت فرصة تعويض هذا الإحساس. أختي الكبيرة تزوجت، وبعد أشهر أصبحت حاملاً وهي تسكن معنا في أحد طوابق نفس العقار، فرحتُ فرحاً هستيرياً، أخيراً سيصبح لدينا طفل. تمنيت أن يكون المولود فتاةً، فأنا أحبذ الطفلات، وظللت أراقب بطنها، حتى أخبرها الطبيب ذات يوم، أنتِ "حامل ببنت"، شعرت بأن دعوتي استجابت، وبدأت التفكير في اسم الطفلة المنتظرة. وكانت أختي تعلم فرحتي هذه، وتخبرني دوماً بأن هذه الطفلة ستصبح ابنتك أيضاً، وتركت لي اختيار اسمها، حتى قررت أنها ستكون "مريم"، ووافقت أختي وزوجها، ورغم أن العائلة كلها كانت في انتظار قدوم الطفلة فهي أول حفيدة لنا، إلا أن شعوري كان الأقوى. ظللت أحسب موعد قدوم الطفلة، واشتريت ملابسها الأولى. ويوم الولادة، أخبرت الممرضة، أن تأتي بـ"مريم" لي، لكي أكون أول شخص في الدنيا، يحملها، وحدث هذا بالفعل. لا أنسى شعوري حين رأيتها أول مرة، شعورٌ بالتملك وتعويض النقص والأمومة، كان الجميع مشغولين بالاطمئنان على صحة الأم لأن الولادة كانت متعثرة قليلاً. لكن كانت تلك فرصتي في التمعن في وجه الصغيرة وضمّها إلى حُضني أكثر، لم أتمكن من إشاحة عيني عن تفاصيلها، يديها الصغيرتين، جسدها الضئيل، صوت بكائها، رائحتها، ثيابها التي اشتريتها لها، كيف تبدو وهي ترتديها. ما هذا الإحساس الممتع جداً، أنا الآن أم لتلك الرائعة الصغيرة. كان هذا قبل ثمانية أعوام، في البداية، كانت كل أمور الطفلة، متروكة لي. أراها يومياً، كثيراً ما تنام بجواري، أعتني بملابسها وشعرها وبعض متطلباتها، أخذها إلى التنزّه، وبعد حوالي سنة، من هذا الروتين، بدأت تتعلم النطق، وتقول لي "ماما"، تبكي كثيراً لأجلي، وهنا بدأت الغيرة تدبّ بيني وبين أختي. وبدأت المشاكل، برفض تسريحة شعر أعددتها، أو أمر تافهٍ، وحدث بيننا خلافات كبيرة، وأذكر بكائي الحارق حين قررت منع الطفلة من النوم بجواري، أو معاقبتها بالضرب ومنعها من قول "ماما" لي، وسحبها من حُضني شيئاً فشيئاً، حتى وصل بي الأمر حد الذهاب إلى عيادة نفسية، لمحاولة علاج شعوري بأني أم أُخذت منها طفلتها. وبعد سنوات من المشاكل، تعوّدت غياب الطفلة بعد قرار أختي بالانتقال إلى منزل آخر بعيد جداً عن منزلنا، وبمرور الوقت، عزفت عن مهاجمتها وتفهمت شعورها وحقها كأم، إلا أنني لم أزل أشعر بأمومتي حيال "مريم".

تجميد البويضة

في الثمانينات ظهر إعجاز علمي يُعرف بـ"حفظ البويضة" أو تجميدها، وهو يعني الحفاظ على شباب البويضة، فكما هو معلوم، فإن النساء يتوفرن على بويضات يفوق عددها المليون عند ولادتهن، ويأخذ هذا العدد في التناقص مع تقدمهن في العمر. يُعرض حالياً، مسلسل مصري اجتماعي اسمه "سابع جار"، وتظهر خلاله شخصية هالة، الفتاة التي تبلغ من العُمر 35 عاماً، وتحلم بأن تخوض تجربة الأمومة، وينحصر دورها في محاولة الحصول على الطفل الذي تحلم به، فتلجأ إلى عرض الزواج على أحد زملائها بالعمل، فتخبره بوضوح شديد:  
&feature=youtu.be "تزوجني حتى أتمكن من الإنجاب وتحقيق رغبتي في الأمومة، وفي المقابل لن أجعلك تشعر بأي عبء مادي"، وحين يرفض طلبها، تذهب إلى طبيبة لكي تقوم بعملية "تجميد البويضة"، وتخبرها بأن ما دفعها إلى الذهاب إليها هو التخوّف والهوس من عدم تمكنها من الإنجاب، وبخاصة مع التقدم في العُمر، وحين تجيب الدكتورة بأن لا داعي للقلق، تُجيب هالة : "لا أريد المخاطرة"، فتؤكد الطبيبة أن هناك كثيرات لديهن نفس الهاجس، وفي الحقيقة هذا يعدّ تجسيداً واقعياً لحالات الكثيرات من الفتيات اللاتي تسيطر عليهن الرغبة في الإنجاب ويبحثن عن طرق بديلة للتعويض أو المُحافظة على فرصهن المستقبلية في الأمومة. كذلك في الواقع كما يؤكد دكتور شريف باشا سيف، استشاري أمراض النساء والتوليد، أن أسباباً اجتماعية وراء اللجوء لتجميد البويضة، أبرزها الفتيات اللاتي لم يتزوجن حتى سن الـ35، فيقمن بتجميد البويضات من أجل المحافظة على خصوبتها.

طرق تعويض إحساس الأمومة المفقود

كثيرات من الفتيات يلجأن إلى أولاد أخواتهن وإخوتهن، ليعوضن حالة الفقد التي يشعرن بها، وأخريات يلجأن للزواج من أي شخص من أجل الأمومة كنوع من التعويض كذلك، وقد تلجأ الفتاة إلى الجمعيات الخيرية، فتختار طفلاً أو طفلةً، دخل/ت قلبها، وتخصص يوماً للزيارة داخل أحد دور الأيتام وتأتي له/ا ببعض الألعاب والملابس، وهنا تشعر – لفترة مؤقتة وهي مدة الزيارة – بشعور الأمومة الذي تتمناه، لدرجة أن بعضهن يطلبن من الطفل /ة أن ي/تناديها بـ"ماما". وفي مصر احتفال سنوي بيوم اليتيم، تشارك الكثيرات من الفتيات فيه من أجل تعويض هؤلاء الأيتام عن شعورهم بفقد أمهاتهم وفي الوقت نفسه، وهذا ما يمنحهن شعوراً مجانياً بالأمومة.

تعويض أم تعقيد

لدى حديثي مع الدكتور جمال فرويز، استشاري الطيب النفسي، أخبرني أن الكثيرات من الفتيات يكون لديهن شعور عميق واحتياج مُلّح للأمومة بسبب فطرتهن، وبعضهن لا تغلب على أحاسيسهن تلك الطبيعة بشكل كبير، ويعتبر أن تعويض فقدان الأمومة ببدائل أخرى مثل الاعتناء بأبناء الأخ/ الأخت، يجلب شعوراً جيداً لكنه مؤقت، ومع فرط التعلق ثم سلب هذا الشعور من الفتاة يحدث لها تأثيرات نفسية سيئة، وربما يصل الأمر إلى التعقيد. علماً أن هناك فتيات كثيرات يحلمن بالأمومة، وتكون صحتهن النفسية سيئة ويشعرن دائماً بالتوتر وسرعة الغضب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard