شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
التكنولوجيا وعدتنا بالسعادة ولكن… علاقتنا الغرامية معها انتهت

التكنولوجيا وعدتنا بالسعادة ولكن… علاقتنا الغرامية معها انتهت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 29 نوفمبر 201703:56 م
مع إطلاق كل هاتف جديد، يسرع الكثيرون إلى الأسواق لتفقده، بعضهم يطمح للحصول عليه أولاً واختباره، وآخرون هدفهم التباهي، ومجموعة ثالثة تودّ تحطيمه وتوثيق اللحظة. سنوات مرت منذ استخدامنا الهاتف الذكي المحمول الأول، من منا ينسى "البلاكبيري" الذي حوّلنا من مراهقين يمكلون قائمة قصيرة للتواصل، إلى مراهقين ينسقون مواعيد دراستهم وامتحاناتهم عبر الشاشة الزرقاء. وعند انتقالنا من حياة المراهقة إلى الجامعة، تنوعت الهواتف، وكثُرت تنبيهات رسائلنا الإلكترونية التي دفعتنا في مرحلة معينة إلى الشعور بأننا مرغوبون. وضع الهاتف الذكي على خاصية الصامت يكون مؤلماً أحياناً، فتفقده بات هواية وعادة. علاقتنا بالتكنولوجيا تشبه - إلى حد ما - علاقاتنا العاطفية، ندخلها وكأنها مغامرة لا نخشى نتائجها، نستثمر بها لأنها اليوم أولوية ولأنها تشعرنا بأننا مميزون. علاقاتنا الغرامية مع التكنولوجيا وعدتنا بكل شيء، بحسب الكاتب ديفيد ساكس الذي يقول: "وُعدنا بأصدقاء أكثر، بحياة اجتماعية سحرية، بالمال، بالديمقراطية والحرية، وعدنا بالموسيقى المجانية وبالتسوق من منزلنا. التكنولوجيا، تُضحكنا بدقيقة، وهي حفلة مستمرة متاحة بكسبة واحدة".

هل وقعنا في فخ "عالم الديجيتال"؟

اعتقد كثيرون، ومنهم كاتبة هذه السطور، أن التكنولوجيا وعالمها الواسع كفيلان بتحسين كل شيء، استسلمنا للفكرة، إيماناً منا بأن تعلقنا بالتكنولوجيا هو "علاقة رومنسية" متكاملة، اختصرت المسافات. بالتأكيد للتكنولوجيا إيجابياتها، ولكن يرافقها كمّ كبير من التحديات: الهاتف الذي كنا نتشوق لتفقده من قبل، ونبتسم عند سماع رنته، بات غالباً مصدر قلق دائم. لماذا؟ لأننا غير قادرين على الاختفاء او الانعزال بهدف الراحة، الأخبار والتطورات والألعاب الإلكترونية ويوميات الآخرين تلاحقنا حتى السرير. تجمع المستخدم مع التكنولوجيا اليوم علاقة تفتقد الكثير من الثقة، مع انتشار الكتب المحذرة من خطر التكنولوجيا التي باتت تتحكم بحياتنا على الرغم من إيجابياتها، فقد أحكمت السيطرة على مختلف الأجيال، وهو أمر عززه انتشار شبكات التواصل أيضاً. بحسب دراسة حديثة نشرها مركز PEW للدراسات: 70% من الأمريكيين قلقون من فكرة استبدال اليد العاملة بآلات حديثة. وبحسب دراسة نشرها موقع Quartz، تثق نسبة 21% ثقة عمياء بمنصة فيسبوك، من خلال مشاركة الكثير من المعلومات الشخصية مع الموقع. ويقلق نصف المنتمين إلى الجيل الجديد من الآثار السلبية لوسائل الإعلام الاجتماعية على صحتهم العقلية والبدنية، وفقاً للجمعية الأمريكية للطب النفسي.
علاقاتنا الغرامية مع التكنولوجيا وعدتنا بكل شيء، وعدتنا بأصدقاء أكثر، بحياة اجتماعية سحرية، بالديمقراطية والحرية... ولكن
حتى خبراء التكنولوجيا وأهلها بحاجة إلى فسحة تقليدية وورقة وقلم أحياناً

ما الحل إذاً؟

يمكن للمستخدم أن يرغب في إلغاء حساباته على شبكات التواصل والتوقف عن استخدام التكنولوجيا، ولكنه لن يفعل ذلك بالتأكيد لأن الأخيرة باتت جزءاً لا يتجزأ من يومياتنا، لن يستغني أي مستخدم عن هاتفه ولكن بإمكانه في المقابل إعادة "ترشيد استخدام التكنولوجيا" إن أراد ذلك. البحث عن التوازن بات ضرورياً بين علاقة المستخدم بكل من شبكات التواصل والتكنولوجيا. والطريق إلى ذلك التوازن أصبح ممهداً من خلال الأرقام التي كشفتها الإحصاءات الأخيرة انطلاقاً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العالم. بحسب رابطة الناشرين الأمريكيين، يميل المستخدم الأمريكي اليوم إلى قراءة الكتب الورقية، ويفضل شراءها أيضاً. نسبة مبيعات الكتب الورقية مستمرة بالارتفاع للسنة الثالثة على التوالي، في حين تشهد مبيعات الكتب الإلكترونية انخفاضاً ملحوظاً. موجة "النوستالجيا" التي انطلقت كموضة منذ سنوات، عبر لجوء البعض إلى شراء كاميرات قديمة أو كتب شبه مهترئة أو حتى اسطوانات موسيقية قديمة ودفاتر ورقية للملاحظات باتت تشهد اليوم أيضاً إقبالاً ملحوظاً واهتماماً كبيراً. والواقع أن الامر قد لا يتعدى الهواية للبعض، إلا أنه، بحسب الرابطة، روتين جديد بالنسبة لآخرين الذين يعمدون إلى محاولة التخفيف من استهلاك كل ما هو مرتبط بعالم الشبكة العنكبوتية والعودة إلى "الزمن الجميل". المهتمون باستخدام الأدوات المذكورة ليسوا من هواة جمع الأغراض القديمة، بل عدد كبير منهم من الجيل الجديد بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" التي ذكرت أيضاً أن الجيل نفسه يبدو مهتماً اليوم بحضور مسرحيات برودواي التقليدية ولعب "المنوبولي" مثلاً. كما تؤكد الصحيفة أن عدد من المهتمين بالروتين الجديد المذكور هم موظفون في شركات تكنولوجيا عملاقة، مراكزها في منطقة سيليكون فالي، مركز أكبر التجمعات التكنولوجية في الولايات المتحدة. حتى خبراء التكنولوجيا وأهلها بحاجة إلى فسحة تقليدية وورقة وقلم أحياناً.

ورقة وقلم وخربشات

على الرغم من كون تلك البدائل مكلفة بعض الشيء، فإنها تؤمن تجربة مميزة بحسب الكاتب دايفيد ساكس الذي يقول إن لا بديل عن تجربة قراءة كتاب ورقي لأنها تحفز الحواس، وخاصة حاستي اللمس والشم، وهي تجربة يصعب اختبارها عند قراءة كتاب إلكتروني. برأي الكاتب، جيل اليوم في صدد البحث عن التميز ولذلك قد تجذب هذه الأساليب التقليدية جزءاً منه. تجربة قراءة الكتاب مميزة أيضاً بالنسبة للكاتب لأنه ملموس ويمكن تبادله، وبيعه وشراؤه، وعرضه في المنزل أو حتى توضيبه وحفظه، تكون له بذلك قيمة معنوية لا يشعرك بها أي كتاب رقمي. ويكمل الكاتب ليناقش أيضاً أهمية الكتابة على دفتر تقليدي فيقول: "على الرغم من كون حجم الصفحة محدود على الدفتر، فما يمكننا أن نكتبه على تلك الصفحة خاص بنا، ندونه بحرية، من دون أن تتحكم بنا أي آلة، يتميز بالخط وبالأخطاء الإملائية أحياناً أيضاً، وهو ما يجعل من ملاحظاتنا ملأى بالحياة وتمثل حالتنا الذهنية والاجتماعية في لحظة كتابتها". قد يكون من المفيد الرجوع إلى تلك الملاحظات لاحقاً بحسب الكاتب، لتبيان ما كنا نشعر به لحظة تدوينها. في عالم مقيد بالبريد الإلكتروني والدردشات الجماعية والرسائل، قد يجد الإنسان نفسه عاجزاً عن خلق أي شيء جديد، وقد يلجأ إلى البحث عن طرق جديدة للإبداع. الأمر مشترك، يطلب "غوغل" من مصمميه على سبيل المثال أن يبدأوا بخربشة أفكارهم باستخدام ورقة وقلم، كخطوة أولى لمناقشة الأفكار، قبل الانتقال إلى تقنيات التطبيق والتصميم الحديث والتي لا غنى عنها بالنسبة لـ"غوغل" مثلاً. بالإضافة إلى ذلك، تشجع الوسائل التقليدية التفاعل البشري، وهو أمر ضروري وصحي لراحتنا الجسدية والعقلية. نحن غير مضطرين إلى الاختيار، بل المفتاح يكمن في التوازن أو محاولة إيجاد التوازن، بين ما نحتاج إليه من التكنولوجيا وشبكات التواصل، وما يمكننا الاستغناء عنه، ولو مؤقتاً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard