شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل أنتم من الأشخاص الذين يتحدّثون مع أنفسهم بصوتٍ مرتفع؟

هل أنتم من الأشخاص الذين يتحدّثون مع أنفسهم بصوتٍ مرتفع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 نوفمبر 201705:11 م
عند الإشارة الحمراء، توقف بالقرب مني، التفت نحوي وبدأ يتفوه بكلمات غير مفهومة ويحرك يديه يميناً ويساراً، فتحت زجاج السيارة لمحاولة فهم ما يقوله، غير أن ارتباكه المفاجىء جعلني أدرك أنه لم يكن يتحدث معي بل كان يكلّم نفسه. علماً أن التحدث مع أنفسنا بصوت مرتفع أمر شائع يحصل مع كلٍ منا، ففي الكثير من الأحيان، نقف قبالة المرآة ونتغزل بأنفسنا: "ما هذا الجمال؟" أو نعاتبها: "كم يبدو عليك التعب. ارحم نفسك" وقد يصل بنا الأمر الى توبيخ ذاتنا والتكلم بصوت الضمير:"انهض، بلا كسل". في حين أن البعض يعتبر أن التحدث مع الذات نوع من أنواع "الفصام" والجنون، فإن البعض الآخر يجد أن هذا التصرف طبيعي لا بل خطوة إيجابية تحمل الكثير من الفوائد. via GIPHY ما هو سر التحدث إلى النفس بصوت عالٍ؟ هل هو مؤشر على الاضطرابات النفسية؟ وما رأي علم النفس بذلك؟

جنون وفصام؟

في السوبرماركات، في العمل، في البيت، في السيارة. يجد بعض الأشخاص "لذة حقيقية" حين يتحدثون مع أنفسهم عن أمور تخص حياتهم الشخصية أو مشاريعهم المستقبلية، إلا أن "المصيبة" تقع عندما يسمعهم أحد ويتهمهم بالجنون: "هل جننت وأصبحت تحكي حالك!"، عندئذ يشعر بالحرج ويعيش صراعاً نفسياً قد يدفعه إلى الاعتقاد بأنه "يهلوس" بالفعل. ولكن هل يعتبر الكلام مع النفس أمراً مقلقاً وخطيراً يستوجب الذهاب الى معالج نفسي؟ للوهلة الأولى، قد يبدو الحديث مع الذات بصوت مرتفع ضرباً من الجنون، ولكن أظهرت بضعة أبحاث أن الـself-talk لا علاقة له بأي مرض عقلي ولا بالاضطرابات النفسية ما دام ضمن حدوده الطبيعية والمنطقية. وهو أمر تؤكده الأخصائية في علم النفس "سارة حبوش"، بالقول: " التوازن هو أساس كل شيء في الحياة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خلل نفسي إذا لم يكن هناك مؤشرات حسية تدلّ على ذلك". وتشير "سارة" إلى أن الـself-talk هو نسبي وأسبابه تختلف من شخص الى آخر: "تشجيع الذات وتحفيز النفس والتقدم إلى الأمام". via GIPHY تؤكد "حبوش" أنه لا يمكن تصنيف التحدث مع الذات بالمرض النفسي، مشيرةً الى أن هناك اختلافاً كبيراً بين مرض الفصام والتحدث مع النفس، لأن الشخص الذي يعاني من الفصام يسمع أصواتاً غريبة، إنه "نوع من أنواع الهلوسة"، في حين أن الشخص الذي يتحدث مع نفسه هو شخص سليم عقلياً إنما قد يحتاج الى سماع صوته من أجل تحسين أدائه والتركيز على المهمات المطلوبة منه. إن ذلك خطوة إيجابية لتحسين النفس.

تحفيز الذاكرة

على ما يبدو أن الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم بصوت مرتفع ينتسبون الى فئة العباقرة، لأن معظم الذين عرفوا بذكائهم الحاد اتّضح أنهم كانوا يتحدثون مع أنفسهم بصوت مرتفع، على غرار "البرت أينشتاين" الذي كان معتاداً إعادة الجمل بصوت مرتفع وبطريقة هادئة. وقد سلّطت دراسة نشرت في مجلة "كوارتيلي لعلم النفس التجريبي" الضوء على العلاقة بين التحدث مع النفس والقدرة على التفكير بشكل أفضل. وطلب الباحثون من 20 شخصاً البحث عن منتج معيّن في السوبرماركت، وانقسم المشتركون إلى فئتين: فئة تبحث بصمت وفئة تكرر إسم الغرض بصوت مرتفع. النتيجة: عندما تحدث الأشخاص مع أنفسهم بصوت مرتفع ورددوا إسم الغرض في العلن نجحوا في العثور عليه بطريقة أسرع من غيرهم. وعلّق الباحث غاري لوبيان على هذه الدراسة بالقول: "إذا كنتم تبحثون مثلاً عن موزة وتعرفون مسبقاً شكلها ولونها، فإن تكرار كلمة "موزة" بصوت مرتفع سوف يمكنكم من تفعيل القدرات البصرية الخاصة بالدماغ وبالتالي تصبح عملية العثور على الموز أسرع".

تفريغ الطاقات السلبية

بالرغم من أننا نعيش في عالم زاخر بالضجيج، هناك فئة كبيرة من الناس تعاني من الصمت القاتل في حياتها بسبب الوحدة أو نتيجة العيش مع أشخاص منغلقين على أنفسهم. تقول الباحثة ليندا سابادين:"بامكانكم دوماً تشغيل التلفاز والراديو، ولكن ماذا يحصل لو كنتم تريدون التحدث مع شخص حيّ؟ عندما تشعرون بالوحدة فإنكم ستعطون أهمية قصوى لشخص مميز يقف دوماً إلى جانبكم، وهذا الشخص هو: أنتم. via GIPHY وانطلاقاً من ذلك، تحثّ "سابادين" جميع الأشخاص على التحدث مع أنفسهم بصوت مرتفع، لأن ذلك يساعدهم على تنظيم أفكارهم واتخاذ خطوة إلى الوراء من أجل التفكير بوضوح والإقدام على الخطوات الجيدة:"مخاطبة النفس تساعد على توضيح الأفكار وتحديد الأولويات واتخاذ القرارات المناسبة". بدورها تشجع طبيبة النفس السابقة "آن ويلسون شيف" الأشخاص على التحدث مع أنفسهم بصوت مرتفع، ليس من باب تحفيز الذاكرة فقط إنما لتحسين مزاجهم وتغيير طريقة تفكيرهم، مشيرةً إلى أن الشخص الغاضب مثلاً حين يقوم بمحاسبة نفسه بصوت عالٍ يشعر بالراحة النفسية وبالتالي إن موجة الغضب ستزول:" نحتاج جميعاً للتحدث إلى شخص يهتم بما نقول ، شخص ذكي يعرفنا جيداً ويدعمنا، ولا يوجد أفضل من أنفسنا للقيام بهذا الدور، فنحن نعرف أنفسنا جيداً ونعرف حقيقة شعورنا، وهو ما يمكن أن يساعدنا على تحسين أحوالنا". في الواقع يدخل الـself-talk في عملية تحفيز الذات وزيادة "جرعة" الثقة بالنفس، فعندما نتابع المسابقات الرياضية نلاحظ أن بعض اللاعبين يلجؤون الى مخاطبة أنفسهم بصوت مرتفع خاصة عند اللحظات الحاسمة، فيصرخون ويشجعون أنفسهم بالقول: "هيا! بإمكانك القيام بذلك!". ولكن ما الذي يدفع هؤلاء الرياضيين الى التحدث مع أنفسهم أمام الملايين من المشاهدين؟ أوضح موقع "ذو كونفيرسيشن" أن التحدث مع النفس بصوت مرتفع وسيلة فعالة لزيادة الثقة بالنفس وتحفيز القدرات الشخصية، خاصة أثناء المباريات الرياضية. وقد لاحظ اللاعب أندريه أغاسي هذا الأمر، إذ قال:" في رياضة كرة المضرب تكثر الثرثرة مع الذات بشكل كبير". وعن السبب الكامن وراء هذه الظاهرة، خاصة لدى لاعبي التنس، يقول المدرب النفسي "ماكيس شاماليديس" الذي عمل لسنوات مع الاتحاد الفرنسي للتنس:" بعد كل نقطة، هناك 20 إلى 25 ثانية من الفراغ، وبالتالي من الطبيعي التحدث إلى نفسك. لديك الكثير من الأمور للتعامل معها. تحتاج إلى تحليل ما حصل والتخلص من طاقاتك السلبية". وعليه، يمكن القول إن مخاطبة النفس فيها الكثير من الفوائد خاصة لناحية تعزيز الثقة بالنفس والتركيز على المهمات بصورة أفضل، ولعلّ سلوك الأطفال هو خير مثال على ذلك، فالطفل يفكر دوماً بصوت مرتفع خاصة أثناء اللعب أو عند القيام بعمل يتطلب التركيز، وهذا السلوك يرافقه حتى مرحلة البلوغ إذ تصبح الاستحقاقات أكبر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard