شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
جحشويه وأنف الكلب وابن الخروف والمنتوف والبارد: ألقاب عرف بها شعراؤنا الأوائل

جحشويه وأنف الكلب وابن الخروف والمنتوف والبارد: ألقاب عرف بها شعراؤنا الأوائل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 1 ديسمبر 201712:01 م

امتازت الثقافة العربية الإسلامية بدور الشعراء والأدباء في الحياة العامة، فسجلت صفحات تراثنا الأدبي بين طياتها جانباً كبيراً من سيرتهم، بما فيها علاقاتهم الاجتماعية وسلوكياتهم الحياتية.

منهم من اشتهر حتى أيامنا هذه بألقاب حيوانية، ومنهم من عُرف بألقاب داعبت جوانب من أشعارهم أو صفاتهم الجسدية أو أوضاعهم الحياتية بطريقة ساخرة، ولعلها نافذة على مجتمع ازدهرت فيه أشكال الفنون والآداب، وسمحت بفضل تنوعها، ببروز جانب فكاهي، في الشخصيات والمواقف والأشعار، وكذلك الألقاب.

الألقاب والأسماء

الألقاب، كانت قديماً ثلاثة أنواع، ألقاب تشريفية، مثل الفاضل والأفضل والصالح والواثق، أو منها ما ارتبط بحدث مشرّف، كـ"ذات النطاقين"؛ وألقاب توصيفية، مثل الجاحظ، والأعشى، والأعمش؛ أو تعريفية مثل الأزدي والشامي والقرطبي، وألقاب تسخيفية: ويراد بها الدعابة والسخرية من صاحبها وهو موضوع المقال. يذكر الذهبي في كتابه "ذات النقاب في الألقاب" أن الألقاب قد شغلت دوراً هاماً وكبيراً في نظر العرب فتفننوا في ابتكارها، وعرفوا بها في مجالسهم الأدبية وحلقاتهم العلمية، ولم يكتفوا بإطلاقها على الرجال والنساء، وإنما توسعوا في ذلك فأطلقوها على الخيول والرماح والسيوف، ووضعوا لها المسميات المميزة.

شعراء حملوا ألقاب حيوانية واشتهروا بها

انتشرت ظاهرة الألقاب في المجتمع العربي منذ القدم، لسببين: شغف العرب منذ العصر الجاهلي بحمل الألقاب والكنى، وظل العرب لعهود طويلة ملتزمين بحمل اللقب الذي اشتهروا به بين الناس، وكذلك تشابه الأسماء وتكرارها في المكان الواحد والأسرة الواحدة. وفي بعض الأحيان كانت تمنح الألقاب لظروف أو أحداث مر بها الشخص، أو بيت شعر قاله، ولأن العرب اشتهروا بالهجاء والعيارات وهو فن أصيل لديهم، راجت الألقاب وانتشرت في آدابهم ومجالسهم وأشعارهم مثل لقب "علقمة الفحل"، و"تأبط شراً"، وهنا تستعرض المقالة أمثلة عنها.

ابن الحمارة، تلميذ ابن باجة ومن أشهر موسيقيي الأندلس

منح التاريخ هذا اللقب الغريب لرجل موهوب صاحب شخصية فذة، برع في الموسيقى والشعر، وكان من المهتمين بالفلسفة، تتلمذ على يد الفيلسوف الأندلسي الشهير ابن باجة، هو أبو عامر محمد بن الحمارة الغرناطي؟ كما عرف عن ابن الحمارة أنه تولى الوزارة، ووردت سيرته في كتاب "المغرب في حلى المغرب" لابن سعيد، وذكره المقري في "نفخ الطيب"، وغيرهما. ولم تذكر كتب التراث سنة مولده ووفاته، ولم توضح سرّ تلقيبه بهذا اللقب الغريب، ولكن قيل بأن شعره تميّز بالعذوبة والسلاسة ورقة القافية، ولكن أكثر ما اشتهر عنه أنه برع في علم الألحان، وكان يقال بأنه كان يقطع العود بيده، ثم يصنع منه عوداً للغناء، وينظم الشعر، ويلحنه، ويغني به، ومن أشعاره في رثاء زوجته: ولما أنْ حللت الترب قلنا    لقد ضلّت مواقعها النجوم ألا يا زهرة ذبلت سريعاً    أضنّ المـزن أم ركد النسيم والمزن هو المطر.

ابن خروف، النحوي الشهير الذي وضع شرحاً لكتاب سيبويه

بحسب ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، هو علي بن محمد بن علي بن محمد الأندلسي الإشبيلي، أحد مشاهير النحاة في عصره، وقد وضع شرحاً لكتاب سيبويه، درس في الأندلس ومصر وحلب، توفي سنة 609هـ، ذكره ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وابن الشعار في كتابه "عقود الجمان". عرف ابن خروف في زمانه بنظام الدين، ويكنى أبو الحسن وأعطاه التاريخ لقب ابن خروف أو ابن خروف النحوي، واشتهر به بين الناس حتى عصرنا هذا. توضح لنا كتب التراث أن ابن خروف كان يحبّ هذا اللقب، وقد اتخذ منه مادة للفكاهة يتندر بها ليدفع عن نفسه ما قد يضمره جلساؤه من سخرية، وجاء في شعره ما يدل على توظيفه لهذا اللقلب. فورد في قصة أن صديقه نجم الدين بن اللهيب دعاه يوماً إلى طعام، فاعتذر مبرراً أنّ أباه (خروف) وأبا صديقه (اللهيب)، فلو لبى دعوة صديقه لاحترق الخروف في اللهيب حتى تتم (الطبخة)، فيقول في شعره: دعاني ابن اللهيــب     دعـاء غير نبيـه إن سـرت يومـاً إليه    فوالدي في أبيه وتذكر كتب الطبقات أن ابن خروف كان مثلياً، حيث كان يعشق فتى جميل الطلعة، أدين في قضية فحبسه قاضي القضاة، فكتب ابن خروف أبياتاً إلى القاضي يوضح فيها ان هذا الفتى الوسيم يقتل عشاقه بجماله دون عقوبة، فكيف يحبسه القاضي من أجل دراهم معدودة، وتبالغ كتب الطبقات في ذكر غرام ابن خروف بهذا الفتي فيقول مخاطباً القاضي: أقاضي المسلمين حكمت حكماً    أتى وجه الزمان به عبوساً حبست على الدراهم ذا جمال    ولم تحبسه إذ سلب النفوساً ولكن لايخفى على أحد أنّ الأخبار التي تصاحب الأشعار غالباً ما تضع سياقات إضافية لتضفي على الأشعار صبغة معينة، لا ترتبط بالضرورة بتواريخها.

أبو العجل، المضحك خفيف الظل الذي اتخذ من الحماقة وسيلة للعيش

لم تذكر كتب التراث وكتب الطبقات الاسم الحقيقي لأبي العجل، ولم تذكر سبب منحه هذا اللقب، وإنما اكتفت بإيراد أشعاره تحت هذا اللقب، ويوضح ابن المعتز في كتابه "طبقات الشعراء" أن أبو العجل كان ينحو نحو أبي العبر وأبي دلامة وغيرهما ممن يتحامقون ويتخذون من هذه الحماقة المصطنعة وسيلة للعيش والارتزاق. وأشعار أبي العجل رقيقة، خفيفة الظل، تدل على روح مرحة بلا تكلف. وذكر محمد بن حبيب، في كتابه، "أخبار الشعراء وطبقاتهم"، القصة التالية: "يحدثني أبو العجل أنه تزوج امرأة بحران، فولدت بعد أربعين يوماً فقال لها، 'يا هذه قد كذب من يزعم أن المرأة تلد لتسعة أشهر'، فقالت، 'وكيف ذلك؟' قال لها، 'لأنك ولدت لأربعين يوماً'، قالت له، 'ليس كما ظننت، فقال وكيف ذلك؟ قالت: بنيت جدارك على أساس غيرك'". لم يصلنا من أشعاره إلا القليل، كتب عنه إبراهيم النجار في كتابه "شعراء عباسيون منسيون".

أنف الكلب، الشاعر العراقي

خطاب بن المعلى الليثي، شاعر من أهل البصرة هاجر إلى مصر واشتهر بلقب "أنف الكلب" بين أهل مصر، ذكره الصفدي في كتابه "الوافي بالوفيات"، ولكن الصفدي لم يذكر سبب منحه هذا اللقب الذي يعتبر من أسوأ الألقاب على مر العصور. وروي أنه لما جاء إلى مصر، مدح واليها، ولكن الوالي لم يرقه مديحه ولم يعطه مقابل لذلك، فقال أنف الكلب إن للوالي نسباً شريفاً، فما أجمل أن يزيده جمالاً بسماحة الكرم، أي بصرف هدية له مقابل شعره، فيقول: لعلي بن صالح بن علي نسب لو يزينه بالسماح

جحشويه، الشاعر الماجن الشهير

جحشويه شاعر من العصر العباسي، وردت سيرته في الطبعة الثالثة من كتاب طبقات الشعراء لابن المعتز تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، ولم يذكر سبب منحه هذا اللقب. وذكر أنه كان سيئ السلوك، بذيء الهجاء والقول. وقد يكون من الشعراء الذين ظلمتهم ألقابهم، وهم كثر، ولكن كما يبدو من أخباره، كما يكتب ابن المعتز، أنه كان "ينسب نفسه إلى البغاء" من باب التملح، "على غير حقيقة"، كما يشير ابن المتعز، فكان من السائد عند عدد من الشعراء يصفون أنفسهم بضد ما هم عيله، وهنا مثال من أشعاره: أحسن من جارية دعجاء    معدودة خمصانة فرعاء ذات وشاح طفلة بيصاء    ومن عثقار مزجت بماء ومن وقوف الرجل البكاء    في منزل أقفر من قباء أير الغلام الأمرد السقاء    ذي القربة الحلوة والقباء يختال في قطيفة حمراء    بفيشة كالهامة الصلعاء كأنها الجمر من الجماء وقال بن المعتز في نهاية كلامه عنه أن جحشويه من المجيدين المشهورين. وقد اشتهرت ألقاب الشعراء منذ العصر الجاهلي أكثر من انتشار اسمائهم والدليل على ذلك تداولها بين المؤرخين والحفاظ والأدباء ومن أمثلتهم النابغة الذبياني، والأعشى القيسي، والهمداني، والأقشر، والأعصر، والحطيئة، ولكن من الواضح أن تلك الألقاب تشريفية لا تسيء إلى أصحابها، ولكن هناك ألقاب يراد بها التقليل من شأن صاحبها أو الفكاهة، أو التدليل على صفة في حياتهم أو أخبارهم، وهنا بعضها: الوازن: موفق الدين عبد الله ابن عمر بن نصر الله الأنصاري، الأديب والطبيب. يذكر أنه عاش في بعلبك مدة، ووردت سيرته عند الذهبي في تاريخ الإسلام، والمقريزي في السلوك، وابن تغري في "النجوم الزاهرة"، والصفدي في "الوافي بالوفيات"، ولكن لم يذكروا سبب تسميته بهذا الاسم. بحسب الصفدي أنه: "كان قادراً على النظم، وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه، وكان حلو النادرة، لا تمل مجالسته أقام ببعلبك مدة، وخمّس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي عليه السلام ، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة". من أشعاره: وقفت علـى دار النبــي مـحـمـد    فألفيتـــها قد أقفــرت عـرصاتها وأمسـت خـــلاء مـن تـلاوة قـارئ    وعطــل فيــها صومـها وصــلاتها فأقوت من السادات من آل هاشم    ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتي    على فقدهم ما تنقضي زفراتها السميسر، أبو القاسم خلف بن فرج الألبيري، ذكره ابن سعيد في "المغرب في حلي المغرب" وابن بسام في "الذخيرة"، وذكروا أنه اشتهر بكثرة حبه للطعام، فهل كان ذلك سبباً وراء تسميته بهذا اللقب؟ من أشعاره في رثاء مدينة الزهراء الأندلسية: وقفت بالزهراء مستعبراً   معــتبراً أنـدب أشـتاتــا فقلت يا زهرا ألا فراجعي   قالت وهل يرجع من ماتا فلم أزل أبكي وأبكي بها   هيهات يغني الدمع هيهاتا                                                                 كأنما آثار من قد مضى   نــوادب يــنــدبن أمــواتا  أمّا البـارد، فهو أبو تمام عبد الواحد بن الحسين بن محمد الدباس ذكره بن البخار في كتاب "ذيل تاريخ بغداد" والصفدي في "الوافي بالوفيات"، وذكروا أنه كان يستغل هذا اللقب ولا يخجل منه. وفي ما كتب عنه، أن جلال الدين بن صدقة الذي كان وزيراً أوقاضياً، احتجب عن الناس بعض الوقت، وجاء البارد يزوره فلم يؤذن له، فألح في الدخول عليه مستغلاً لقبه، ومن الممكن أن يكون قد حمل هذا اللقب بسبب مواقفه وتصرفاته العنيدة. البطين، هو لقب منح لأبو الوليد بن أمية البجلي شاعر حمصي، ذكره الأصفهاني في "كتاب الأغاني"، وياقوت الحموي في "معجم الأدباء، وابن المعتز في كتاب "الطبقات"، وذكروا أنه كان من أطول الناس في عصره، وأنه كان "يرعب" من رآه لطوله وقبح وجهه، وقال ابن المعتز عنه "وكان إذا أقبل لا يشك من يراه أنه شيطان، حتى يحاوره فيصيب منه آدب الناس وأفصحهم". المثقال، عبد الوهاب بن محمد الأزدي شاعر مجيد للشعر ذكرته كتب عدة منها "مسالك الأبصار" و"الوافي بالوفيات" و"معاهد التنصيص"، وقال عنه ابن رشيق في "أنموذج الزمان في شعراء القيروان"، أنه كان شاعراً مطبوعاً سهل القافية خبيث اللسان في الهجاء. وهو شاعر ماجن لا يمدح أحداً، وكان "يعشق غلاماً نصرانياً خمّاراً"، ولكن يبدو أنّ هذا التفصيل هو بمثابة "توبوس" أي فكرة تتكرر وتلازمها دلالات معينة دون أن تكون تعبيراً دقيقاً عن الواقع. المنتوف، أبو الجراح عبد الله بن عياش الهمداني الكوفي، وردت ترجمته في كتب "تاريخ الإسلام، و"العبر" و"ميزان الاعتدال"، و"لسان الميزان" وذكروا أنه كان أبرص وينتف لحيته وهذا سبب منحه هذا اللقب. ونتختتم بلقب حافي رأسه، وقد منح لمحيي الدين محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر، أحد النحاة الثلاثة الأشهر في عصره، تتلمذ على يديه كثير من النحاة، وقيل أن اللقب جاء بسبب شيء يشبه الحفرة كان في رأسه، وقيل لأنه كان في أول أمره "مكشوف" الرأس، وقيل كذلك أنها بسبب قصة، وهي أن أحدهم وجده فأعطاه ثياباً جديدة، فقال: 'هذا لبدني، ورأسي حافٍ؟'، فأمر له بعمامة فلزمه ذلك اللقب الطريف. المصادر: ذات النقاب في الألقاب، الذهبي؛ صفحات مجهولة من تراثنا الشعري الفكاهي: شخصيات ومواقف، رجب، مصطفى؛ معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار؛ طبقات الشعراء، ابن المعتز؛ كتاب الوافي بالوفيات، الصفدي؛ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري؛ وفيات الأعيان، ابن خلكان؛ "التاريخ حفظ ألقاب الشعراء أكثر من أسمائهم"، منصور العساف؛ كتاب "أعلام العرب في العلوم و الفنون"، عبد الصاحب الدجيلي؛ "شعر السميسر أبي القاسم خلف بن فرج الإلبيري 480هـ"، جمع ودراسة محمود محمد العامودي (غزة). 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard