شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحلام ضائعة... هل أضعتم يوماً أحلامكم؟

أحلام ضائعة... هل أضعتم يوماً أحلامكم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 29 أكتوبر 201710:53 ص
تفترش سريرها على إحدى الغيمات، تنسج حلماً من خيال، فتعيش ما عجزت عن تحقيقه في الواقع. تراودها تلك الأحلام التي تأتينا في عالم النوم، تسرح، حتى تصبح عيناها في مكان وعقلها في مكان آخر، فتغمرها السعادة. في كل مرة، كانت تحلم فيها، تشطح بأفكارها، تعيش قصة جديدة قد تنجح في فك بعض الألغاز المستعصية والشائكة "ماذا لو كنت في فينيسيا أقضي إجازتي بدلاً من هذا الحر! أوه صحيح أنا هنا، مقيدة بعملي وبحقيقة أني لا أملك سنتاً واحداً في حسابي المصرفي". قد يزيل ذلك الحلم السريع همها ويشعرها للحظات بالفرح، لا سيما وقت الفراغ المحدود. تحاول الهرب من واقعها إلى عالم تختاره ليس فيه قيود أو حدود، بعيداً عن مشكلاتها النفسية وحالات التخبط التي تمر فيها، فتحقق رغبات مادية واجتماعية بعيدة المنال. اليوم، اختلف كل شيء، منذ بدأت تفقد أحلامها التي غادرتها قبل فترة ليست ببعيدة. في بادىء الأمر، شعرت بغياب الدافع للاستغراق في أحلام اليقظة، سيطر عقلها وثار على ما يعتبره أفكاراً عبثية لن تتحقق أبداً "إنها مضيعة للوقت. إبحثي عن شيء أفضل تقومين به. أعيدي ترتيب أوراقك على المكتب، أو ما رأيك في مهمة مسلية كتنظيف النوافذ، لقد علاها الغبار". تستغرب وصولها إلى هذه المرحلة من الواقعية، لا تريد أن تسميها يأساً، ربما لأنها اعتادت تراتبية الأيام، بتفاصيلها، بحلوها ومرها ومشاكلها، لا سيما أنها كانت تعيش رتابة الأشياء ومللها في الفترة الماضية من دون أن تفكر فيها مباشرة، لدرجة لم تلحظ أنها توقفت عن أن تحلم كما اعتادت. تسأل نفسها هل هي حالة مؤقتة أم جزء من سلة أكبر تأتي مجتمعة من الأزمات الداخلية أم مسألة أساسية تتصل بتحول شخصيتها؟ ولكن عبثاً تفكر من دون جدوى. هنا تلجأ إلى أصدقائها، تتردد قليلاً ثم تطرح المسألة للنقاش، تختار الطريقة الأسهل، وهي الكتابة عبر تشات. أصدقاؤها لا يجيبون بصراحة. كل ما هنالك أن الأصدقاء يحاولون التخفيف بعضهم عن بعض ليس أكثر، أو ربما اعتادوا قول كلمات تروقها كي لا تشعر باستياء أكبر، إنهم ليسوا كاذبين بل يحاولون أن يتصرفوا كأصدقاء جيدين.
هل تستعيد يوماً ما أحلامها، أم أن واقعيتها قد انتزعت تلك القدرة؟
من يبالي برحلتك الوهمية إلى فينيسيا بينما كثير من الأشخاص يبحثون عن لقمة عيش ومسكن؟
في الحقيقة، ثمة رابط قوي بين مغادرة الأحلام وتبلور شخصية جديدة أكثر واقعية وربما مختلفة عن شخصيتها. كما يقال إن الباحثين صاغوا اكتشافاتهم في أحلام اليقظة، وقالوا إنها استجابات بديلة للاستجابات الواقعية ووسيلة لإشباع دوافع الفرد جزئياً عن طريق الخيال، ليستكملها لاحقاً بتحويلها إلى إبداع في الواقع. ولهذا غالبية الاختراعات كانت خيالاً علمياً في بادىء الأمر. ففي عالم افتراضي، قد تتحول الأفكار إلى طاقة إنتاجية من دون أن تستهلك طاقة الإنسان النفسية. وهنا الخيط الرفيع الفاصل بين إدراك الحالم لكيفية الاستفادة من إلهامه كي يبدع بدل أن يعوم في أفكاره لوقت طويل من دون أن يسعى لتحقيقها في الواقع. فإن غرق فيها إلى حد فاق المقبول والمعقول فإنه يعيش حالة مرضية ليس فيها استقرار نفسي، يصبح بموجبها عاجزاً عن الفصل بين الواقع والخيال فتتبدد قدراته الإنتاجية. لذا، هل تستعيد يوماً ما أحلامها، أم أن واقعيتها قد انتزعت تلك القدرة، أو ربما أخطأت حين غاصت كثيراً فيها؟ لا أدري! قلت لها ذلك بصراحة فجة لأني لم أكن في مزاج يسمح لي بمجاملة أحد عندما سألتني. "ليس مهماً أن نلاحق أدق التفاصيل فينا، وأن نوليها كل هذا الاهتمام، من يبالي برحلتك الوهمية إلى فينيسيا بينما كثير من الأشخاص يبحثون عن لقمة عيش ومسكن يؤويهم. هنالك أشياء تحدث ليس بسبب أمر محدد إنما تأتي وتذهب هكذا في لمح البصر".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard