شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مظلة إلكترونية فوق الكعبة: وكيف لرحمة الله أن تنحدر من السماوات يتساءل البعض

مظلة إلكترونية فوق الكعبة: وكيف لرحمة الله أن تنحدر من السماوات يتساءل البعض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 26 أكتوبر 201705:28 م
تعتزم المملكة العربية السعودية بناء سقف قابل للطيّ فوق الكعبة. وهذا ما أثار موجة غضب واستياء العديد من المسلمين الذين رأوا أن هذه التعديلات "تنسف" الطابع التاريخي وتدمر روحانية أحد أكثر الأماكن قدسيةً في العالم. ما الغرض من هذا المشروع؟ وهل يسيء حقاً لصورة الكعبة؟

مشروع المظلة

في الوقت الذي لم يصدر فيه أي إعلان رسمي من السلطات السعودية ووسط تكتم محافظة مكة المكرمة عن "مشروع المظلة"، نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية فيديو من قبل مؤسسة الأبحاث للتراث الإسلامي، يكشف عن نموذج مصغر لشكل السقف الذي من المرجح أن يوضع فوق الكعبة، بهدف حماية الحجاج من أشعة الشمس عند زيارة الكعبة. ووفق قائد قوات الأمن في المسجد الحرام، محمد الأحمدي، فإنه من المفترض البدء ببناء السقف الجديد في أقرب وقت، على أن يصبح جاهزاً عام 2019. وتتحدث "الإندبندنت" عن التجديد الجاري في البنية التحتية في مكة المكرمة والمدينة المنورة لاستضافة المزيد من الحجاج منذ عام 2011، أي في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واللافت أن هذه الإضافات تشمل مجمع المسجد الحرام، وهي 6 طوابق جديدة للصلاة، و21 ألف مرحاض، و860 مصعداً للعموم، و24 مصعداً لذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون من صعوبة في الحركة.

ردود فعل غاضبة

ما إن انتشر خبر "مشروع المظلة الجديد"، حتى تكاثرت ردود الفعل الغاضبة، والتي اعتبرت أن الهدف منه تدمير مهد الإسلام والقضاء على التراث الإسلامي. وعبّر الدكتور عرفان العلوي، مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي عن رفضه هذا المشروع قائلاً: "لقرون عدة، سافر المسلمون إلى الحج والعمرة ولم يتذمروا يوماً. لا أستطيع أن أفهم لماذا سيتم تدمير مهد الإسلام وتراثنا بهذه الطريقة؟"، وتابع: "لا شيء ينبغي أن يغطي الكعبة من فوق، لأن المسلمين يؤمنون بأن رحمة الله تنحدر من أعلى السماوات". وأكد العلوي أن هناك أشياء كثيرة يمكن للسلطات السعودية أن تفعلها لحماية الناس، كتشييد مستشفيات، علماً أن "أقرب مستشفى كبير يبعد أكثر من 8 كم عن مكة المكرمة". وقد اعتبر العلوي أن "سجل السعوديين في رعاية المواقع التاريخية سيئ للغاية. صحيح أنهم يؤمنون بالابتكار، ولكنهم يدمّرون الكثير في هذه العملية"، وشبّه "المظلة الجديدة بالمركبة الفضائية التي تظهر في أفلام هوليوود".

يا رايح للاس فيغاس

"كون مكة والمدينة المنورة لا تتمتعان بحماية مواقع اليونسكو التراثية العالمية، فإن لدى الرياض الحرية المطلقة للقيام بأعمال التحديث في المدن المقدسة"، هذا ما نقلته "الإندبندنت" على لسان النقاد. غير أن التحديثات التي أجرتها السلطات السعودية في مكة بعد تهديم المساجد القديمة، قد أثارت غضب المصلّين والمؤرخين في جميع أنحاء العالم، إذ اعتبروا أن الفنادق الحديثة ومراكز التسوق جاءت على حساب الأحياء التاريخية. وكشف معهد الخليج، الذي يتّخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقراً له، في دراسة صدرت في العام 2012 أن نحو 95% من المباني التي يبلغ عمرها قرابة 1000 سنة في مكة قد دمرت خلال السنوات العشرين الماضية. وفي معرض الحديث عن تدمير المعالم التاريخية، اعتبرت صحيفة "بلفاست تلغراف" أن مكة المكرمة فقدت من قيمتها الروحية، وأصبحت مخصصة للأغنياء، إذ أشارت إلى أنه خلف الأبواب المقفلة وبعيداً عن آذان الشرطة الدينية، يعتبر السعوديون أن أقدس موقع إسلامي بات أشبه بمدينة لاس فيغاس، وذلك نتيجة تدمير المعالم التاريخية والثقافية لإفساح الطريق أمام الفنادق الفاخرة ومراكز التسوق. وقد أثار هذا الموضوع استياء العديد من المدافعين عن الإرث الإسلامي، ومنهم على سبيل المثال، المعماري السعودي والخبير في الآثار الإسلامية سامي أنجاوي. ففي مقال ورد على موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية، حمل عنوان "الرجل الذي يحلم بمكة القديمة"، رفض "أنجاوي" اعتبار مكة مدينة، مؤكداً أنها "بيت الله" و"مهد الإسلام". وكان قد أعرب لرويترز عن قلقه الكبير جرّاء التغييرات الكثيرة التي تخفي معالم مكة وتجسد التناقض الصارخ مع طبيعة مكة وقدسية بيت الله. كما سلّط الدكتور علي عبد الرؤوف الضوء على مشاريع توسعة الحرم الملكي في مكة المكرمة وانعكاساتها السلبية على روحانية المكان. ففي كتابه الذي صدر في العام 2014 وعنوانه: "من مكة إلى لاس فيغاس: أطروحات في العمارة والقداسة"، تناول "عبد الرؤوف" تاريخ مكة المعماري وأهمية الكعبة لدى المسلمين، منتقداً مشاريع التوسعة التي، بالرغم من أنها تيّسر أمور الحج للمسلمين، تسيء إلى قدسية المكان. وانطلاقاً من التجربة الشخصية التي مرّ بها، عقد الكاتب مقارنة بين مكة المكرمة ولاس فيغاس، وكيف أن القيم المادية تسللت إلى القيم الروحية وحوّلت مدينة الله إلى صورة مشابهة من "لاس فيغاس". فأثناء زيارته الأولى للمسجد الحرام، حاول "عبد الرؤوف" أن يركز على الكعبة بهدف الوصول إلى الحالة الروحانية والذهنية المطلوبة. غير أن ناطحات السحاب والروافع المحيطة بالحرم جعلته يشعر "بالضآلة والقلة بل بالمهانة الإنسانية والعقائدية"، مشيراً إلى أن الكتل الخرسانية حطمت الصورة التي كان يتطلع إلى رؤيتها. وبدوره كان الباحث البريطاني ضياء الدين سارادار قد كتب في صحيفة النيويورك تايمز عن التغييرات التي شوّهت صورة مكة، ومما جاء في مقاله: "عندما زار ملكوم إكس مكة المكرمة عام 1964 كان مسحوراً بها، إذ وجد أن المدينة قديمة قدم الزمن وكتب أن التوسعة التي كانت قد بدأت بشكل جزئي ستجعل المسجد الحرام يضاهي الجمال المعماري لتاج محل في الهند... لكن بعد مرور 50 عاماً، يحاول الحجاج عبثاً أن يروا في مكة تاريخ الإسلام".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard