شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هنا ما تقوله لنا 107 أعوام  عن العرب الذين يدرسون اللغة العبرية

هنا ما تقوله لنا 107 أعوام عن العرب الذين يدرسون اللغة العبرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 16 يناير 201809:06 ص
مئة وسبعة وأعوام هو عمر الجامعة المصرية الحديثة التي أنشأت عام 1908 بقيادة مصطفى كامل، ومع نشأتها ضمت كلية الآداب، وفيها قسم اللغة العربية، ومعه كان لزاماً تدريس اللغات الشرقية داخل قسم اللغة العربية. دول عربية عديدة اهتمت بتدريس اللغة العبرية خاصة مع بدء الصراع العربي الإسرائيلي الحديث، إبان إعلان قيام إسرائيل، والفترة التي سبقتها مع الهجرات اليهودية، لكن تبقى الجامعة المصرية هي النموذج الأقدم في مضمار تدريس لغة إسرائيل.

علاقة العرب اليوم مع اللغة العبرية

"كنت أجلس في أحد المساجد، وكان عمري وقتها 15 عاماً، وكنت أحرص على سماع دروس أحد مشايخ المسجد بعد صلاة العشاء، سمعته ذات يوم يحكي قصة وفي نهايتها يقول إنها من الإسرائيليات، فتساءلت: 'ماذا تعني هذه الجملة؟' فأجابني أن هنالك العديد من القصص والتفاسير الإسلامية التي أصبحت متعارفاً عليها بين عموم المسلمين ولكنها ليست منه، بل مضافة للتراث الإسلامي ويجب التحقق منها، فسألته ما الطريق لذلك، قال: 'تعلّم اللغة العبرية جيداً ودراستها'. فقررت يومها ان أدرس اللغة العبرية وأن أحترفها"، هكذا يروي محمد علي قصة دراسته اللغة العبرية وهو اليوم باحثٌ مختص بالشأن الإسرائيلي.

العبرية في مصر

كانت الجامعة المصرية أقدم الجامعات العربية التي بدأ فيها تدريس اللغة العبرية، كجزء من اللغات الشرقية، وتعد العبرية إحدى اللغات السامية، والتي تشمل العربية والعبرية والسريانية والحبشية والأكادية والأوجريتية العربية الجنوبية، وغيرها من نفس المجموعة. ويهتم قسم اللغات الشرقية في مصر بتقديم مجموعة مقررات تتعلق بالديانة اليهودية والتاريخ اليهودي ومقارنة الأديان وغيرها، بحسب الموقع الرسمي للقسم. وحول هذا يقول الدكتور، محمد صالح أستاذ اللغة العبرية وآدابها في قسم اللغات الشرقية جامعة القاهرة، وجامعات عربية سابقة في تصريح خاص لرصيف22 "لا يمكن دراسة أي لغة بدون دراسة ثقافة اللغة والتي تشتمل على الثقافة الدينية والتاريخية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك، هذه مواد ثقافية تدعم اللغة". ويضيف: "سأعطيك مثالاً بكلمة "كيبوتس" هل تعني تجميع أم شكل استيطاني؟ هنا تظهر ثقافة التخصص ليتم شرح الكلمة ومعناها تاريخياً ولغوياً، وكذلك كلمة "المسيح المخلص" هل هو المسيح المسيحي أم مسيح آخر يهودي؟ من سبط معين وله دلالات وصفات معنية؟ هذه أمثلة عند ترجمتها تحتاج توضيحاً وشرحاً وهذا يتطلب معرفة بثقافة اللغة واللائحة الدراسية يجب أن تكون متكاملة تراعي كل الأبعاد اللغوية والدينية والتاريخية وغير ذلك".

ولكن لماذا يدرس المصريون العبرية؟

"العبرية لغة  'نادرة' وأعتقد أنها ستفيدني حينما ألتحق بالجيش لأنها لغة إسرائيل"، هذا كان دافع الطالب أحمد محمود (20 عاماً) لتعلم العبرية وهو الآن طالب في الفرقة الثالثة بقسم اللغات الشرقية، وشبيه بذلك كان السبب وراء دراسة هالة محمد (20 عاماً أيضاً) لمعرفة أسباب هزيمة مصر في حرب 1967 والاطلاع على ثقافة إسرائيل. أمّا منار ممدوح التي تخرجت من جامعة حلوان، من قسم اللغة العبرية (22 عاماً)، فتؤكد أن رؤيتها للنشرة العبرية في التلفاز المصري على 'النايل تي في' كان دافعاً لاكتشاف هذه اللغة والتعرف إلى المجتمع الإسرائيلي بعيداً عن كلام الإعلام والسوشيال ميديا. لكن شيماء أحمد التي تخرجت أيضاً من قسم اللغات الشرقية، من جامعة القاهرة، ترى أن هدفها هو العمل في حقل المخابرات المصرية، وتحديداً في كشف العدو الإسرائيلي، لذا فتعلم العبرية كان سبيلها. جامعة القاهرة ليست وحدها، فكما أشار هاشم الفخراني في مقالة عن الموضوع، 17 من الجامعات المصرية الـ24، تدرس اللغة العبرية، بالإضافة إلى جامعة الأزهر الشريف، ويصل خريجي اللغة العبرية في مصر كل عام إلى حوالي 3 آلاف خريج سنوياً، وهناك نهمٌ وإقبال كبير على دراسة اللغة العبرية في مصر، بحسب مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، كما أورد المصدر نفسه. وحول هذا يشير أحمد جمعة، الباحث في اللغة العبرية وخريج جامعة حلوان 2008، الذي يعمل الآن في مجال الترجمة، إلى أن الجامعات المصرية لم تصبح الرافد الوحيد للبحث والمعرفة، بل هنالك مصادر أخرى بحثية مثل المركز الأكاديمي الإسرائيلي، رغم إبداء تحفظه على نشاطات المركز التي ينطوي تحتها أمور أخرى، غير الأمور العلمية على حد تعبيره.

حكاية المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة

في عام 1982 افتتح مركز إسرائيلي بحثي في القاهرة، كان هدفه تطبيع العلاقات الثقافية مع الجانب المصري، وجاء كجزء من اتفاق السلام الموقع في كامب ديفيد، وبعد ضغوط من وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها، إسحاق شامير، على نظيره المصري، كمال حسن، بحسب ما يسرده المؤرخ الإسرائيلي، شمعون شامير، في كتابه "غضن الزيتون: حكاية المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة"، والذي أصدرته جامعة تل أبيب في إبريل 2016، وعرضت تفاصيله صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أكتوبر من نفس العام ويحكي فيه شمعون عن قصة المركز وإنشائه المثيرة للجدل. يتحدث شامير في كتابه بحسب صحيفة "هآرتس" عن إنشاء المركز بعد لقائه الخاص مع الرئيس المصري، أنور السادات، واتفاقه على إنشاء مركز أكاديمي ليكون مبرراً للسلام بين الشعبين، ورصد الكتاب الزيارات المصرية الإسرائيلية التي سبقت إنشاء المركز، منها زيارة وفد أكاديمي مصري لجامعة تل أبيب وكان من ضمنهم، بطرس غالي عميد كلية العلوم السياسية في القاهرة، والدكتور علي خليل المتخصص في الدراسات الشرقية، وأعقبها دراسات إسرائيلية لمصر، لتتبلور الفكرة في النهاية بإنشاء المركز، كما حكى شامير في كتابه الذي شمل مذكراته. اليوم، هناك تحفظ أمني على نشاطات المركز، وعلى دخوله، بحسب تجربة كاتب المقالة. ولعلّ هذا سببه الأساسي نظرة المجتمع المصري للمركز، حيث يرى العديد من الباحثين المصريين، أن أنشطة المركز الأكاديمي الإسرائيلية، لا تخلو من شبهات، نظراً لحساسية العلاقة بين إسرائيل والوطن العربي، معللين أن الدور الأكاديمي قد يكون واجهة فقط، تتحقق من خلفها مآرب أخرى غير معلنة.
دراسة التراث، فهم المجتمع الإسرائيلي، والالتحاق بالجيش والمخابرات، وفرص عمل، هذه بعض أسباب تعلّم العبرية في العالم العربي
عن تدريس العبرية في العالم العربي، في الجامعات والمراكز الخاصة وأون لاين
وهنا دعت الدكتورة اعتماد جمال، معيدة اللغة العبرية في جامعة القاهرة في حوارها مع رصيف22، وللتوجه إلى الجامعات المصرية لسد احتياجاتهم العلمية والبحثية، وأشارت جمال إلى بعض الحوادث التي جعلت دور المركز مشبوها منها القبض على شبكة تجسس إسرائيلية في مصر منها أعضاء في المركز الأكاديمي الاٍسرائيلي عام 1986م، وغيرها من الحوادث التي جعلت سمعة المركز الأكاديمي يحيطها الكثير من اللغط، وفتحت تساؤلات حول دور المركز الإسرائيلي في قلب القاهرة. وحول الأماكن التي يتم تدريس العبرية بها غير الجامعات، يروي محمد علي، أحد باحثي الدراسات الإسرائيلية أن هناك معهد اللغات التابع للقوات المسلحة المصرية، وهناك أماكن خاصة تعلم العبرية في إطار دورات تعليمية خاصة، كما انتشرت في الآونة الأخيرة فكرة التدريس "أونلاين" للغة العبرية، ويقوم عليها عدد من خريجي الجامعات المصرية ممن يجيدون اللغة العبرية، ويؤكد أن سبل تعلم العبرية في مصر أصبحت كثيرة ومتنوعة. ومن أبرز معلمي العبرية في مصر، المترجم عمرو زكريا الذي يحرص على ترجمة ما لا يقل عن كتابين وروايتين سنوياً، وقد برز اسمه مؤخراً، بعد أن أثارت "ألف ليلة دوت كوم"، آخر رواياته المترجمة، جدلاً واسعاً في مصر، قبل أنْ يتمّ سحبها من معرض الكتاب المصري نهاية عام 2016.

دراسة العبرية في فلسطين

وفيما يتعلق بتعلم اللغة العبرية في فلسطين فهو أمر أساسي، نظراً للعلاقة بين المحتل الإسرائيلي والفلسطينيين، ومتواجد في العديد من المدارس والمعاهد الفلسطينية في القدس والضفة، ورغم أن الهدف الأساسي هو معرفة العدو الإسرائيلي، لكن نجد العديد من المعاهد لها أهداف أخرى كتأهيل الفلسطينيين للالتحاق بسوق العمل الإسرائيلية ووهو ما أكده معهد "نيو فيجن" في القدس إبان إعلانه عن أحد كورسات اللغة العبرية للتأهيل لسوق العمل أو الدراسة في الكليات الإسرائيلية، وهو نفس الأمر بالنسبة لمعهد مجيد التابع للجامعة العبرية في القدس الذي يدعو العرب لتعلم العبرية للانضمام لسوق العمل في إسرائيل.  وفي غزة وقبل عدة سنوات وصل عدد متحدثي العبرية قرابة 150 ألف، معظمهم اكتسبها نظراً للاحتكاك المباشر بالإسرائيليين سواء كمحتل وغازي عسكري أو كأصحاب أعمال ومصانع تضم غزاويين، كما أنّ العمليات العسكرية المتكررة على القطاع خاصة في الألفية الحديثة كانت دافعاً قوياً لسكان القطاع لتعلم اللغة هو ما أكدته الصحافية عبير أيوب التي بدأت تعلم العبرية في 2015 بعد حرب الجرف الصامد في 2014، بحسب حديثها لرصيف22. وفيما يتعلق بروافد أخرى لتعلم العبرية في فلسطين، في حديثه لرصيف22، قال عبد الله داود شافعي، طالب الدراسات الإسرائيلية واللغة العبرية في ‏كلية الزيتونة الجامعية للعلوم والتنمية، إن معرفة لغة العدو ضرورة لفهم تركيبة المجتمع الإسرائيلي، للتنبؤ بسياسات المستقبل، ويشير إلى أن الاحتكاك المباشر بالإسرائيليين كمحتل هو من أهم روافد تعلم اللغة، كما أن الأسرى المحررين لهم دور في نقل العبرية لنا. بعد أن بدأ حياته المهنية يعمل في كافيتريا بتل أبيب، تعلم نجار حسني العبرية، ثمّ قرر دراستها وإتقانها بشكل أفضل في أكاديمية خاصة بغزة. عن ذلك يقول لرصيف22: "كنت واثقاً أننا سنحتاج يوماً ما إلى هذه اللغة لمخاطبة الطرف الآخر والتعرف من خلال اللغة على السيكولوجية الإسرائيلية وكيف يفكرون لكي نتعامل معهم بطريقه علمية ومناقشتهم في شتى المواضيع". نجح حسني مؤخراً في استضافة أعضاء كنيست في فضائية فلسطين لتمكنه من العبرية.

لبنان وتعلم العبرية

تكفلت الجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية بتعليم اللغة العبرية كلغة اختيارية ضمن اللغات الشرقية مثل الآرامية والسريانية واللاتينية، وذلك في كلية الآداب والعلوم الإنسانية وقسم الآثار في الجامعة اللبنانية، كما أن جماعة حزب الله تتكفل أيضاً بتعليم العبرية في لبنان في مراكز متخصصة، بحسب ما نشرته صحيفة "البيان" اللبنانية. تهتم أيضاً بعض الكنائس والأديرة بتعليم رهبانها العبرية القديمة وهي لغة التوراة حتى يتسنى لهم فهم لغة العهد القديم. وتحتل المواقع التعليمية للغة العبرية أهمية خاصة لدى بعض اللبنانيين، ما يدفع لتعلم العبرية، وهو ما أكدته سامية الزين التي تقول أنها تعلمت العبرية بانتظام من خلال الإنترنت.

دراسة العبرية في السعودية

تحت عنوان "برنامج اللغة العبرية" في جامعة الملك سعود، بالمملكة العربية السعودية، نجد بدء دراسة اللغة العبرية عام 1994، لتصبح الجامعة الوحيدة في المملكة التي تمنح درجة البكالوريوس في الترجمة العبرية، وبحسب تعريف البرنامج على الموقع الرسمي للكلية نجد أن الرؤية الأساسية هي "ريادة في مجالي تعليم اللغة العبرية والترجمة منها وإليها ونافذة للتعرف على ثقافة الناطقين بها". طالب دكتور أمين ساعاتي في مقالة له في جريدة "الاقتصادية" (2010)، عنوانها "علموا أولادنا اللغة العبرية"، بتعميم دراسة اللغة العبرية في كافة كليات الأداب في السعودية، للتعرف على إسرائيل والمكائد التي تدبرها ضد المنطقة، وحول هذا يقول: "يجب على كل إنسان سعودي أن يفهم الشخصية اليهودية ويدرسها جيداً"، وجاءت دعوته ردّاً على إعلان وزرة التعليم في إسرائيل "عن قرار استراتيجي مفاجئ، قررت بموجبه تدريس اللغة العربية في جميع مدارسها ابتداء من الصف الخامس الابتدائي". على الرغم من الرؤية السابقة التي اشتملت على أسباب مختلفة لأهمية دراسة العبرية للسعوديين، يؤكد نواف البيضاني، باحث سعودي في اللغويات وأحد دارسي وباحثي العبرية في تصريح خاص لرصيف22، أن دراسة اللغة العبرية بات مهماً لاكتساب ثقافة الآخر، ومعرفة صلة القرابة بين العبرية والعربية، كما أنه لديه شغف للاطلاع على الإسرائيليات في لغتها الأم، لذا كان هذا دافعه لتعلم اللغة العبرية. عن سبب دراسته للغة العبرية ثم تدريسه لها بعد ذلك، يقول الدكتور فؤاد عبد الواحد، أحد أهمّ أساتذة برنامج اللغة العبرية في جامعة الملك سعود، بأن والده كان من أسرى 67، وأنه حينما كانت تصل خطاباته للأسرة، كان يلاحظ ما كتب عليها تعليقات باللغة العبرية، فقرر بسببها تعلّم العبرية، ثم أصبح أستاذاً متخصصاً بها في جامعة الأزهر، وبعدها في جامعة الملك سعود.

 
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard