شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
اغتيال السادات: ساعات عصيبة ومشاعر متناقضة يستعيدها معتقلون في عهده

اغتيال السادات: ساعات عصيبة ومشاعر متناقضة يستعيدها معتقلون في عهده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 9 أكتوبر 201710:11 ص
"الفرق بينا وبين العراق إن ده لو حصل هناك هيقتلوا اللي زيّنا سواء العملية نجحت أو فشلت، لكن في مصر هيقتلونا بس لو فشلت، لكن لو نجحت عادي". لا تزال الكاتبة الصحافية فريدة النقاش تتذكر تلك الكلمات التي قالتها زميلتها صافيناز كاظم في سجن القناطر يوم السادس من أكتوبر 1981 حين وصل إلى السجن خبر اغتيال السادات. هذا التعبير لم يكن إلا نقطة من بحر تعليقات ورؤى طُرحت أثناء ترقّب أكثر من 1500 معتقل سياسي اعتقلهم نظام السادات قبل اغتياله بشهر، في ما عُرف باعتقالات سبتمبر التي شملت شخصيات من جميع الأطياف، لمستقبلهم. في السجن، اجتمع طيف واسع من الناشطين بدءاً من مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتذاك عمر التلمساني، مروراً بأقطاب اليسار أمثال صلاح عيسى وحسين عبد الرازق والوفدي فؤاد سراج الدين والناصري محمد حسنين هيكل. وفي الوقت الذي كان خالد الإسلامبولي ورفاقه يقومون بعملية اغتيال غيّرت خارطة الوطن العربي، كان جزء من نخبة مصر السياسية داخل السجون. بعضهم عرف بالخبر متأخراً، وآخرون لم يدركوا ماذا حدث لساعات طويلة، فيما بكى بعضهم على الرجل الذي اعتقله. INSIDE_SadatAssasination_AFPINSIDE_SadatAssasination_AFP

مات... لم يمت

تعود فريدة النقاش التي كانت معتقلة في سجن القناطر الخاص بالنساء، ووقتذاك كانت كاتبة صحافية في جريدة الأهالي ذات الطابع اليساري، وهي من الصحف التي صودرت في ذلك الوقت، تعود بذاكرتها أكثر من أربعة عقود وتقول لرصيف22: "عرفنا بالخبر باكراً. استطعنا أن نخفي راديو رغم التفتيش الذي تعرضنا له مع زميلات آخريات، وفي الثالثة ظهراً يوم 6 أكتوبر 1981 كانت إذاعة مونتي كارلو تذيع ذلك الخبر الذي لم نستوعبه في البداية". وتضيف النقاش أنه سرعان ما تأكد الخبر و"بدأنا نسمع زغاريد النساء"، وتعلّق: "تلك أحاسيس لم يستطعن كتمانها".
أما عن نفسها، فقد أعاد خبر الاغتيال إليها صورة عربة البوليس التي نقلتها من بيتها لإيداعها السجن، وتضيف: "تذكرت أحاديث السادات عنّا بأننا سبب الفتنة. قادونا بعد أن عصبوا أعيننا إلى ذاك السجن الذي لم نمكث فيه أكثر من شهر حتى اغتيال السادات". ويشير المؤرخ عبد العزيز رمضان في روايته لاغتيال السادات إلى أن جهات عدّة كانت تتوقع اغتياله في ذاك اليوم، وهو ما أكده النبوي إسماعيل في أحد الأفلام الوثائقية التي تم نشرها عن تلك الحادثة، وأضاف وزير داخلية السادات: "نصحناه بعدم الذهاب إلى العرض لكنه كان مصمماً على الموت". [caption id="attachment_123815" align="alignnone" width="700"]لحظة اغتيال السادات، 1981INSIDE_SadatAssasination2 لحظة اغتيال السادات، 1981[/caption] وتتذكر فريدة النقاش إنكار إدارة السجن للخبر وتقول: "كانوا يقولون إنها مجرد شائعات وكان ذلك مفيداً لهم، فالارتباك كان واضحاً على الجميع".
حين راح الإسلاميون يصيحون "هلك الهالك"... هذا ما يتذكره 4 مساجين سياسيين عن يوم اغتيال السادات
"في مصر هيقتلونا بس لو فشلت العملية، لكن لو نجحت عادي"... ذكريات مساجين سياسيين عن نهار اغتيال السادات

"هلك الهالك"

في سجن ملحق مزرعة طرة، كان الأمر أسوأ. يتذكر صلاح عيسي الذي دخل المعتقل بعد "تظاهرة بوليسية"، كما وصف عملية القبض عليه من بيته في الثالث من سبتمبر 1981، تفاصيل ذلك اليوم الذي امتد حتى الواحدة من صباح اليوم السابع من أكتوبر، إلى حين تأكد خبر اغتيال السادات. يروي عيسى لرصيف22 أنه قبل ذلك اليوم، كانت هناك مشكلة مع إدارة السجن، "فعلى مدار شهر اعتقالنا لم يسأل عنا أحد والزيارات كانت ممنوعة". وبوصفه مندوب المساجين وهمزة الوصل بينهم وبين إدارة السجن عرض تلك المشكلة وانتهت بالسماح بزيارتهم ومقابلتهم من وراء الشِباك وهو ما رفضه المساجين. حين وصل خبر الاغتيال إلى السجن، "بوجه مرتبك طلب مني شرطي أن أدخل جميع المساجين إلى الزنازين، وحين طلبت منهم ذلك تذمّروا على طريقتهم بإطالة صلاة الظهر لأكثر من ساعة"، يروي عيسى. ويكمل الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة سابقاً: "دخلنا الزنازين وقضينا يومنا حتى الثامنة مساءً، كان بجوارنا سجن الاستقبال وبه أعضاء في الجماعة الإسلامية وسمعناهم يهتفون ‘هلك الهالك’، وبدأت الأنباء تتواتر حتى تم التأكد من الخبر في الواحدة فجراً". ويتابع: "في اليوم الثاني، وحين أخبرتنا إدارة السجن بصحة الخبر، جرى اتفاق ضمني على تهدئة الأوضاع وترك الزنازين مفتوحة". أما ما لفت نظر عيسى وقتذاك فكان الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل الذي دخل زنزانته وبكى قائلاً "ده لسه صغير". وتباينت مواقف باقي السجناء "بين قلِق من المقبل ومطمئن إلى أن رحيل السادات هو بداية خير للوطن". ويؤكد عيسي الذي كان في ذلك الحين صحافياً مفصولاً من جريدة الجمهورية ومطارداً من الأجهزة الأمنية بسبب اشتراكه في أحداث 17 و18 يناير المعروفة بثورة الخبز، أن "ما تم التوافق عليه هو أن التغيير قادم لأن سياسة مصر مرتبطة دوماً برئيسها".

القصة من منظور آخر

النائب ذو التوجه الناصري مصطفى بكري كان أيضاً في السجن نفسه، ووقتها كان عضواً بمنظمة الشباب الاشتراكي، ويروي لرصيف22 تفاصيل تلك القصة من منظور آخر. يؤكد بكري رواية صلاح عيسى حول المشكلة مع إدارة السجن، لكنه يقول إنه استطاع أن يعرف الخبر من أحد السجانين في الرابعة عصراً من ذلك اليوم، مشيراً إلى إنه لم يصدق ما حدث وظل ساكتاً حتى تم تأكيد الخبر. "أن يتم الاغتيال في العرض العسكري لم يكن بالأمر الذي يصدّق"، يؤكد بكري الذي كان في مقتبل حياته الصحافية حين قُبض عليه في تظاهرات 17 و18 يناير 1977 لأول مرة. يقول إنه تذكر حديث السادات عنهم ووعيده لهم كما تذكر الجنود الذين قبضوا عليه من بيته وتسبب ذلك بإخافة جميع جيرانه. ويتذكر جيداً فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد، الذي كان أكثر المساجين ثباتاً "بل وكأنه توقع العملية برمتها"، وقد كان توقع عملية الاغتيال شعوراً لدى بعض المواطنين خاصة بعد تهديدات الجماعة الإسلامية باغتيال الرئيس. [caption id="attachment_123817" align="alignnone" width="700"]INSIDE_SadatAssasinationINSIDE_SadatAssasination لحظة اغتيال السادات، 1981[/caption]

أخبرهم العميد...

قصة أخرى يرويها لرصيف22 نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين سابقاً محمد حبيب، الذي كان وقت القبض عليه مسؤولاً عن شباب أسيوط وممثلاً لقسم الطلبة في الجماعة. يروي أن "عربة ترحيلات" تضم بعض العساكر وضابطاً جاءت للقبض عليه وأودع سجن طرة. ويروي حبيب أن تقسيم السجن لم يكن وفقاً للانتماء السياسي بل للتوزيع الجغرافي، وبالتالي وجد نفسه مع أعضاء للجماعة الإسلامية وآخرين من التكفير والهجرة. ظروف حبيب ومجموعته كانت الأصعب، على حد قوله. فقد تم إغلاق الأبواب عليهم 17 يوماً بلا زيارات أو وسائل معرفة، وكان يوم السادس من أكتوبر يوماً لم يكن فيه أي جديد حتى الليل حين فوجئ حبيب بـ"ضيوف" جدد قُبض عليهم وكانوا وقتذاك يصلّون التهجد. يتذكر ذلك اليوم حين قال أحد المقبوض عليهم وقد راعه هدوء المساجين "انتوا متعرفوش؟ السادات مات؟". وانتشر الخبر دون أي تأكيد حتى اليوم التالي، حين جاء العميد محسن الصيرفاوي ليخبرهم أن السادات مات. "كنت وسط جماعة إسلامية وتكفير وهجرة، بالطبع هناك مَن فرح وقال هلك الهالك أما أنا فكنت حزيناً أدرك معنى المسؤولية وما ينتظره التيار الإسلامي من تنكيل بسبب تلك الحادثة"، يقول.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard