شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يوم في القاهرة من الأربعينيات: سينما ومقاهٍ ودار أزياء وأروع الأصوات العربية

يوم في القاهرة من الأربعينيات: سينما ومقاهٍ ودار أزياء وأروع الأصوات العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 23 أكتوبر 201710:56 ص
قاهرة الأربعينيات، أحد مراكز العالم العربي الأهم في عصرها، ماذا كانت تقدم لأبنائها وزوارها؟ من الجرائد والكتب الفكرية والأدبية التي كانت تملأ مكاتبها وشوارعها، وأحدث خطوط الموضة العالمية التي فتحت دورها فيها، والأصوات الفنية التي علا صوتها في صالاتها، والأفلام التي لا تزال حتى اليوم تشدنا وتمتعنا، من أين جاء كل هذا الثراء؟ هنا زيارة للقاهرة في يوم واحد من الصباح حتى آخر السهرة، وجولة على نجوم الفن والأدب، والأفلام النادرة، والأصوات العربية، ومحلات السهر المميزة التي فتحت أبوابها في مدينة كانت تنبض بالإبداع والفن.

إنه الصباح الباكر، لنشتري الجرائد ونطالع الكتب

البداية في منطقة وسط البلد - تحديداً في عام 1942م - قلب القاهرة أو "باريس على ضفاف النيل"، كما أطلق عليها الخديوي اسماعيل، والذي كان يهدف منذ تأسيسها في منتصف القرن التاسع عشر أن تكون قطعة من أوروبا، لذا استعان بمهندسين إيطاليين وفرنسيين ليخططوا لها على الطراز الغربي الحديث. يمكن المرور أولاً من ميدان الخديوي إسماعيل – التحرير حالياً- وإلقاء نظرة على بائع الجرائد والكتب، وليش هناك أفضل من المنشورات للتعرف على الساحة الثقافية والتنوع واهتمام الناس. جريدةجريدة عند بائع ميدان الخديوي إسماعيل سنجد الجريدة القومية الأشهر الأهرام إلى جوار عدد من المجلات الأخرى كالمصور والهلال، التي كانت تعرف نفسها على أنها "مجلة علمية تاريخية صحفية أدبية"، أسسها اللبناني جرجي زيدان عام 1892م. والكواكب، وهي مجلة فنية تصدرها مؤسسة الهلال أيضاً وتهتم بالشأن الفني لنجوم الطرب والتمثيل، بالإضافة إلى جريدة الوفاق. أما إذا كنا نبحث عن جريدة إنجليزية فهناك الإجيبشان جازيت، ولمن يفضل الاطلاع على الأخبار باللغة الفرنسية فعليه بشراء جريدة البروجريه اجيبشان. وبالنسبة للغة الآرمنية فجريدة اريف وكذلك هوسابير من إصدار الجمعية الآرمنية متوفرة على الرفوف. سيلاحظ أيضاً أن المجلات الدينية لها نصيب الأسد، ومنها: نور الإسلام التي تصدرها هيئة علماء الأزهر، ومجلة الإسلام، ومجلة الهدي النبوي إصدار جماعة الدعوة والحق، ومجلة الدعوة. وكذلك عدد كبير من المجلات القبطية، مثل: مجلة القديسة تريزة، ورسالة المحبة، وبؤق الإنجيل. أما في رفّ الكتب سنجد مؤلفات للعقاد والمازني وطه حسين وتوفيق الحكيم. لا يمكن سؤال البائع عن أعمال الكاتب الشاب نجيب محفوظ فهو لم يصدر بعد سوى روايتين فحسب:رادوبيس، وعبث الأقدار، ولكنهما لم يحققا أي نجاح يُذكر. لكن في العام التالي سيحصل نجيب على أول جائزة له "جائزة قوت القلوب"، مناصفة مع الكاتب أحمد بكثير عن رواية رادوبيس. غير أنه سيظل مجهولاً للقارئ لعدة أعوام. أما عن يوسف إدريس، ويحيى حقي، ويوسف السباعي فلم يسمع عنهم بائع الكتب مطلقاً، ولمحبي الأدب العالمي، ففي هذا العام صدرت رواية "الغريب" لألبير كامو بالفرنسية. غير أنه لم تترجم بعد.
كان يمكن شراء جرائد قومية، ودينية، وقبطية وإنكليزية وفرنسية وأرمنية في شوارع القاهرة في الأربعينيات
لمقهى ريش في القاهرة تاريخ فني وسياسي: استقبل أم كلثوم واحتضن حلقات ثورية سرية وعلنية

فطور وقهوة وتاريخ غني في ريش

أهم وأقدم مقاهي وسط البلد هو "مقهى ريش" الذي بناه ثري ألماني على أنقاض قصر محمد علي، ثم باعه للفرنسي هنري بير، الذي اختار له اسم ريش على اسم (ريش كافيه) في فرنسا سنة 1908 ثم باعه مرة أخرى لرجل يوناني. [caption id="attachment_124949" align="alignnone" width="700"]Café-Riche_AFPCafé-Riche_AFP Café Riche[/caption] لمقهى ريش تاريخ فني وثقافي وسياسي معروف، فهو المقهى الذي قدم فيه عزيز عيد فصول من مسرحياته ، وكانت تقوم بالبطولة روز اليوسف، وكان يتخلل العرض مونولوجات لمحمد عبد القدوس، وهناك تعارفا وتزوجا ليكون ثمرة ارتباطهما الكاتب إحسان عبد القدوس. وهو المكان الذي استقبل أم كلثوم في بداية مشوارها الفني وفتح لها أبوابه حين اصطحبها الشيخ الملحن أبو العلا لتقدم في داخل المقهى تواشيح وتراتيل كل خميس بصوتها، وكان ذلك الشرارة الأولى التي انطلقت منها كوكب الشرق. مقهى-ريشمقهى-ريش هنا يمكنكم احتساء القهوة بعد تناول الفطور وقراءة الصحف، وهنا أيضاً سيعقد نجيب محفوظ ندوة عصرية كل جمعة ابتداء من عام 1963م وسيتردد على هذا المكان يوسف إدريس، وصلاح جاهين، ويحيى الطاهر عبد الله، القاص والروائي المصري الجنوبي صاحب رواية الطوق والأسورة، وثروت أباظة، ونجيب سرور. ولأن الفن والأدب هما بذرتا التغيير، فأينما وجد الفن والإبداع وجدت الحرية والتطلع لها، سيكون لهذا المكان دور سياسي مؤثر جداً، ويمكننا أن نقسمه إلى نضال علني، فمقهى ريش سيضم كافة الأحزاب والحركات السياسية والفكرية، ومنه ستخرج البيانات الوطنية مما سيدفع البوليس السياسي ورجال المخابرات لبث جواسيسهما بداخل المكان، ومنه انطلقت ثورة الأدباء بعد اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني عام 1972م. كما شهد المقهى حركة مقاومة سرية، حيث يقال أن صاحب المقهى كان ينتمي لمنظمات سرية، وبعد زلزال 1992م كشف شرخ في أحد الجدران عن مقر سري فيه ألة طبع ومنشورات خاصة بثورة 1919م. هنا فيديو لمقهي ريش يكشف دوره في ثورة 1919م: https://youtu.be/fmfaze0wgwA

الثالثة عصراً، موعد القاهرة مع السينما

Ali_Baba_and_the_Forty_Thieves_1942_PosterAli_Baba_and_the_Forty_Thieves_1942_Poster ما نوع الأفلام المفضلة لديكم؟ في الأربعينيات كان في دور العرض في القاهرة أكثر من 25 فيلماً، تقريباً تغطي كل التيمات المشوقة. فلعشاق الأفلام الكوميدية كان يمكن مشاهدة فيلم أحب الغلط، تأليف بديع خيري وبطولة حسين صدقي وتحية كاريوكا، أو فيلم لو كنت غني تأليف أبو السعود وبطولة بشارة واكيم وإحسان الجزايرلي، أو علي بابا والأربعين حرامي لفرقة على الكسار. أما لمن كانوا يفضلون الأفلام الغنائية، كان يعرض فيلم ليلى بطولة ليلى مراد وتأليف وإخراج توجو مزراحي، أو ممنوع من الحب بطولة محمد عبد الوهاب ورجاء عبده. هنا فيلم علي بابا والأربعين حرامي: https://youtu.be/p2TB7dCI2eI وللدراما فيلم أولاد الفقرا أو فيلم بنت ذوات، وهما من تأليف واخراج وبطولة يوسف وهبي، وكذلك فيلم رباب وهو تأليف واخراج وبطولة أحمد جلال وشاركته في البطولة الفنانة ماري كويني. حتى أن لأفلام المرح والشباب نصيب، ومنها: أحلام الشباب تأليف يوسف وهبي وبديع خيري وبطولة فريد الأطرش وتحية كاريوكا. MAIN_2Egypt-in-the-40-sMAIN_2Egypt-in-the-40-sقد تتساءلون عن السر في التنوع والثراء للسينما؟ ربما يكون عدم ظهور التلفزيون سبباً مباشراً حيث أنه لا منفذ لمتابعة الأفلام غير دور العرض، بالإضافة إلى ظهور العديد من المواهب الفذة في هذا المجال سواء على مستوى التمثيل أو الاخراج أو التأليف، ثم إن السينما المصرية كانت المنتج والمصدر الوحيد لباقي الدول العربية، لعل ذلك ما جعلنا نطلق على الفيلم المصري "الفيلم العربي". ولا يخفى بأن الإزدهار في السينما والفنون هو مؤشر على انفتاح وثراء في الثقافة وذائقة الناس.

شيكوريل02شيكوريل02  حان وقت التسوق

لا يوجد هنا "مراكز تسوق" ولكن يوجد محلات على الطراز العالمي، وعروض أزياء لمصممين من كل البلاد. يمكن التجوال قليلاً في جراند ماجازان شيكوريل المجاور لقصر الأوبرا. بعتبر جراند ماجازان شيكوريل أول محل يأسسه الفرنسي موينيو شيكوريل عام 1908م ليكون أكبر وأهم محل أزياء في العالم العربي العربي حيث بلغ عدد العاملين فيه إلى 485 أجنبي و142 مصري. ويقدم المحل عرض موسمي لأزياء باهظة الثمن. في عام 1936م افتتح سلسلة محلات أخرى تحت اسم أوريكو للطبقة المتوسطة حيث أن أسعار الأزياء بتلك المحلات كانت بشكل نسبي أقل بكثير من السلسلة الأم شيكوريل، كما أنها تناسب ذوق طبقة أوسع من الناس. شيكوريل01شيكوريل01 في عام 1946م سيصبح شيكوريل عميداً للجالية اليهودية لمصر، ولكن ذلك المنصب يجلب معه ويلات لصاحبه ولمحلاته التي بلغت ذروتها في الشهرة والنجاح. فبعد حرب 1948، تصب الجماعة الإسلامية غضبها الموجه لبريطانيا ونتائج الحرب، على المحل وصاحبه، فيقذفون المحل بكرات من نار ليشتعل على أثرها. ستحترق محلات شيكورويل مرة أخرى مع حرق القاهرة 1952م وبعد حرب السويس ستقع في قبضة الحكومة المصرية ليتدهور بها الحال وتغلق أبوابها وتختفي. 

الست تتألق في الأزبكية

لا يمكن المرور بهذا العصر دون ذكر حفلات كوكب الشرق، في تلك الفترة الزمنية كانت تقدم أم كلثوم حفلاتها على مسرح حديقة الأزبكية، في حفل شهري ليلة الجمعة الأخيرة. ولكن لم يكن هذا الحدث الفني الأوحد، لأن القاهرة ستشهد عروض أغاني فيلم عايدة التي قامت ببطولته مع إبراهيم حمودة وكتبه عبد الوارث عسر واخرجه أحمد بدر خان. وفي إحدى ليالي هذا العقد المميز، تغني دويتو مع إبراهيم حمودة أغنية "احنا لوحدنا" من أشعار بيرم التونسي، وألحان زكريا أحمد. هنا دويتو "احنا لوحدنا" أم كلثوم وإبراهيم حمودة:

السهرة تحلو في عماد الدين

في العاشرة تنتهي أم كلثوم من حفلتها. ولكن الليل لا يزال طويلاً، والقاهرة مدينة ساهرة، ومقصد السهر هو عماد الدين، ويُطلق عليه أيضاً "شارع الفن" الذي صمم ليكون نسخة من شارع البوليفار بفرنسا. في هذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله 3 كيلو مترات، يحتضن أكثر من 15 مسرحاً و6 دور للسينما، أضف إلى ذلك عدد الملاهي الليلة التي تقدم عروضاً استعراضية وغنائية، ومن أهم تلك المسارح، مسرح نجيب الريحاني الذي قدمت عليه فرقة نجيب الريحاني عشرات الروايات، ومسرح بديعة مصابني الذي خرج منه نجوم الفن كإسماعيل ياسين وتحية كاريوكا وفريد الأطرش، وسمية جمال.
في هذا الشارع انتعشت الحالة الفنية ليصبح منارة يلجأ إليها كل فنان موهوب يبحث عن فرصة حقيقية ليقدم فنه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard