شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
Selfie من فلسطين

Selfie من فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 27 سبتمبر 201706:33 م
كانت هناك منذ التشكّل الأول للوعي. لا أذكر يوماً في طفولتي أو مراهقتي لم يرد فيه ذكر للأرض السليبة ومعاناة أهلها ونضالهم ضد المحتل الغاصب، بدءاً من حوارات الأهل مروراً بعناوين نشرات الأخبار. أعمدة الصحف والمجلات، التقارير المصوّرة على شاشة التلفزيون وهي تظهر عنف جنود العدو الصهيوني في مواجهة هتافات المتظاهرين وسط دخان قنابل الغاز المسيّل للدموع، حماسنا لتنظيم حملات جمع التبرعات لدعم القضية في مدرستي الابتدائية، رسومنا الملوّنة لقبة مسجد الصخرة تعلوها راية فلسطين وقبضة ملوّحة بعلامة النصر، لوحات ناجي العلي وأشعار درويش وطوقان وروايات غسان كنفاني، احتفالنا بيوم الأرض وصوت فيروز الهادر عبر مكبّرات الصوت مبشراً بأجراس عودة لم تُقرع... 000_DK9FY000_DK9FY كل شيء تغيّر عندما بدأت حرب العراق مع إيران، تراجعت فلسطين وقضيتها إلى خلفية المشهد مع استدعاءات لها هنا وهناك في الخطاب الإعلامي الرسمي، عندما كانت الحاجة تقتضي شيئاً من التزويق والبلاغة. همّنا لم يعد تحرير الأرض (هناك) قدر مواجهة الخطر المحدّق بنا من الشرق، على حدودنا... الغارات الجوية والصواريخ المنهمرة علينا والهجمات المتتابعة والمضادة وسقوط آلاف القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين باتت مفردات حياتنا اليومية. ازداد الأمر سوءاً بعد غزو الكويت الذي مهّد لانهيار العراق كبلد نامٍ ومشروع وطن معاصر تتعايش فيه الأقليات والأديان بسلام، ولا نزال نجد أثره وتوابعه في المشهد الكارثي السائد اليوم. تذكّرت كل ذلك عندما انتهيت من مشاهدة مقطع مصوّر على شاشة هاتفي النقال في نيوزلندا، حيث استقر بي المقام منذ سنوات، لطفلة فلسطينية وهي توبّخ جندياً إسرائيلياً. تكفّل والدها أو والدتها بتصوير اللقطة وإرسالها الى ملايين المشاهدين في أصقاع الأرض.
أدركت لحظتذاك كم تغيّر عالمنا خلال العقدين الأخيرين، ومضى ذهني يعقد مقارنة بين وسائل المقاومة في عصرنا الحالي والعقود التي سبقت اندلاع ثورة المعلومات وانتشار وسائل التواصل وتطوّرها اللاهث.
لا أذكر يوما في طفولتي ومراهقتي لم يرد فيه ذكر للأرض السليبة ومعاناة أهلها ونضالهم، ولكن الأمر تغير اليوم
مشاهد تبدو في المحصلة كأنها تبيّض صفحة السلطات الإسرائيلية أكثر مما تدينها أو تفضحها؟
الشعارات لا تزال كما هي، لكن الوسائط اختلفت واختلفنا نحن معها، فكم من مياه جرت تحت الجسر في حياة كل منا وكم أثرت الأحداث التي عشناها على منظورنا لكل شيء من حولنا. مشهد الطفلة الجريئة لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته مشاهد كثيرة، لعل من أبرزها ذلك الذي ظهرت فيه سيدة مسنة وهي تلوّح بذراعها في وجو الجنود الإسرائيليين صارخة أن أخرجوا من أرضنا وعودوا من حيث أتى أهاليكم من أوروبا! جرأة الأم الفلسطينية أثارت إعجاب المشاهدين في كل مكان، خصوصاً في الغرب، لكنها أثارت تساؤلات مختلفة في رؤوس العرب الذين شاهدوا الفتية المدرّعين والمدجّجين بآخر تقنيات الأسلحة وهم يتراجعون أمام سيل الشتائم التي انهالت عليهم. كلنا يذكر الحدث الذي تسبب باندلاع شرارة المواجهات الدامية والتي لا تزال مستعرة حتى اللحظة عندما تم اعتقال عدد من صبية المدارس في درعا وتعذيبهم لمجرد شبهة قيامهم بكتابة عبارات مسيئة إلى القيادة السورية. كثير من العراقيين يذكرون أيضاً العقاب الجماعي المروّع الذي كان يطال كل من يجرؤ على السخرية من صدام حسين ونسبه ولو همساً في مجلس خاص، فيتم إعدامه وقطع لسانه وألسنة أبنائه وهدم داره وتشريد نساء عائلته… حدث ذلك تماماً مع الفريق عمر الهزاع التكريتي الذي لم تشفع له قرابته للرئيس ولقي حتفه بعد أن وشت به خادمة كانت تعمل في بيته جاسوسة لحساب السلطة، لكن العنف لم ينته بسقوط صدام ونظامه بل ازداد الأمر سوءاً بعد ذلك. التطهير العرقي والديني وممارسات داعش المقزّزة بحق أسراها وسكان المدن والقرى التي احتلتها في العراق وسوريا، ومشاهد عنيفة كسبي النساء وقطع الرؤوس وبقر البطون وأكل الأحشاء والإعدام حرقاً توالت علينا تباعاً وتركتنا شبه مشلولين من فظاعتها… دار ذلك في ذهني وأنا أقرأ كتاب المعمارية الفلسطينية المُبدعة سعاد العامري الصادر باللغة الإنكليزية تحت عنوان "غولدا نامت هنا" وسردت فيه تفاصيل توقيفها لفترة وجيزة في سجن إسرائيلي ونفورها من رائحة البيض المسلوق الذي قٌدّم لها على الفطور، فعرضت عليها رفيقتها أن تأكل الجبنة أو الزبدة أو المربى والبسكويت عوضاً عنه. هل هذا طعام سجين أم فطور كونتيننتال لنزيل في فندق فئة خمس نجوم؟ تساءلت مع نفسي بعد قراءة النص، خصوصاً أني كنت قد شاهدت قبل ذلك بأيام قليلة على الانترنت لوحة مؤثرة لفنان عراقي عن ثلاثين رجلاً حُشِروا في زنزانة عفنة كانوا يتناوبون على النوم على أرضها المغطاة بالقاذورات بسبب ضيق المساحة. ClfXCbuWIAAUlo6ClfXCbuWIAAUlo6 استمرت الدهشة والتساؤلات وأنا أقرأ يوميات إعلامي فلسطيني يعمل في الخليج عن عطلة أمضاها برفقة عائلته في أرض الوطن والصور والتغريدات التي رافقتها على حسابه في تويتر. لم أكن الوحيد المستغرب للمادة الفيلمية والتحريرية المُحمّلة، إذ انهالت التعليقات والأسئلة من قبل كثير من المتابعين العرب، خصوصاً بعد بث مشاهد من رحلة الإعلامي البرية الى بيت الأسرة على طرق سريعة نظيفة واسعة ومعبدة.   احترنا أكثر عندما تضمن أحد النصوص شكوى لمنع جنود الاحتلال الإعلامي من تصوير مروره في المعبر، وذلك لمحاذير أمنية، بينما حمل نص آخر غضبه العارم بسبب حظر إسرائيل شبكات المحمول المملوكة لرجال أعمال فلسطينيين من تقديم خدمات الجيل الرابع لمشتركيها، وحصرها في الشبكات الإسرائيلية، على الرغم من أن الأخيرة متاحة لجميع المستهلكين من يهود وعرب. لا شك أن الشكوى مُحِقة ولها ما يبرّرها، فالقضية كانت بالتأكيد ستثير ضجة كبيرة في بلد أوروبي (على سبيل المثال) وقد تنتهي بالإطاحة بالحكومة فيه، لكن عشرات الملايين من مستخدمي شبكات المحمول على امتداد الوطن العربي يدركون أن ملكياتها تعود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للسلطات ودوائر المتنفذين المحيطة بها، كما أن مستوى الخدمات التي تقدمها أبعد ما يكون عن الجودة المتاحة للمشتركين في فلسطين حسب رواية الإعلامي نفسه. صور وتدوينات وأفلام عن الواقع الفلسطيني المعاصر في الداخل وشجاعة الناس في مواجهة العدو كالتي ذكرتها تستمر في نيل نسب متابعة مرتفعة ويحصل أصحابها على آلاف كثيرة من الإعجابات على شتى مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها في المحصلة تبدو كأنها تبيّض صفحة السلطات الإسرائيلية أكثر مما تدينها أو تفضحها، كما أنها تثير لدى المتابعين من العرب تشويشاً وعدم فهم وأسئلة عدة، أهمّها: "أيهما أسوأ اليوم: ظروف الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أم في بلدنا الأم؟"
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard