شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
سيّد قطب: الأديب الرومانسي والأب الروحي للجماعات الجهادية

سيّد قطب: الأديب الرومانسي والأب الروحي للجماعات الجهادية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 31 أغسطس 201704:27 م

ما بين مواهب أدبية رومانسية من جهة، وأفكار إسلامية جهادية من جهة أخرى، يَحارُ العامة والباحثون في تقييم شخصية المفكر الإسلامي سيّد قطب الجدلية، رغم مرور أكثر من خمسين عاماً على رحيله. في 29 أغسطس، أعدمت السلطة المصرية سيد قطب الذي ولد في إحدى قرى محافظة أسيوط عام 1906، وانتقل مع أهله إلى القاهرة في سن مبكرة، وصار لاحقاً من أكثر الشخصيات العربية والإسلامية إثارة للجدل والصخب الفكري في القرن العشرين.

الأديب والناقد: الجانب غير الشهير في سيرة قطب

عُرف سيد قطب واشتهر بكونه منظراً للحركات الإسلامية الجهادية، ولكن بدايته كانت في مجال الأدب، إذ كان روائياً وشاعراً وناقداً أدبياً. وكان أحد أهم الأسباب التي عززت من الميول الأدبية لدى قطب علاقته الوثيقة بالأديب الكبير عباس محمود العقاد. فالشاب القادم من صعيد مصر فُتن بالعقاد منذ أن التقى به للمرة الأولى في المرحلة الثانوية، وظل على صلة قريبة به بعد تخرجه من دار العلوم.

ووصل إعجاب قطب بالعقاد إلى حد من الغلو، حتى أننا نجده في مقال له بعنوان "آراء حرة" نشره في مجلة الرسالة عام 1938، يعترض على تسمية العقاد بأمير الشعراء عقب وفاة أحمد شوقي، ويبرر سبب اعتراضه بقوله: "لأن المسافة بينه وبين شعراء العربية في هذا العصر أوسع من المسافة بين السوقة والأمراء". ولكن بعد فترة، خفت إعجاب قطب بالعقاد شيئاً فشيئاً، وبدأ في انتقاده كحاله مع باقي أدباء عصره، وهو ما ألحق علاقتهما الجمود والتحفظ. في أربعينيات القرن العشرين، استطاع قطب أن يقدم نفسه كناقد أدبي متميز، عقب نشره كتابيه "كتب وشخصيات" و"النقد الأدبي: أصوله ومناهجه"، وكان قطب سباقاً في لفت الأنظار إلى نجيب محفوظ الذي كان يتلمس خطواته الأولى في عالم الرواية حينذاك. ومما قاله قطب في معرض إشادته برواية خان الخليلي لمحفوظ، ما ورد في كتابه كتب وشخصيات من أن "هذه القصة تستحق أن تُفرد لها صفحة خاصة في سجل القصة المصرية الحديثة، فهي منتزعة من صميم البيئة المصرية في العصر الحاضر". على أن النقد وحده لم يكف طموح قطب الأدبي، فنجده في النصف الثاني من الأربعينيات يسارع إلى نشر بعض الأعمال القصصية الصغيرة الحجم.

عُرف سيد قطب واشتهر بكونه منظراً للحركات الجهادية، ولكن في بدايته كان روائياً وشاعراً وناقداً أدبياً
التصورات العمومية الواردة في كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" هي سبب انتشاره بين الجماعات الجهادية
وفي عام 1946، صدرت له رواية "المدينة المسحورة"، وهي قصة خيالية، استلهم أجواءها من قصص ألف ليلة وليلة. وعام 1947، صدرت له رواية "أشواك"، وهي رواية رومانسية عاطفية الطابع، تتناول قصة رجل افترق عن حبيبته، وقد قيل إن قطب في هذه الرواية تحديداً أرّخ لجزء من سيرته الذاتية، عقب تعرضه للفشل في الارتباط بالفتاة الوحيدة التي أحبها.

في أمريكا... تشكُّل كره الحضارة الغربية عند قطب

في الأعوام الأخيرة من أربعينيات القرن العشرين، بدأ سيد قطب في مهاجمة القصر الملكي والحكومة من خلال عدد من مقالاته اللاذعة. ولما كانت السلطة تفتقد أي سند شرعي يبرر اعتقاله، قدّمت له منحة دراسية في الولايات المتحدة بغرض دراسة المناهج التعليمية فيها، إذ وجد أعداؤه في ذلك وسيلة لإبعاده عن ساحة مهاجمتهم وانتقادهم. سافر قطب إلى أمريكا في أواخر 1948، ورجع منها في أغسطس 1950، بعد أن قضى ما يقرب من عامين في بلاد العم سام، وهي الفترة التي أثرت كثيراً في تشكيل أفكاره وآرائه في المرحلة التالية.

وكتب قطب أثناء وجوده في أمريكا عدداً من المقالات التي نشرها في مجلتي "الرسالة" و"الكتاب"، ثم جمعها بعد وفاته صلاح الخالدي في كتابه "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب". وتقدم لنا تلك المقالات صورة واضحة لتقييم قطب للواقع الأمريكي الذي عايشه. يتساءل قطب معبراً عن رأيه الرافض لقيم الحضارة الأمريكية: "أميركا هذه كلها... ما الذي تساويه في ميزان القيم الإنسانية؟". وظهر نقد قطب للمجتمع الأمريكي في نقده لحرية ممارسة الأمريكيين للجنس ولفنونهم السينمائية والموسيقية ولملابسهم ولطعامهم وحتى لقصات الشعر التي تشيع بينهم. وانتقد الأديب المصري كذلك لعبة كرة القدم الأمريكية، وذكر أن انتشارها "لا يدع مجالاً للشك في بدائية الشعور التي تفتن بالقوة العضلية وتهواها"، وهو ما لمس فيه قطب استهانة بالمُثل والمبادئ والأخلاق. ومن المشاهدات التي استهجنها قطب في مقالاته، وضع المتوفي في صندوق زجاجي قُبيل دفنه، واجتماع أقاربه ومعارفه لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، إذ يذكر أنه في الكثير من الأحيان يتضاحك المجتمعون أمام جثة المتوفي دون مراعاة لهيبة الموت أو احترام لقداسته. وفي السياق نفسه، لمس قطب ما اعتبره تعارضاً واضحاً بين كثرة الكنائس وبين أدائها لوظائفها الروحية، إذ يقول إن دور تلك الكنائس اقتصر على اللهو والتسلية، بينما فقدت أية روحية أو احترام أو قدسية، فبقيت "كنائس بلا حياة". واستحوذت عنصرية المجتمع الأمريكي أيضاً على قدر كبير من اهتمام سيد قطب. يذكر لورانس رايت في كتابه "البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر"، أن أمريكا فتحت عيني قطب على جانب آخر من نفسه، ألا وهو "أنه رجل ملوّن".

وبحسب ما يذكره رايت، فإن قطب عاد إلى مصر وهو أكثر تعصباً ومقتاً لقيم الحضارة الغربية، وأدى ذلك إلى رفضه لكل ما ارتبط بها من حداثة وعلمانية وديمقراطية ومادية، وهو ما ساعده على تكوين أفكاره عن طبيعة الحركة الإسلامية في ما بعد.

بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين

كانت بدايات سيد قطب السياسية مع حزب الوفد الذي انضم إليه في شبابه وظل به حتى عام 1942 عندما تركه لينضم إلى حزب السعديين. وعام 1945 حدث تغيّر كبير في أفكار قطب السياسية. فنجده ينشر مقالاً في العدد 627 من مجلة الرسالة، يهاجم فيه جميع الأحزاب السياسية في مصر، ويدعو قادتها إلى ضرورة تعديل برامجهم لتتلاقى مع طموحات الشعب المصري. وعقب رجوعه من أمريكا، تعرّف قطب على حركة الضباط الأحرار، وكان من المقربين إلى جمال عبد الناصر. وبحسب ما يورده وزير الثقافة المصري الحالي حلمي النمنم في كتابه "سيد قطب وثورة يوليو"، فإن قطب كان مشاركاً في التحضير لانقلاب يوليو، وكان من الذين ساندوا الضباط الأحرار بكتاباتهم بعد قيامها. فهو أول من سمى الانقلاب بالثورة، وعارض ما أُشيع عن نية الضباط العودة إلى ثكناتهم، وكذلك طالب محمد نجيب في بعض مقالاته بالقضاء على الإقطاع وذيول الملكية والمُضي قدماً في عملية التطهير. وفي الوقت الذي كان فيه قطب مقرّباً من رجال الثورة، كانت ميوله الفكرية تقترب شيئاً فشيئاً من جماعة الإخوان المسلمين، حتى انضم إلى صفوفها بشكل رسمي عام 1953.

وبحسب ما أورده في كتابه "لماذا أعدموني" يشرح مسألة التحاقه بالجماعة بالقول: "كانت علاقاتي بجماعة الإخوان تتوثق باعتبارها في نظري حقلاً صالحاً للعمل للإسلام... وهي الحركة التي ليس لها في نظري بديل يكافئها للوقوف في وجه المخططات الصهيونية والصليبية والاستعمارية". وفي السنوات الأولى من الثورة، كانت علاقة قطب بكل من الضباط الأحرار والإخوان، تسير على خطين متوازيين، ولكن مع بدء تعارض المصالح بين الثورة والجماعة من جهة، وإعلان قطب انضمامه بشكل رسمي إلى الثانية من جهة أخرى، بدأ الصدام بين المفكر "الثوري" والحركة التي لطالما دعمها ووقف بجانب قادتها من قبل. وكان ترؤس قطب لتحرير مجلة "الإخوان المسلمون"، ونشره لعدد من المقالات المنتقدة للنظام الحاكم، سبباً في غضب السلطة عليه. وفي أواخر 1954، تم تقديمه للمحاكمة بتهمة الاشتراك في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في حادث المنشية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً. وفي 1964، تم الإفراج عن سيد قطب بعفو صحي بقرار من رئيس الجمهورية، بعدما ناشده ذلك الرئيس العراقي عبد السلام عارف. لكن، بعد أقل من عام واحد من إطلاق سراحه، تم القبض عليه مرة أخرى عام 1965 مع عشرات من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ووجهت إليهم تهمة إنشاء تنظيم يهدف إلى قلب نظام الحكم وتدبير عمليات إرهابية ضد بعض الشخصيات القيادية وتدمير عدد من المنشآت العامة، وصدر ضده حكم بالإعدام مع عدد من كبار رجال التنظيم، وتم تنفيذ الحكم في 29 أغسطس 1966.

الإرث الفكري الإسلامي لقطب

في كتابه "سيد قطب من الميلاد للاستشهاد"، يميز صلاح الخالدي بين ثلاث مراحل مرت بها كتابات قطب الإسلامية الطابع: المرحلة الأولى، هي تلك التي غلب عليها الجانب الفني والأدبي، وفيها نشر قطب كتابيه "التصوير الفني في القرآن" عام 1945، و"مشاهد القيامة في القرآن" عام 1947، وقد عمل قطب في كليهما على تبيان نماذج من الصور الفنية الرفيعة الواردة في القرآن.

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت منذ وجود قطب في أمريكا، حيث كتب فيها عدداً من الكتابات الفكرية الإسلامية العامة، ومن أهمها "العدالة الاجتماعية في الإسلام" في 1949، و"معركة الإسلام والرأسمالية" في 1951، و"السلام العالمي والإسلام" في العام نفسه. أما أهم كتبه في تلك المرحلة، فكان "في ظلال القرآن" وهو تفسير موضوعي للقرآن الكريم، نشره قطب على حلقات متسلسلة، وتم طرحه في شكل مجلدات مجمعة في ما بعد. والمرحلة الأخيرة في حياة سيد قطب الفكرية كانت المرحلة الثالثة، التي امتدت منذ لحظة انضمامه إلى الإخوان المسلمين حتى وفاته. في هذه المرحلة، أعاد قطب نشر كتابه في ظلال القرآن بعد أن أجرى عليه بعض التعديلات والتنقيحات التي تتوافق مع ما استجد على أفكاره وآرائه. ومن أهم المؤلفات التي أصدرها في تلك الفترة، "هذا الدين"، "الإسلام ومشكلات الحضارة"، و"خصائص التصور الإسلامي". أما كتابه الأكثر شهرة، فكان "معالم في الطريق" الذي صدر عام 1964. ومن المعروف أن هذا الكتاب تم تأليفه على شكل فصول أثناء وجود قطب في مستشفى السجن، وكان يقوم بتسريب تلك الفصول تباعاً إلى الخارج بواسطة أخته أثناء زيارتها له. ويؤكد يوسف العظم في كتابه "الشهيد سيد قطب: رائد الفكر الإسلامي المعاصر" أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي، كان قد قرأ مسودة الكتاب قبل طباعته، وأنه هو الذي اتخذ القرار بنشره وتوزيعه على أعضاء الجماعة الموجودين خارج السجون الناصرية.

ويُعدّ كتاب معالم في الطريق، بما تضمنه من مفاهيم الجاهلية والحاكمية والاستعلاء، وضرورة البعد عن المجتمعات الكافرة، بمثابة الدليل الفكري والمرجع التنظيري الأول للجماعات الجهادية، لما فيه من أفكار مؤسسة لا غنى عنها في مسار الفكر الجهادي. على أنه من الملاحظ أن الكتاب يحمل بين طياته تصورات عمومية ورؤى فكرية شاملة، ولا يهتم بالخوض في التفصيلات الفقهية الدقيقة، وهو الأمر الذي ساعد على انتشاره بين الكثير من الجماعات الجهادية رغم ما بينها من اختلافات وتباينات في وجهات النظر والآراء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard