شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
قُتلوا بدل المرّة ألف: جثامين العسكريين المخطوفين لدى داعش تعود إلى أهاليهم

قُتلوا بدل المرّة ألف: جثامين العسكريين المخطوفين لدى داعش تعود إلى أهاليهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 28 أغسطس 201710:48 ص
طُوي ملف العسكريين المخطوفين لدى "داعش"، ووصل المسير إلى خواتيمه، نهايةٌ سوداءُ لطالما أقنع ذوو العسكريين أنفسهم بعدم حصولها، تجرّع الأهالي من كأس الإرهاب سمّاً لم يريدوه، أبناؤهم شهداء. لأكثر من عامين، اكتنف الغموض ملف العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى داعش، لم ترشح أي معلومةٍ تُبرّد قلب حسين يوسف ورفاقه. خرج حسين، والد الشهيد العسكري محمّد يوسف في مؤتمرٍ صحفي ينعي نجله متمسكاً بآخر حبال الأمل، قد يكون محمد حيّاً. عاد محمد، لطالما حلُم حسين بلحظة اللقاء ومثله أهالي العسكريين الآخرين، لكن اللقاء كان قاسياً، طُبعت في ذاكرة أهالي العسكريين صورتان، صورة العسكريين في الأسر يناشدون الحكومة إطلاق سراحهم، وصورةٌ أخيرةٌ لهم محرّرين كجثامين ورُفات.

من خطف وتآمر وسهّل؟

الثّاني من آب 2014، يقرر تنظيم داعش إطلاق "غزوة عرسال" لتحرير أحد قادته عماد جمعة. صدّ الجيش اللبناني الهجوم ووقع بعض عناصره بالأسر، إضافةً إلى عناصر مخفر عرسال من قوى الأمن الدّاخلي. تقاسم تنظيم داعش مع جبهة النصرة الأسرى، قرار الجيش كان حاسماً بضرورة تحرير العسكريين، ولا ينفك قائد فوج المغاوير السابق شامل روكز عن ذكر ذلك، لكن القرار السياسي لم يكن متوفّراً. ResizeImageHandler.ashxResizeImageHandler.ashx قد يستغرب المراقب إن لم يكن لبنانياً، غياب القرار السياسي الداعم للجيش في معركةٍ بمواجهة الإرهاب، دعم الجيش في معركته أمرٌ طبيعي وفي الحروب تكون الكلمة الطولى للعمل العسكري لا السياسي، تقدّمت السياسة على الخطط العسكرية في العام 2014. فما بين 3 مليارات دولارٍ وعدت بها السعودية كدعمٍ للجيش اللبناني، مع أنّه ولليوم لم يصل منها أي شيء، وطموحٍ رئاسي لطالما راود جنرالات العسكر في لبنان، سُمح لهيئة العلماء المسلمين بالدخول على خط المعركة، وتحويل الإرهابيين إلى مسلحين قابلين للتفاوض. رفع تمّام سلام هاتفه وهاتف قائد الجيش السابق، طلب منه إيقاف المعركة والانسحاب من تلّة إستراتيجية، كان العسكر مختطفاً حينها، ومع ذلك فرض رئيس الحكومة تمام سلام على الجيش إنهاء معركته. تحصّن المسلّحون في الجرود، احترفوا الزراعة وألعاب الفيديو، بينما تحوّل أهالي العسكريين المخطوفين إلى سكان خيامٍ في ساحة رياض الصلح ببيروت. اعتصم الأهالي وقطعوا الطرقات، تحمّلوا ذلاً من طبقةٍ سياسيةٍ كانت تعي منذ العام 2015 أن العسكريين استشهدوا، لم يُخبر أحدٌ من الطبقة السياسية أهالي العسكريين بالنبأ، لا لغياب الجرأة بل لكون الملف ملفاً دسماً قابلاً للاستثمار السياسي، تُرك حسين يوسف ورفاقه في الطرقات، صيفاً وشتاء يحملون صور أبنائهم والأمل.

وقاحة غير موصوفة

أفضت التحقيقات منذ عامٍ ونصف العام مع معتقلين تابعين لتنظيم داعش عن كشف مصير العسكريين وأسماء من أجهزوا عليهم، عرفت الأجهزة الرواية الكاملة ولم تنشرها. الأجهزة أبلغت بدورها السياسيين بالنتائج فلم ينشروها، نام السياسيون على مخداتهم في كل ليلةٍ بضميرٍ ميت، وأهالي الأسرى لم تذق عيونهم النوم بل طافت بالدموع. يخاف السياسيون المشاركون في عملية الخطف والتغطية كشف أدوارهم، يفضلون الإجهاز على مقاتلي داعش أو ترحيلهم على القبض على المقاتلين ومحاسبتهم كي لا تُكشف الأدوار. اعتمدت الحكومة اللبنانية، او الحكومات المتعاقبة، سياسة المواربة ودفن الرأس بالتراب في ما خص ملف العسكريين المخطوفين، لا تفاوض مع التنظيم بالرغم من امتلاك أوراق وازنة، ولا عمل عسكرياً خوفاً على مشاعر هيئة العلماء المسلمين التي غطت أحمد الأسير وعملياته، وساهمت في عرقلة مهمات الجيش، عوضاً عن ذلك، تلهّى المسؤولون بتدخين السيجار وفتح قناني الشامبانيا.

لم يُرحّل الدّواعش ولم يتحقق الانتصار

يتحقّق الانتصار بالشق الأخلاقي عندما يُحترم المواطن، عندما تنتفض الدولة بحكومتها وأجهزتها دفاعاً عن مواطنيها، لا طمعاً بزياداتٍ ضريبية أو تقاسمٍ للحصص، لم ننتصر في الجرود فعلياً، أصبح الظرف السياسي مناسباً ليفكّ السياسيون أيديهم عن رقبة الجيش، فتحرّك الجيش انتقاماً لكرامة عسكرييه الشهداء. الدولة المنتصرة والمسؤولون فيها، عبّاد الشاشات والتصريحات الرنانة، أضافوا إلى سجلّاتهم مادةً جديدة للاتجار الانتخابي، محقّقين انتصاراً شبيهاً بانتصار نهر البارد، يموت العسكر، يهرب المجرم، أو "راجح" من مسرحية فيروز، ويتقبّل السياسيون التهاني شاربين كؤوس الدم. بينما يبكي الأهالي أبناءهم، يتوجّه موفق الغضبان - أبو السوس، أمير داعش في القلمون مع 350 مقاتلاً من مقاتليه إلى مناطق آمنة، ليلحق بأبو مالك التلي وشاكر العبسي وغيرهما. سينسى السياسيون القضية كما الشعب، وسيبقى الألم رفيق الأهالي، ليتحوّل حسين يوسف ومن معه من أهالي العسكريين إلى أيقوناتٍ للألم، تخجل الدّموع أمام حزنهم، ويستحي الصّمود من صبرهم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard