شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رحلة في عقول الانتحاريين: لهذه الأسباب اختاروا الجهاد

رحلة في عقول الانتحاريين: لهذه الأسباب اختاروا الجهاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 14 يونيو 201712:04 م
شكلت ظاهرة الجهاد خلال السنوات الماضية نقطة استفهام محورية بسبب أعداد الشبان الذين انتقلوا إلى سوريا للقتال، لا سيما الأجانب منهم.
بحسب دراسة نشرها مركز روابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية ينتمي أغلب المنضمين لصفوف داعش من دول غربية إلى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين. قد يشعر هؤلاء بفقدان للهوية، أو بشرخ واضح بين ما يتساءلون عنه (مجتمعاتهم السابقة) وما يخوضونه اليوم (مجتمعاتهم الحالية). إلا أن مراقبة ودراسة الرسائل التي يوجهها عناصر التنظيم للعالم بعد كل تفجير أو حدث أمني يشير إلى أن عمق المشكلة لا يقتصر على أجيال المهاجرين فقط. في تحقيق جديد، حاولت صحيفة لوموند Le Monde الفرنسية التعمق بتفسير ما يفكر به الجهادي قبل وخلال تنفيذ مهمته. وخلص التحقيق إلى أن عوامل عدة، نفسية ودينية، تلعب دوراً أكبر من العوامل الاجتماعية لناحية التأثير على عقول الشباب وحثهم للانضمام إلى كنف الجماعات الإرهابية. عدد كبير من الانتحاريين - أو أولئك الذين حاولوا وفشلوا باتمام عملياتهم الانتحارية - تركوا رسائل لإناث في حياتهم. ساعدت تلك الرسائل، بالاضافة إلى شهادات جهاديين آخرين معتقلين، الصحيفة الفرنسية على بناء دراسة تربط بين الشعور بالذنب تجاه ما يحصل في العالم العربي وسوريا تحديداً، وبين انتقال الشبان من نمط عيش طبيعي إلى الجهاد وتنفيذ العمليات الانتحارية. في هجمات باريس وبروكسل على سبيل المثال، وجدت دراسة "لوموند" أن المخطط لهجمات باريس، صلاح عبدالسلام، الذي لم يكمل عمليته بعد تردده بتفجير نفسه، كان قد ترك رسائل لثلاث نساء في حياته: والدته وشقيقته وصديقته المقربة، وكذلك فعل كل من مهاجمي مطار بروكسل، خالد وابراهيم البكراوي. واحد من الملفات التي تمت دراستها عن كثب، كان التسجيل الصوتي الذي تركه ابراهيم البكراوي لوالدته. مدة التسجيل 33 دقيقة، يشرح خلالها سبب غضبه وثورته ويقول: "سوف تسمعين الكثير من الناس، لذا أريد أن أوضح لك أمراً... هناك أصحاب لحى طولها مترين، يعرفون القرآن عن ظهر قلب، ويمارسون... لنقل الإسلام، ولكنهم يكذبون على الله ورسوله... سوف يصفوننا بأننا وحوش، ويقولون أن لا علاقة لنا بالإسلام... مع أننا لسنا متعلمين، ولا نحفط القرآن عن ظهر قلب، إلا أننا نملك قلباً حياً... عندما نرى مسلمين يضطهدون منذ عقود، ونرى أن هؤلاء الأشخاص لم يعلنوا الجهاد يوماً في سبيل الله، ولكنهم يبيحون لأنفسهم انتقاد الذين يختارون القتال... سيكون موعدنا في يوم القيامة، أمام الله، وسنرى أي حجج سيقدمون". خيار البكراوي الجهادي نابع من "إحساس بالذل". يعود ذلك الشعور بالذل إلى الحرب السورية التي أعلنت خلالها مجموعات متشددة قيام تنظيم داعش "لحماية الإسلام والحفاظ على كرامة المسلمين". من دون الوعي السياسي اللازم، أو فهم حقيقة طبيعة الصراع القائم، يسهل توظيف غريزة الانتماء التي تدفع للتخلي عن الهوية الذاتية، وسط حالة من الإحباط، ليجد هؤلاء الشبان في التنظيم الارهابي "ملاذاً لهم" يدفعهم لإعادة استكشاف ذاتهم، ولكن بالطريقة التي تخدم أهداف التنظيم. يؤكد أسامة كريّم، الذي ظهر في تسجيلات مترو "مالبيك" بالعاصمة بروكسل إلى جانب الانتحاري الذي نفذ التفجير، في شهادته للقضاء، أن: "الارهاب ليس شخصية، تستطيعون قراءة تاريخ الإسلام، وستجدون أن المسلمين لم يبادروا يوماً بالهجوم أو بالأذية". يقول كريّم إن منفذ إحدى الهجمات، خالد البكراوي، كان يردد دائماً: "لولا تدخل الغرب في سوريا مثلاً لكان المسلمون هناك يعيشون برخاء وأمن مع أطفالهم والعنف لن يكون ضرورياً في تلك الحالة”. وفي رسالته إلى والدته يقول ابراهيم البكراوي أن المسلم الحقيقي لا يؤمن بقول "من صفعك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر لأن الانتقام من قيم الإسلام"، وهو تبريره لما يقوم به انتحاريو داعش، انتقاماً من تدخل بعض الدول في الصراع السوري. يقول في تسجيله إن "الدولة الإسلامية بدأت تستعيد ما فقده العالم العربي" فيما يشرح خالد البكراوي برسالة لزوجته سبب قيام الدولة الاسلامية الآن وفي هذا العصر، بعد أن تم القضاء على ما كان يعرف بالخلافة الإسلامية عام 1924، يومها تخلى الناس عن الإسلام والجهاد، فأتت الدولة الإسلامية - بحسب ابراهيم - لتحصد انتصارات متتالية. يشرح الصحافي سورين سيلو، الذي ناقش في تحقيقه كل الأطر والجوانب التي تحيط بلغز اندفاع الشبان إلى الجهاد، أن استخدام الحجج الإنسانية للمس بمشاعر المجندين الجدد هو سلاح فتاك، إذ يتم تحويل الدعاية إلى أسلحة دمار بوسعها التحكم بعقول الشباب، ويظهر ذلك بالرسائل التي وجهوها إلى ذويهم: الشعور بالفخر والتوق إلى الانتقام المبَرر هما العنوانان الرئيسيان.
من يختار الجهاد، يفسر كلمة دِين على أنها دَيْن يجب إيفاؤه لله، وبذلك يكون انخراطه بالجهاد مبرراً أكثر
ما الذي يحدث في عقل الانتحاريين، ولماذا يتردد بعضهم في اللحظة الأخيرة؟

لماذا لا يكمل البعض العملية الانتحارية؟

أكد المحلل النفسي فتحي بن سلامة للوموند أن من يختار الجهاد، يفسر كلمة دين على أنها ديْن يجب إيفاؤه لله، وبذلك يكون انخراطهم بالجهاد مبرراً أكثر. يتحول بذلك العداء الداخلي الذي يضمره الفرد إلى عداء خارجي يشعرهم بقدرتهم على السيطرة على مجريات الأحداث وحتى تحديد مصائر الناس خلال الهجمات، لأن حياة الضحايا تصبح بين أيديهم. أما عن سبب عدم نجاح كل من أسامة كريم وصلاح عبدالسلام ومحمد عبريني بتفجير أنفسهم، فشرح أسامة كريم للقضاء خلال تقديم شهادته أن الإيمان يلعب الدور الأساسي ويكون الدافع الأول، فإذا لم يصل الشخص إلى درجة عالية من الايمان لن يتمكن من القيام بمهمته وتفجير نفسه. وبعكس الأخوين البكراوي، لم يصل الآخرون للدرجة نفسها من الإيمان، وهو أمر يظهر بحسب "لوموند" في الرسائل التي فصّلوا فيها - دينياً - أسباب اختيارهم الجهاد. يحاول المنضم للإسلام حديثاً أو كل من غاص بالدين في فترة متقدمة من العمر إثبات التزامه وتدينه أكثر من غيره بسبب الضغط الذي يشعر به كونه "حضر متأخراً لاستكشاف الإسلام”، ففي شهادات عدة لأشخاص كانوا مقربين من جهاديين، أكدوا أن التحول حصل بشكل جذري: شخص غير مؤمن ومتدين تحول بين ليلة وضحاها إلى شاب متمسك بالإسلام، يحاول جاهداً أن يثبت جديته والتزامه. هذه النظرية يؤكدها محمد عبريني، المتهم بالتخطيط لهجوم بروكسل، خلال شهادته أمام القضاء فيقول: "التحول كان واضحاً، محاولة إثبات البعض أنهم مسلمون أكثر من غيرهم تدفعهم لتنفيذ عمليات انتحارية بغية إثبات ذلك". وبالفعل، البعض ينجح بإتمام عمليته كاملة بسبب إصراره على الوصول إلى "الحقيقة المطلقة"، إذ يصبح الموت مجرد حقبة يمر بها جسده.

لماذا هذا التحول المفاجئ؟

شهادة أسامة كريّم الذي تردد ولم يفجر نفسه في بروكسل عام 2016، تشدد على أن جنود الدولة الإسلامية مقتنعون كلياً بمبدأ العين بالعين، لأن عدداً كبيراً منهم يرى أن أعداد ضحايا قصف التحالف مثلاً مؤشر على الأعداد التي يجب أن تستهدف في هجمات داعش بهدف الانتقام، "ليدفع كل مؤيد للتحالف ثمن قصف الأخير مناطق مدنية". بالإضافة إلى ذلك، تلعب الوعود بالنساء والجنس دوراً كبيراً في تحفيز الانتحاريين، عام 2014، انتشر فيديو على موقع يوتيوب يظهر فيه مقاتل فرنسي مع داعش ملقب بـ"أبو ياسين"، الشاب الذي بدا مصاباً كان يتحدث خلال تلقيه العلاج وقد بدا عالقاً بين حالتي الوعي واللاوعي بسبب الأدوية التي أعطيت له لمعالجة جروحه. اللافت، بالإضافة إلى ما قاله أبو ياسين، هو استخدام داعش لذلك الفيديو بهدف الترويج لبروباغندا أوسع من نظرية "الحفاظ على الإسلام والجهاد في سبيله". يومها كشف التنظيم أن واحدة من الطرق التي يعتمدها لجذب الشبان هي تقديم وعود لهم بحياة أفضل بعد الموت، حيث يضمن لهم التنظيم عبورهم الى جنة مليئة بالحوريات. ادعى أبو ياسين في التسجيل أنه يخاطب الحور (الحوريات) وقال إنه سعيد جداً، يرى نساء جميلات ومفاتنهن، لا يصدق ما تراه عيناه، ويتوق إلى الجنة. هل الهلوسات سببها أدوية؟ قد يكون ما رآه الشاب صحيحاً، ولكنه ببساطة بسبب الهلوسات، بحسب تقرير نشره الكاتب والباحث بول كان عام 2016 يشير إلى تعاطي أغلب أعضاء الجماعات الإرهابية للمواد المخدرة والمهدئات لزيادة قدرتهم على تنفيذ العمليات بهدوء تام.

حماية الإسلام وضمان انتصاره

تحت هذا الشعار، يتم تصميم وصقل عقل الانتحاري المستقبلي، ويكفي أن تجتمع تلك الأسباب مع شعور الفرد بالذنب والعجز، مع وعود متكررة بآخرة وجنة ومكافآت نقية، ليجد الشاب نفسه مقتنعاً ومتمسكاً بضرورة خدمة القضية ونصرة الإسلام. كل تلك العوامل مجتمعة، تؤدي إلى اقناع الانتحاري بأهمية مهمته وضرورة إكمالها. البروباغندا المستمرة التي يقوم بها تنظيم داعش والتي قد يسخر منها البعض لا بد أن لها تأثيراً على الشبان: فالانتاجات البصرية الضخمة، بالإضافة إلى الموسيقى الترويجية والأناشيد الجهادية تلعب دوراً مهماً في تحفيز الأشخاص القابلين على التغيير. تكثر الدراسات التي تناقش الأناشيد الجهادية وتأثيرها، وأبرزها لمرصد التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية الذي رصد في تقرير له مدى اعتماد التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية على الأناشيد التي أصبحت جزءاً أساسياً في نشر الأفكار وجذب وتجنيد مقاتلين جدد. وأكد التقرير الذي اعتمد على دراسة محتوى أكثر من مئة نشيد أن هذه الجماعات أفردت مساحة واسعة للنشيد كأداة مهمة للتحفيز وخلق "ثقافة الجهاد".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard