شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كم من المال كافٍ ليشتري لنا السعادة؟

كم من المال كافٍ ليشتري لنا السعادة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 يونيو 201706:44 م

"الناس الذين لا يملكون المال ويقولون إنهم لا يحبونه، لا يعرفون ما هو المال. الأمر نفسه للأشخاص الذين يملكون الكثير منه ولا يحبونه، ردّوه!". كارل لاغرفيلد. من منا لم يحلم بالفوز بجائزة "لوتو" أو ورقة يانصيب بهدف جني ثروة طائلة، طمعاً بالسعادة "المطلقة"؟ من منا لم يتمن أن يكون قد ولد وفي فمه "ملعقة ذهب" رغبةً بالحياة السعيدة؟ يتمنى أي شخص أن يملك بيوتاً فارهة، وسيارات فاخرة وشراء ما يحلو له من دون أن ينتظر الراتب آخر كل شهر، فيضطر أحياناً لحرمان نفسه من بعض الأمور التي يدرجها في خانة "الكماليات"، بينما هي من الـ"بديهيات" بالنسبة لأصحاب الثروات والدخل المرتفع، الذين لا ينفكون يتذمرون رغم امتلاكهم أموالاً طائلة لا تحرقها النيران. يبرز هنا سؤال لطالما حيّر العلماء والمتخصصين، خصوصاً أن الآراء متضاربة بشأنه: هل يجلب المال السعادة؟

المال عبء على صاحبه

"يا رب تشتي بغزارة، تشتي علينا فلوس"، لطالما رددنا هذه العبارة من دون أن نفكر ملياً بها، هل فعلاً سعادة الإنسان تقاس بحسابه المصرفي ودفتر شيكاته، أو بمدى التزامه بالقيم والمبادىء الشخصية وقدرته على مجاراة أحلامه؟ فقد اتضح أن الأشخاص الذين لحقوا ركاب أحلامهم وأنصتوا إلى ما يدور في قلوبهم هم أكثر سعادة من أولئك الذين تخلّوا عن أحلامهم وتمسكوا بشخص غنيّ باسم "الحب المزيّف" لانتشالهم من وضعهم المادي الصعب، أو اختاروا مهنة معينة لإرضاء أهلهم ومحيطهم.

هذا ما حصل مع عبدو (33 عاماً) الذي أسكت شغفه والتحق بالشركة التي يملكها والده. يقول: "صحيح أنني مرتاح مادياً ولديّ الكثير من الصلاحيات في الشركة، غير أنني لست مرتاح البال على الإطلاق"، مشيراً إلى أن المال الذي بين يديه نغّص عليه حياته وتحول من نعمة إلى نقمة. يخبر الشاب الثلاثيني أنه كان يحلم بأن يكون ممثلاً، غير أن والده تمنى عليه بأن يدرس الهندسة، ليكون إلى جانبه في العمل: "تخليت عن شغفي في التمثيل بناءً على رغبة والدي. صحيح أن منصبي جيد والمعاش الذي أتقاضاه يعد مغرياً بالنسبة إلى كل الشباب من جيلي، لكني لست سعيداً خصوصاً أنني أشعر أن حريتي باتت مقيّدة". يكشف عبدو كيف أن وضعه المالي "الجيّد" جعله يقع ضحية عدة فتيات خرجن معه طمعاً بماله: "بعد التجارب القاسية التي مررت بها في حياتي، أصبحت أشك في كل بنت أواعدها، وأتساءل عما إذا كانت تحبني بالفعل أم تحب مالي. قد نشتري بواسطة المال كل الماديات التي نرغب بها، ولكن هل نستطيع أن نشتري الحب الوفي والصداقات؟".

المال لا يشتري السعادة المطلقة

حاول موقع "بلاتفورم بياناتر"الإجابة على السؤال التالي:"لماذا لا يستطيع المال أن يشتري السعادة"؟، مشيراً إلى أن السعادة هي حالة داخلية، وشعور ينبع من القلب. فالمال أو الوظيفة أو حتى العلاقات الاجتماعية، كلها أمور لا تحقق السعادة كون هذه الأخيرة هي حالة يشعر بها المرء من أعماقه. وبالتالي يؤكد الموقع نظرية أن المال لا يجلب السعادة، على اعتبار أن النقود تشكل عنصراً خارجياً بينما الفرح هو حالة نفسية داخلية. وبحسب الموقع: "يمكن للمرء أن يعيش وحيداً ويقضي وقته بالتأمل، أو يقوم بأي نشاط فردي، ويكون أسعد من شخص غني لديه وظيفة مرموقة". وفي حياتنا اليومية، نصادف أشخاصاً "ميسورين"، نظنهم سعداء في حياتهم، غير أن المظاهر قد تكون خادعة، والحقيقة معاكسة. فالشخص "المرتاح مادياً"، إن جاز التعبير، قد يكون في حالة نفسية مضطربة، ويعيش في قلق دائم، طمعاً بالمزيد وخوفاً من خسارة ثروته، بخلاف الفقير، الذي لا يخشى من الخسارة. واعتبر موقع "ليزافير" أن جمع المال أشبه باللذة التي يوفرها لوح الشوكولا، فصحيح أن أول قضمة تعطينا لذة معينة، ولكن عند تناولنا القطعة الأخيرة فإن مقياس اللذة لن يعود نفسه كما في البداية. فقد تمكن عمر (40 عاماً) بفضل مجهوده الشخصي من اعتلاء سلم النجاح، وتحقيق ثروة لا بأس بها، من خلال بيع العقارات. ويقول لرصيف22: "تربيت في عائلة فقيرة، كان والدي يعمل في القطاع العسكري وراتبه محدود، وكنت محروماً من كل شيء تقريباً، ومن باب الصدفة دخلت مجال بيع العقارات وبدأت أجني أرباحاً طائلة". وهل ثروته الجديدة مصدر سعادة بالنسبة إليه، يجيب: "صحيح أنه بات بمقدوري أن أشتري ما أريد، لكن مع الوقت تتغير التطلعات. ففي البداية، كنت أفرح بمجرد الخروج لتناول الطعام في مطعم فاخر، وبعدها بدأت أعتاد حياة الترف. فالسفر لم يعد يستهويني كما في السابق، ولا اقتناء سيارة رياضية أحدث موديل. كلها أمور اعتدتها وبدأت أتطلع إلى ما هو أهم من ذلك، وهو أمر يتعبني باستمرار". ويضيف: "بصراحة أفقدني المال الإثارة والرغبة في الأشياء التي كنت أسعى دوماً إلى اقتنائها قبل أن أصبح ثرياً، وبالتالي أصبحت أبحث عن السعادة كمن يبحث عن إبرة في كومة قش".

السعادة تكمن في الملذات العابرة

بخلاف ما يعتقد البعض، فإن السعادة ليست مرتبطة بالأمور المادية والأموال الطائلة بل بملذات عابرة وبسيطة. وقد تفاجأون حين تعلمون أن ورقة اليانصيب الرابحة ليست تذكرة دخول إلى عالم السعادة، كما يؤكد موقع "بي بي سي". فبالرغم من أن فوز المرء بهذه الجائزة يجعله يترك عمله الشاق والدوام الطويل "من الفجر للنجر"، ويصرف أمواله على أمور يحبها، فإن العلماء أكدوا أن أولئك الذين يفوزون بجوائز كبيرة، ليسوا أكثر سعادة من الذين اشتركوا في السحب ولم يحالفهم الحظ. وفي هذا الصدد يوضح الموقع أن السعادة هي حالة غامضة ومعقدة، تغذيها ملذات عابرة وبسيطة، فضلاً عن مغامرات وخيارات قد تكون وليدة اللحظة، لكنها تجعل المرء يشعر بفرح لا يوصف. لاحظ الباحثون أن الناس بمعظمهم يصرفون أوقاتهم وهم يقيسون مدى السعادة من خلال أمور مادية فارغة لا معنى لها، وبالتالي يشيحون نظرهم عن المعنى والجوهر الحقيقي للسعادة. ولتأكيد هذه النظرية، قام كريستوفر هسي من جامعة شيكاغو، باختبار، فأعطى من خلاله المشتركين خيارين: إما العمل لمدة 6 دقائق للحصول على غالون يحتوي على بوظة الفانيليا، أو العمل لمدة 7 دقائق والحصول على غالون فيه بوظة الفستق. وقد اختار أقل من 30% من المشتركين المهمة الأطول، لأنهم ببساطة يفضلون بوظة الفستق على الفانيليا. غير أن الدراسة ذهبت أبعد من ذلك، فعرض هسي أمام مشتركين جدد الخيار نفسه، ولكن مع إدراج نظام "النقاط": العمل 6 دقائق مقابل الحصول على 60 نقطة وغالون آيس كريم الفانيليا، أو العمل 7 دقائق والحصول على 100 نقطة وغالون آيس كريم الفستق. وبالرغم من أن الاختبار هو نفسه، غير أن إدراج مبدأ النقاط أثر بشكل كبير على خيارات المشتركين، فاختارت الغالبية المهمة الأطول، بهدف كسب 100 نقطة والحصول على بوظة الفانيليا، مع أن نحو 70% من المشتركين أشاروا إلى أنهم يفضلون بوظة الفانيليا. وبالتالي كشف الاختبار أن المشتريكن فضلوا رفع نقاطهم على حساب سعادتهم، كونه يمكن قياس النقاط والمقارنة بين 60 و100 نقطة، في حين أنه من المستحيل قياس مدى المتعة.

متى يتحول المال الى نعمة؟

في كتابهما: "المال السعيد: علم الإنفاق الأكثر ذكاء"، توصل كل من إليزابيث دان، أستاذة علم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية، ومايكل نورتون من جامعة هارفارد، إلى الخلاصة التالية: حين يصل المرء إلى مرحلة معينة من الرفاهية، فإن كسب المزيد من المال لن يضمن له الشعور بالسعادة. وفي هذا السياق، قد يسأل البعض: "ما هو المبلغ الذي يعتبر كافياً لنكون سعداء؟". صحيح أن الجواب قد يختلف وفق احتياجات كل شخص، والبلد ومستوى المعيشة، إلا أنه، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في الولايات المتحدة الأميركية، تبين أن الدخل السنوي الذي يؤمن السعادة" هو 75000 دولار، وكل دخل يتخطى هذا الرقم لن يجلب لصاحبه السعادة المنتظرة، إلا في حالة واحدة: الإنفاق بذكاء. إذ اتضح أن المرء حين يصرف أمواله على السفر، أو لقضاء أمسية مسلية، سيكون أكثر سعادة على المدى الطويل من شراء أمور مادية، كسيارة جديدة أو لعبة إلكترونية. وهذه النظرية يوافق عليها عصام الذي يستشهد بقول: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". مؤكداً: "المال يوفر السعادة شرط أن يحسن المرء إنفاقه، إذا كان المرء غنياً، فسيتمكن من القيام بكل الأمور التي يريدها، ولن يخاف من الجوع والعوز، لكن الأهم أن يتقن إنفاقه بطريقة صحيحة". ويوضح عصام، الذي ذاق طعم الفقر في مرحلة من حياته قبل أن يبتسم له القدر، أنه يحرص على السفر وممارسة هواياته كلها، من دون أن ينسى مساندة الجمعيات خصوصاً التي تهتم بالعائلات المحرومة: "حين أساعد غيري أشعر بسعادة لا توصف، فما من أمر يفرحني سوى أن أرى ابتسامة شكر على وجه محتاج وفقير".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard