شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الوجه الآخر لغسان كنفاني: سخريته اللاذعة باسم مستعار

الوجه الآخر لغسان كنفاني: سخريته اللاذعة باسم مستعار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 12 يونيو 201702:44 م
عندما وقعت بين يدي نسخة من كتاب "مقالات فارس فارس"، شعرت بإحراج شديد، إذ لم أدرِ لماذا استغرقني كل هذا الوقت حتى اكتشفت بأن لغسان كنفاني وجهاً آخر ساخراً ومقالات كان يكتبها أسبوعياً في عدد من المجلات والجرائد تحت اسم مستعار "فارس فارس". كان يتيح له هذا القلم المستعار من الحرية والحصانة ما يكفي لكي ينقضّ بكل سخرية لاذعة على ما يقع بين يديه من فرائس الأدب والفن. وقد أحببت جداً الجانب الساخر من غسان تماماً كما أحببت جانبه الوطني والأدبي، واستمتعت بغسان وهو يلعن "سنسفيل" - كما كان يردد في العديد من مقالاته - معاصريه من الشعراء والكتاب والمفكرين ومن مدعي الأدب أيضاً. وفيما يلي مقتطفات اعجبتني من مقالاته:

في انتقاده لأحد المؤلفات الرديئة، يقول كنفاني:

"جرت العادة في هذه الأيام، وعند الدكاكين المتطورة، أن يقدّموا لك مجاناً صابونه إذا اشتريت علبة برش. وجوز كلسات إذا اشتريت بنطلوناً... وهذا الأسلوب هو تطوير حضاري لما كانت أمهاتنا يسمينه "عالبيعة الله يخليك!"... هذه المقدمة ضرورية كي أفسّر لماذا شعرت بان الكتاب الذي اشتريته مؤخراً كان ناقصاً هدية "عالبيعة". فقد كان من المفروض أن تعطى معه مجّاناً سلّة مهملات، كإشارة إلى مصيره، أو على الأقل كان من المفروض أن تربط إليه عصا خيزران، وذلك كي ينهال القارئ على نفسه ضرباً بعد الانتهاء من قراءته، من باب الندم والنقد الذاتي...".

وفي الفن:

"إذا كان الفن هو التحرر من الوعي والعقل فينبغي أن يكون تجار المخدرات هم من الناشرين... وإذا كان الفنَّان هو الأكثر هروباً من مسؤولية الوعي، فإنَّ بطحة عرق أبو سعدى هي أكبر وحي... وإذا كان العمل الفنِّي هو الهذيان الأكثر تحلّلاً، فإنَّ المحششين والشمَّامين والسكرانين الَّذين تراهم في آخر اللَّيل منشورين على أرصفة منطقة الزيتونة، هم أدباء العصر...".

ولم يكن غسان كنفاني أشد المعجبين بالإنكليز، فقال عنهم:

"الواقع أن قدرة الإنكليزي على تحويل الشتائم التي ضده إلى شيء لمصلحته تدخل في المثل العربي الذي يقول: "ضربوه بصحن لبن قال ما أطيبو"! وبكلمات أخرى: بأن جلده قد تمسح، إذ ما هو المتوقع من شخص أمضى عمره يستعمر الناس ويشرب الشِّاي في السَّاعة الرابعة؟"
تعرفوا على وجه غسان كنفاني الساخر من ذكورية الرجل ومبدأ الوحدة العربية
إن كنتم من محبي غسان كنفاني، فستكونون أيضاً من محبي "فارس فارس"، شخصية غسان الساخرة

وقد سخر أيضاً من ذكوريّة الرجل:

"في الحيوانات الدنيا لا وجود للذّكر. السيِّدات هناك لايعرفن أيَ سيِّد، ويظل الأمر كذلك إذا صعدنا درجة أخرى في سلم الطبيعة. ثمَّ تصبح السيدة سيِّداً في الوقت نفسه، أي أنها تختصر الجنسين في جهاز جنسي واحد... بعد ذلك يبدأ التلقيح الجماعي، دون أنانيَّة أو تملك (أي كالشجر)... ثم نأتي إلى مرتبة العنكبوتة الشريرة الَّتي تلتهم زوجها وهو في صميم اعتقاده أنَّه سيد الموقف (مثلما يحدث في الكباريهات)، وبعد ذلك تبدأ عمليّة اضطهاد الذّكر للأنثى، التي تصل ذروتها في الجنس البشري، وكأنها انتقام منطقي لتلك المنزلة الوضيعة المحتقرة التي يعيشها الذكر طوال مرحلة ارتقائه من تلك المكانة المنحطة في سلم الحياة، إلى أحضان العنكبوتة السَّالفة الذكر!".

وعن الانتخابات في الدول العربية:

"والحائط - في مواسم الانتخابات - شخصية ديمقراطيّة أساسية، إذ عليه، وعليه وحده، يعلّق المرشّحون صورهم وبرامجهم، وهم يفعلون ذلك لأنَّ العلم لم يتوصل حتَّى الآن إلى إرشادهم لطريقة يعلّقون فيها صورهم وبرامجهم على الهواء، مكانها الحقيقي!"

أما عن مبدأ الوحدة العربية:

"في كتابه يتحدث الشقيري (مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية والذي كان من مناصري الوحدة العربية) عن الوحدة العربية وكأنَّها "برنيطة" موجودة في مكان ما، وما على المرأة إلا أن تلبسها. ولكنَّ الزعماء لا يتبرنطون بها، إمَّا لمزاج، أو لغاية، أو لأنها واسعة على رؤوسهم، أو ضيِّقة!" وقبل أن يرحل عن عالمنا هذا بعد أن اغتاله الموساد الإسرائيلي في 8 يوليو 1972 بأيام، كتب غسان كنفاني مقاله الأخير يستشيط غيظاً بسبب انحياز الصحافة والإعلام الغربي لإسرائيل: "إنَّ هذا العالم الأحمق ليس بوسعه أن يكون أكثر حماقة. وبعد ملايين السنين من انحدارنا من العصور الحجرية ما زالت القاعدة الذهبيَّة إيَّاها هي الصحيحة: إن صاحب الحجر الأكبر، وحامل العصا الأتخن، والبلطجي الشرّاني، هو الذي معه حقّ!"
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard