شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الاقتصاد المنهار والنزاع العائلي

الاقتصاد المنهار والنزاع العائلي "يُجهِزان" على نظام الأسد… هل اقتربت النهاية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 13 أغسطس 202007:32 م

يبدو أن الخلاف المالي في الأسرة الحاكمة في سوريا والتهديد المترتب عليها لسلطة الرئيس بشار الأسد قد يؤديان في نهاية المطاف إلى إطاحته، لا سيما مع الضغط الإضافي الناتج عن انهيار الاقتصاد السوري.

وكشف تقرير خاص لوكالة رويترز كيف وصل الحال بالنظام السوري، بعد عقد من الحرب الأهلية الطاحنة، إلى الحاجة الملحة إلى السيولة حتى أن البنك المركزي السوري استدعى، في أيلول/ سبتمبر عام 2019، كبار رجال الأعمال السوريين وأمرهم بتسليم بعض ثرواتهم إليه.

وعبر تواصلها مع أكثر من 30 مصدراً - بينهم مقربون من عائلة الأسد ورجال أعمال محليون ومسؤولو مخابرات غربيون - ومراجعة الوثائق الرسمية التي توضح انهيار التحالف العائلي الذي امتد إلى جيلين، بيّنت الوكالة كيف وسّع رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال بشار، إمبراطوريته التجارية على مدى عقدين من الزمن، خافياً بعض ثروته عن الرئيس.

وفي أيار/ مايو 2019، أصدر الأسد تعليماته لرئيس المخابرات السورية بتعقب ثروات مخلوف المخبأة في الخارج والمقدرة بمليارات الدولارات. قال مصدر على صلة بعائلة الأسد: "لقد أثار مخلوف الخلاف داخل النظام".

وفي أيار/ مايو الماضي، أقدم مخلوف، حليف بشار القوي سابقاً، على خطوة لم يتوقعها أحد عندما اتهم القوات الأمنية السورية "غير الإنسانية" بـ"مهاجمة حريات الناس".

قبل هذه الحادثة، لم تجرؤ شخصية رفيعة على التحدث ضد النظام من داخل دمشق.

وطالما ساعد مخلوف الأسد على التهرب من العقوبات الغربية على الوقود والسلع الحيوية الأخرى حتى اتهمته الولايات المتحدة باستغلال قربه من السلطة لإثراء نفسه "على حساب عامة السوريين". وقد امتدت إمبراطوريته التجارية إلى قطاعات الاتصالات والطاقة والعقارات والفنادق.

انتهى التحالف بين الرجلين إلى معركة على المال، فدهمت القوات الأمنية السورية شركة الاتصالات سيريتل المملوكة لمخلوف إثر نزاع ضريبي مزعوم واحتجزت عشرات الموظفين لاستجوابهم.

"ثمانية من كل 10 سوريين داخل البلاد تحت خط الفقر"... تقرير يتوقع سقوط النظام السوري "ليس بأسلحة الأعداء" بل بالضغوط الناجمة عن "انهيار الاقتصاد" و"الخلافات المالية" داخل العشيرة الحاكمة

أظهر تحدي مخلوف العلني للرئيس أن تهديد حكم الأسد قد يأتي في نهاية المطاف، ليس من ساحة المعركة ومن خصومه السياسيين، ولكن من حلفائه المخلصين ومن الاقتصاد السوري المنهار. وفي دولة قلما تسامح منتقدي الحاكم، تمكن مخلوف من التحدث علناً مدعوماً بالعلاقة الأسرية التي تجمعه ببشار وبالمكانة التي يحتلها في المجتمع العلوي الذي يهيمن على المراتب العليا في سوريا.

بداية التحالف المالي

بعدما استولى حافظ الأسد، الرئيس السوري السابق ووالد بشار، على الحكم عقب انقلاب عسكري عام 1970، عهد إلى والد رامي، محمد، إدارة الأموال الناتجة عن الصناعات التي تسيطر عليها الدولة وغيرها من التعاقدات، لأنه كان أكثر مهارة في التعاملات المالية من صهره.

قال جوشوا لانديس، المتخصص في الشؤون السورية وتحديداً المالية: "مخلوف كان أفضل تعليماً وتأهيلاً بشكل عام، لذا كان بإمكانه المساعدة في الشؤون المالية، وهو أمر لم تكن عائلة الأسد بارعةً فيه ولم يتلقى أفرادها تعليماً لأجله"، مردفاً: "كانوا أيضاً أفضل في التعامل مع أهل دمشق وحلب الذين كانوا يهيمنون على الاقتصاد السوري".

حصد مخلوف الأب ثماراً هائلة من هذه العلاقة إذ عُيّن في سبعينيات القرن الماضي رئيساً للمؤسسة العامة للتبغ التي كانت تحتكر تلك الصناعة في سوريا. وبعد عقد من الزمان، اتسعت مصالحه التجارية مستغلاً منصبه رئيساً للبنك العقاري المملوك للدولة، وشارك كوسيط في العقود الحكومية.

في الأثناء، نشأ الأبناء معاً وبينهم روابط قوية، إذ أكد شريك تجاري سابق لمخلوف أنه في مرحلة شبابه "كان يذهب إلى منزل الأسد ويفتح الثلاجة مثل أي فرد من أفراد الأسرة".

الناشط السوري المعارض الذي يقيم في الولايات المتحدة حالياً، أيمن عبد النور، التقى بشار ورامي في جامعة دمشق في ثمانينيات القرن الماضي حين كان مدرساً مساعداً وهما طالبان. قال عبد النور لرويترز إن بشار ورامي كانا مقربين إلى درجة أن "سلوكياتهما كانت متشابهة"، مضيفاً: "كان رامي يجلس بهدوء شديد، بطريقة شبيهة بطريقة بشار. لقد نسخ شخصيته لأنهما نشآ معاً".

أما والدة بشار، أنيسة مخلوف، عمة رامي، فكانت تتمتع بشخصية قوية وتأثير سياسي عميق، وهذا ما مكنها من الضغط لتعزيز موقع ابن أخيها داخل الأسرة. ومن هنا لعبت دوراً أساسياً في صعوده، وفق مقربين من العائلة. مع تقدم والده في العمر، تولى رامي مسؤولياته "بسلاسة" كـ"مدير أموال عائلة الأسد".

في مطلع القرن الجاري، حظيت سوريا بنمو اقتصادي سريع وازدهرت أعمال مخلوف. وازدهرت شركة الاتصالات سيريتل حتى باتت تضم اليوم حوالى 11 مليون مشترك، بحسب مخلوف. قال لانديس: "لقد حول رامي سيريتل إلى شركة متطورة إلى درجة أن أمهر وألمع السوريين أرادوا العمل فيها".

عام 2008، لفت مخلوف انتباه الولايات المتحدة، ففرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه واصفةً إياه بأنه "أحد مراكز الفساد الرئيسية في سوريا". واتهمته الوزارة بالتلاعب بالنظام القضائي واستخدام مسؤولي استخبارات الدولة لترهيب منافسيه والحصول على تراخيص حصرية لتمثيل الشركات الأجنبية في سوريا. 

كما أوضحت أن علاقاته بالأسد جلبت له مشروعات مربحة للتنقيب عن النفط ومحطات توليد الكهرباء.

وعندما خرج السوريون إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الأسد عام 2011، هتفوا ضد "اللص" مخلوف أيضاً. وحين تحولت الانتفاضة الشعبية إلى حرب أهلية ثم إلى صراع متعدد الأطراف، دعم مخلوف حملة الأسد العسكرية بالوقود والواردات الأخرى.

عمل مخلوف سنوات عدة حارس أموال موثوقاً به وأمين صندوق الأسرة حتى بات يشعر بأنه شريك… كان يقول لأبناء عمته (عائلة الأسد) "نحن شركاء"، وقد صدمه أنهم يقولون له الآن "لا. أنت لست كذلك، أنت تخدمنا فقط"

"إثراء الذات"

لكن، في الوقت نفسه، ووفق أكثر من 10 مصادر مطلعة، كان رامي يسعى إلى إثراء نفسه من خلف ظهر الأسد. قال مصرفي معروف إن مخلوف أنشأ شبكة من الشركات الواجهة، بعضها في لبنان، غطاءً لاستثمار أمواله الخاصة بعيداً عن الأموال التي طلبها الأسد ووضعها في ملاذات آمنة نيابة عن الأسرة الحاكمة.

في منشور عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، في 26 تموز/ يوليو الماضي، أقر مخلوف بأنه أنشأ مثل هذه الشركات، مصراً على أن "دور هذه الشركات هو الالتفاف على العقوبات" المفروضة على سوريا، وليس إثراء نفسه.

ومن مصالح مخلوف خارج سوريا، شركة محاماة في بيروت تحمل اسم: Middle East Law Firm SAL. وتُظهر بياناتها المتاحة للجمهور أنها تأسست عام 2001 وأصحابها هم مخلوف وشقيقه وشركاء لبنانيون.

وقال شريك سابق إن مخلوف أنشأ كيانات في جزيرة جيرسي وجزر فيرجن البريطانية، مبرزاً أنه كان يشتري الإمدادات والمعدات للحكومة من هذه المؤسسات التي يملكها.

وأكد شركاء الأعمال السوريين أن ثروة مخلوف الشخصية تراوح بين خمسة مليارات دولار أمريكي و15 ملياراً.

تداعي النظام؟

بمساعدة روسيا وإيران، استطاع الأسد قلب مجرى الحرب في سوريا. لكن النصر في ساحة المعركة كان له ثمن.

انهار الاقتصاد السوري، وفقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها على مدار عقد من الحرب، وتسبب القتال بخسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وتعطلت الزراعة ودمرت الصناعة، وتوقف تدفق العملات الأجنبية من السياحة وصادرات النفط. 

يقول خبراء إن المبالغ التي جمعها مخلوف في الخارج ربما تزيد على 10 مليارات دولار. ولفت دبلوماسي غربي إلى أن إعادة هذه الأموال "ذات أهمية وجودية للنظام" السوري حالياً.

علماً أن التضخم أيضاً متفشٍ ويكافح الكثير من السوريين لتوفير حتى الطعام والرغيف. تقول الأمم المتحدة إن ثمانية من كل 10 سوريين داخل البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

ولم يكن دعم روسيا العسكري للأسد بالمجان، إذ تضطر سوريا إلى شراء القمح والأسلحة منها.

وأدت الأزمة المصرفية الخانقة في لبنان حديثاً إلى فقدان النظام السوري مصدراً حيوياً للدولارات، وهذا ما فاقم أزمته الاقتصادية وزاد تدهور العلاقات المالية المتوترة بين الأسد ومخلوف.

وبينما يطحن الجوع سوريا، يتمتع اثنان من أبناء مخلوف بحياة الرفاهية، وفق ما نشراه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما زاد حنق سوريين اتهموا آل مخلوف بالاستمرار في نهب البلاد.

في ظل استمرار تداعي الاقتصاد، بات الأسد عازماً أكثر فأكثر على إعادة مليارات الدولارات التي يحتفظ بها مخلوف في شركات خارجية، كما أوضحت قرابة 10 مصادر لرويترز.

ويقول خبراء إن المبالغ التي جمعها مخلوف في الخارج ربما تزيد على 10 مليارات دولار. ولفت دبلوماسي غربي إلى أن إعادة هذه الأموال "ذات أهمية وجودية للنظام" السوري حالياً.

وفي تحرك مثير تجاه الخلاف الجمركي الذي أدين به، قرر مخلوف التنازل عن ممتلكاته. وقال مصرفيون وشركاء أعمال مطلعون إنه طلب من ابن خاله، بشار، السعي إلى الحصول على دولارات من مكان آخر، ومن أباطرة آخرين.

وشرح شريك سابق أن عمل مخلوف على مدى سنوات طويلة حارس أموال موثوقاً به وأمين صندوق الأسرة، جعلته يشعر بأنه شريك، متابعاً: "كان مخلوف يقول لأبناء عمته ‘نحن شركاء‘، وقد صدمه أنهم يقولون له الآن ‘لا. أنت لست كذلك، أنت تخدمنا فقط‘".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard