شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"لست وحيدة في هذا النجاح"... قصص تفوّق طالبات سوريات في مدارس ألمانيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 18 يوليو 202006:06 م

في عام 2010، تمايل العالم راقصاً على نغمة أغنية شاكيرا التي غنّتها بمناسبة كأس العالم في جنوب أفريقيا، بينما كنت في غرفتي في الكويت أتمايل حائرة وقلقة.

كنت أعد الساعات والدقائق في انتظار معرفة معدّل الثانوية العامة. منعني جوّ الدراسة والامتحان من الاستمتاع بمشاهدة أي مباراة، لأن مباراة طاحنة بيني وبين الكتب لما تنته بعد. عدت اليوم إلى تلك اللحظات القلقة والغريبة، أي حين ترتبك المشاعر لدرجة أن نقوم برد فعل عكسي، فنبكي في أشد اللحظات فرحاً!

أعود اليوم إلى تلك اللحظات، وأنا أعيد الاستماع إلى تفاصيل قصتين، هما جزء من قصص نجاح كثيرة حققها طلاب وطالبات، سوريون وسوريات، في ألمانيا في مرحلة الثانوية العامة. قصة هزار أباظة وإيمان محمد آغي، قصة الرحلة، النجاح، التحديات وأحلام الغد.

وصلنا إلى ألمانيا، ولكن ماذا الآن؟

خرجت هزار من مدينة دمشق في تشرين أول/ أكتوبر من عام 2015، لتصل إلى ألمانيا بعمر سبع عشرة سنة تقريباً. وعن توقعاتها ومخاوف تلك المرحلة، أوضحت هزار أن خوفها بداية ارتبط ببقاء والدتها وأختها في سوريا، حيث قدمت إلى ألمانيا برفقة والدها وأخيها.

كان الانتظار متعباً ولم تعرف كم سيطول، وتوالى الخوف ليخلق لاحقاً أسئلة حول المستقبل والدراسة والعمل. تقول هزار في حديث لرصيف22: "كنت حينها طفلة حتى من حيث التفكير، لكني تعلمت أن الغربة تصيّرنا كباراً". أما إيمان، فبعد مغادرة مدينة الحسكة، تنقلت ما بين تركيا والإمارات لتصل كذلك في تشرين أول/ أكتوبر من عام 2015، إلى ألمانيا، وفضلاً عن مخاوفها المرتبطة بالبعد عن الأهل، تضيف إيمان في حديث لرصيف22: "خفت ألا أنجح كما أتمنى".

في هذا التقرير نعرض تفاصيل قصتين، هما جزء من قصص نجاح كثيرة حققها طلاب وطالبات، سوريون وسوريات، في ألمانيا في مرحلة الثانوية العامة. قصة هزار أباظة وإيمان محمد آغي، قصة الرحلة، النجاح، التحديات وأحلام الغد

رحلة الدراسة في ألمانيا وصعوبات المرحلة

عن رحلتها المدرسية في ألمانيا تقول إيمان: "كانت هنا المرة الأولى التي أختبر فيها شعور الشك بأن أكون الطالبة الأسوأ في الصف"، إيمان التي اعتادت التفوق في صفوفها الدراسية قبل وصولها إلى ألمانيا، شعرت أنها أمام تحد لا سبيل للنجاة منه إلا بالإصرار على النجاح، ففككت النصوص إلى مفردات، وترجمتها، ثم قامت بحفظها، وساعدها على ذلك "طولة بالها"، كما وصفت. وطلبت من الأصدقاء في المدرسة التحدث إليها باللغة الألمانية لا الإنجليزية بهدف تقوية لغتها.

أما هزار، فقد اضطرت إلى إعادة الصف العاشر بهدف الحصول على الشهادة المتوسطة، لتكمل بعدها الطريق إلى الشهادة الثانوية. وربما كانت اللغة في مقدمة الصعوبات التي اتسمت بها تلك المرحلة، حيث كان لابد من تعلم اللغة الألمانية بشكل جيّد للتمكن من بدء الدراسة.

وعن ذلك تقول هزار: "بدأت خطوة خطوة، سمعت الأغاني وشاهدت الأفلام، وأدركت مبكراً أن ممارسة اللغة شرط أساسي لإتقانها، لذا تعرفت إلى الكثير من الأصدقاء، مما ساعدني ودعمني". ولا يقف الأمر عند اللغة، نحن هنا أمام نظام تعليمي مختلف من حيث مناهجه وأدواته وطرق تدريسه، حيث أكدت هزار أنه من الضروري الاطلاع على نماذج الامتحان المختلفة في ألمانيا، لاختلافها من حيث الشكل والمضمون والهدف عما خبرته في سوريا، موضحة: "يقترن أسلوب الامتحان بالتطبيق والتحليل والنقد متجاوزاً الاستظهار وصيغة السؤال المحددة والجواب الواحد".

وعن ذلك تضيف إيمان كذلك: "ليس من السهل التعامل مع فرق النظام التعليمي، فنحن هنا مثلاً مطالبون بالتركيز على التفاعل الشفهي في العملية التعليمية، والتعامل مع مصطلحات علمية بلغة جديدة كلياً".

هذه المرحلة التي تتجلى فيها الصعوبة بصيغ مختلفة، لا شك أنها تحتاج إلى آلية ما للتعامل معها، بغية الوصول إلى بر آمن في آخر الطريق. تشرح هزار أن دعم الأسرة والأصدقاء كان سبباً جوهرياً لتبقي شحنة الأمل والدافع مستمرة طوال ثلاث سنوات. إيمان في المقابل، ركزت على فهم تكنيك الامتحان الجديد، وأعانتها الكتب والنماذج الامتحانية على ذلك.

"الناجحة ترفع إيدها"

لا يمكن للحظة، كلحظة النجاح، أن تمر عابرة بلا أثر وبلا حضور لا يغيبه الزمن. "نسيت كل تعبي"، هكذا وصفت هزار شعورها لحظة معرفتها بحصولها على معدل 2.5 في الثانوية العامة (معدل 6 هو الأدنى)، بينما توضح إيمان أنها طلبت من المدير الذي قرأ على مسامعها المعدل أن يعيد الأمر مرتين لتتمكن من تصديق نيلها على معدل 1.3 (1.5 هي العلامة الأعلى والتي توازي علامة 100%) ، وتقول: "بكيت حينها، وضحك المدير، وأيقنت أننا نحصد ما نزرع بالفعل".

تتشارك كل من هزار وإيمان، شعورهما بالفرح كفتاتين في الثانوية العامة، لتقدما بذلك نموذجاً مميزاً للطالبة الناجحة، حيث تقول هزار: "يسعدني مشاركة قصة نجاح الفتيات كونه لا يقتصر على الرجل فحسب، وبشكل عام فكل من يسعى لهدفه سينجح".

أما إيمان فترى أن هذا النجاح يدعمها كفتاة، وسيكون خطوة تمكنها من الاستقرار وتحمل المسؤولية، مشيرة: "أتمنى أن يشجع نجاحي الكثير من الفتيات بشكل خاص". تبدأ الآن مرحلة جديدة في حياة هزار وإيمان، وهي الانطلاق إلى التخصص والدراسة الجامعية، حيث تطمح هزار إلى دراسة التجارة والاقتصاد، عن هذا تقول: "حمّلني هذا النجاح مسؤولية كبيرة، وأحلم بنجاح مماثل في مرحلة الجامعة، وصولاً إلى الدراسات العليا في مجال الاقتصاد، وربما تأسيس شركتي الخاصة... لنرى أين سيصل بي الطريق". أما إيمان فتسعى إلى دراسة الطب البشري، متمنية الحصول على قبول سريع في جامعة غير بعيدة عن أهلها، موضحة: "أعلم أن دراسة الطب البشري ليست خياراً سهلاً، لكني أحلم بالنجاح".

 "نسيت كل تعبي"، هكذا وصفت هزار شعورها لحظة معرفتها بحصولها على معدل عالٍ في الثانوية العامة، بينما توضح إيمان أنها طلبت من المدير الذي قرأ على مسامعها المعدل أن يعيد الأمر مرتين لتتمكن من تصديق العلامة التي حصلت عليها: "بكيت حينها، وضحك المدير، وأيقنت أننا نحصد ما نزرع بالفعل"

بالتأكيد في أمل

تضحك هزار حين تقول إنها ربما كانت وأقرانها محظوظين لوجود وزيرة العائلة فرانشيسكا جيفي، في مدرستهم، حيث قامت المديرة بدعوتها لمشاركتهم في الاحتفال، وهو بدوره ما ساعد وسرّع في وصول قصتها إلى الإعلام، مؤكدة: "لست وحيدة في هذا النجاح، وأتشاركه مع الكثير من السوريين/ات في ألمانيا وأتمنى أن تعرف كل هذه القصص".

وعن نصيحتها للشباب والصبايا ممن يخوضون تجربتهم التعليمية الآن بهدف الحصول على شهادة تعليمية في ألمانيا، تشرح هزار كيف أنه من الضروري النظر إلى الوقت ومروره بمرونة، فلا يجب أن نحمل النفس عبء تكرار بعض الصفوف أو التأخر عن أقراننا، موضحة: "من المهم النظر إلى هذه التفاصيل كحافز للاستمرار". ومن تجربتها، تصف إيمان وضوح الهدف على أنه الركيزة الأساسية للنجاح، فتقول: "علينا أن نعرف الهدف من هذا المشوار لنتمكّن من التخطيط والنجاح، وألا يرهقنا التعب المرحلي، فلحظة التفوق في النهاية تزيل أي قلق وخوف كنّا قد مررنا به".

أبتسم الآن وأنا أحاول وصف المشهد الأخير في حديثي مع الطالبتين، حيث طرحت سؤالاً بدافع الفضول، وبعد أن أثرت بي طاقة هزار وإيمان الإيجابيّة، وكانت الإجابة واحدة رغم لقائي بكل منهما على حدة، هزار في مقهى في برلين، وإيمان عبر مكالمة فيديو.

أسأل: "في أمل؟" تجيبني هزار: "بالتأكيد، ودوماً"، أما إيمان فتجيب مستنكرة: "طبعاً، وليش حتى ما يكون في؟".

فعلاً، كيف للأمل ألا يتجدد أمام قصص نجاح تجاوزت حدود الصف المدرسي، هو نجاح الإرادة، الدافع وتفوق الحلم على الواقع بكل ما فيه من صعاب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard