شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"كورونا أظهر أقبح ما فينا"... بلازما المتعافين تتحوّل لتجارة مُربحة في مصر والعراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 25 يونيو 202007:54 م

مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، لجأ العديد من الفقراء إلى الاتجار في أجسادهم، من خلال بيع "بلازما دمائهم" عقب شفائهم من كورونا إلى المحتاجين إليها بأسعار باهظة، في ظل ارتفاع الطلب عليها في المستشفيات كإحدى الوسائل المستخدمة للتعافي من الفيروس القاتل.

ومع توسع هذا النوع الجديد من الإتجار بالدماء، ظهرت شكوك حول ما إذا كان بعض الفقراء يتعمدون الإصابة بكورونا على أمل بيع البلازما بعد شفائهم، فقد وصل سعر الأخيرة في بعض الأحيان إلى ألفي دولار.

ويحذر الباحثون أن هذه التجارة قد تنقل أمراض أخرى مميتة إلى المصابين بكورونا مثل فيروس نقص المناعة "الإيدز"، في حال لم يتم نقل البلازما بالطرق الصحيحة.

ظهرت في مصر

في أيار/ مايو الماضي، بدأت وسائل إعلام مصرية ترصد انتشار تجارة بلازما المتعافين من كورونا في أقاليم البلاد، الأمر الذي أثار صدمة كبيرة بين المواطنين الذين يشككون غالباً في روايات وسائل الإعلام المحلية، بسبب سجلها في إلقاء اللوم على المواطن عند تفاقم الأزمة بدلاً من الحكومة. 

ونشرت صحيفة "الدستور" المصرية تسجيلاً صوتياً مع سماسرة يعرضون استعداد متعافين من الفيروس لبيع البلازما بمقابل مادي وصل إلى 10 آلاف جنيه للمتعافي و5 آلاف للوسيط.

وفي 6 حزيران/يونيو الجاري، ارتفعت شكاوى أطباء من قيام بعض المتعافين من كورونا بعرض البلازما للبيع بمقابل مادي، إذ كتب الطبيب جمال شعبان، وهو المدير السابق لـ"معهد القلب" وهو المستشفى الأشهر في علاج أمراض القلب، على فيسبوك يقول: "مريض كورونا تعافى الحمدلله و بعدما كان أقرب للموت منه للحياة يقوم أول ما يشم نفسه وربنا أنعم عليه بالشفاء إنه يبيع البلازما لمريض تاني في نفس حالته بمبلغ 20 ألف جنيه".

وأضاف الطبيب المصري مستنكراً هذا السلوك:"‘إن الإنسان لظلوم كفار‘... كورونا أظهر أقبح ما فينا".

وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، كشف أحد المصريين أن متعافي من فيروس كورونا طلب ألفي دولار، ما يعادل 32 ألف جنيه، مقابل التبرع لوالدته ببلازما الدم، وهو مؤشر على ارتفاع الأسعار في هذه التجارة.

لم يقتصر دخول البلازما إلى السوق السوداء على مصر، إذ تداول ناشطون عراقيون على موقعي تويتر وفيسبوك، طلبات وعروض للحصول على بلازما المتعافين في عدة محافظات، حيث وصل سعر كيس البلازما إلى ألفي دولار، مشيرين إلى أن البعض يدفع أكثر كي ينقذ قريباً له بشكل أسرع.

وكتب مدونون عراقيون يسخرون من ارتفاع أسعار البلازما أن سعر كيس الدم الواحد أصبح أغلى من سعر منزل في أحد أحياء بغداد الراقية.

وروى طبيب عراقي يُدعى محمود فؤاد الخالدي أن من مجموع 630 حالة تعافي من كورونا، لم يتبرع سوى 50 فقط ببلازما دمهم.

وناشد الطبيب المتعافين بالتبرع بالبلازما لإنقاذ الآخرين، قائلاً: "نداء لكل شخص بقت عنده ذرة غيرة، الله منَّ عليك بالشفاء خليك سبب لإنقاذ ناس مصابين".

ارتفعت شكاوى أطباء في مصر من قيام متعافين بعرض البلازما للبيع بمقابل باهظ، وظهرت شكوك حول تعمّد فقراء الإصابة بكورونا على أمل بيع البلازما بعد الشفاء... وأطباء يحذرون من أمراض مميتة في حال لم تُعتمد طرق النقل الصحيحة

وحكى عراقيون أن المرضى الذين حصل أقاربهم على بلازما لعلاجهم، كانوا يعرضون على الأطباء تقاسم البلازما مع مرضى آخرين لم يجدوا متبرعين لهم.

وأظهر تقرير نشرته صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، في 17 حزيران/يونيو، أن ارتفاع الطلب على بلازما المتعافين التي يعتبرها البعض "علاجاً معجزة"، خلق تجارة مربحة في عدد من الدول من بينها باكستان.

وقالت الصحيفة إن الفقراء المتعافين من كورونا في باكستان يتبرعون بالبلازما المطلوبة في مختبرات لا يمكن ضمان إجراءاتها الصحية، وذلك بـ200 ألف روبية ( ألف جنيه استرليني) وهو ما يمثل أجر عام لأحد العاملين في البلاد. 

وقالت الصحيفة إن باكستان تعاني من نقص حاد في عدد المتبرعين، مشيرة إلى أنه يوجد أكثر من 58 ألف متعافي ومع ذلك تبرع 350 شخصاً فحسب بالبلازمة بالدم.

ولفتت الصحيفة إلى أن أحد المصابين بكورونا كان يحتاج إلى بلازما الدم كأحد الحلول التي اقترحها الأطباء لعلاجه، فلم يجدوا له متبرعاً، حتى نجح أحد الأصدقاء بالعثور على شخص متعافي وافق على منح البلازما مقابل 150 ألف روبية.

وفي مثال آخر، قالت امرأة من مدينة كراتشي إن شقيق العاملة لديها دفع 200 ألف روبية من أموال كان يدخرها لزفافها للحصول على بلازما لابنته، وعندما علمت عائلة خطيبها بإنفاق المال، ألغوا حفل الزفاف. 

خطر داهم

حذر أطباء من مخاطر التجارة بـ"بلازما الدم" مشيرين إلى أن تخزينها ونقلها وتعقيمها يجب أن يتم من قبل عيادات متخصصة وتتبع إجراءات طبية مشددة لتجنب خطر الإصابة بمرض مميت آخر.

وفي حديث مع صحيفة "ذا صن" البريطانية، شرح سيمون كلارك، وهو عالم متخصص في الأحياء الدقيقة في "جامعة ريدينغ"، مخاطر التجارة بدم المتعافين من كورونا.

وقال كلارك: "المشكلة الكبرى تكمن أحياناً في عدم معرفة ما إذا كان الشخص مصاباً بالفعل بكورونا أم يدّعي ذلك"، محذراً من شيء آخر وهو ضرورة التأكد من خلو دم المريض من الفيروسات الأخرى مثل التهاب الكبد بي وسي ومن فيروس نقص المناعة. 

"سعر كيس الدم الواحد أصبح أغلى من سعر منزل في أحد أحياء بغداد الراقية"... في العراق، انتشرت طلبات وعروض للحصول على بلازما المتعافين في عدة محافظات، حيث وصل سعر كيس البلازما إلى ألفي دولار

وقال كلارك إن هذه الفيروسات لا تأتي بالضرورة من الدم، ولكنها تنمو فيه إذا لم يتم تخزينها بشكل صحيح ولم يتم الحصول عليها بطريقة معقمة. ولفت إلى أن "البلازما لها مدة صلاحية، فيجب أن يتم التأكد من أنها لم تتجاوز هذه المدة".

تجارة مُحرّمة

تتعارض هذه الممارسة مع المبادئ التوجيهية الحكومية في دول العالم ومنظمة الصحة العالمية وتهدد بتقويض التبرعات المجانية للمستشفيات الحكومية وباقي الهيئات الطبية المختصة في علاج كورونا.

وفي محاولة لتدارك الموقف، أعلن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن "تبرع المُتعافين من كورونا بالبلازما واجبٌ، والامتناعُ عنه بغير عذرٍ لا يجوز شرعاً ويأثم المُمتنع"، موضحاً أن "استجابة المُتعافين لهذه الدعوة واجبٌ كفائيٌ إن حصل ببعضهم الكفاية، وبرئت ذمتهم، وإن لم تحصل الكفاية إلَّا بهم جميعاً تعيّن التبرع بالدم على كل واحد منهم، وصار في حقِّه واجباً ما لم يمنعه عذر، وإن امتنع الجميع أَثِم شرعاً، وذلك لِمَا في التَّبرع من سعي في إحياء الأنفس".

أكد مركز الأزهر أن بيع المتعافي من كورونا بلازما دمه حرامٌ شرعاً، قائلاً: "أخسّ أنواع التجارة وأذمّها، لمنافاتها الدين والمروءة ولين القلب وكرم النفس وشكر النعمة".

وأكد مركز الأزهر أن بيع المتعافي من كورونا بلازما دمه حرامٌ شرعاً، قائلاً: "أخسّ أنواع التجارة وأذمّها، لمنافاتها الدين والمروءة ولين القلب وكرم النفس وشكر النعمة".

وحذرت وزارة الصحة المصرية من تجارة البلازما، مؤكدة أن بعض المتعافين غير مؤهلين للتبرع بدمائهم بعد شفائهم. وحول ذلك، قالت الوزارة: " يجب أن تحتوي على نسبة أجسام مضادة معينة، ولا بد من دراسة كفاءة الأجسام المضادة لمواجهة الفيروس، ومعرفة نسبة كثافة وكفاءة وفاعلية الأجسام المضادة".

وتقدمت عضو البرلمان المصري أمل رزق الله بطلب استجواب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة هالة زايد حول الاتجار في بلازما الناجين من الفيروس بأكثر من 2000 دولار.

وقال النائب أيمن أبو العلا، وهو عضو لجنة الصحة في البرلمان، إن البلازما هي عضو بشري تنطبق عليه الأحكام التي تجرّم الاتجار بالأعضاء في مصر، بموجب القانون رقم 5 لسنة 2010، وهو القانون الذي ينظم زراعة الأعضاء البشرية.

وأوضح أن المادة 19 من هذا القانون، والتي تم تعديلها عام 2017، تنص على أن نقل عضو متبرع إلى متلقي للزرع أو زرع جهاز عن طريق الإكراه أو الغش ، سواء عن قصد أو عن غير قصد، يعاقب عليه بالسجن مدى الحياة، و غرامة لا تقل عن مليون جنيه مصري (حوالي 61 ألف دولار) ولا تزيد عن مليوني جنيه (حوالي 123 ألف دولار)، والإعدام إذا توفي الشخص الذي أُجبر على التبرع .

وفي العراق، حرّم مفتي البلاد مهدي الصميدعي بيع بلازما الدم من قبل المتعافين من فيروس كورونا، وقال: "بيع المتعافي من كورونا بلازما دَمِه حرامٌ شرعاً؛ وسلوك لا ينبغي أن يتعامل به مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم".

وفي إسلام آباد، دعت الجمعية الباكستانية لأمراض الدم السلطات إلى وقف هذه التجارة "غير القانونية والتي قد تكون ضارة للمواطنين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard