شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تخيّلت عش الزوجية دافئاً"... حكايات تونسيين/ات مع الطلاق الصامت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 22 يونيو 202004:56 م

ليسوا متزوجين ولا هم مطلقون، هم فقط شركاء في المنزل. انطفأت شمعة حبهم وسيطرت المشاعر السلبية والفتور على علاقتهم، فاختار كل منهم الانفراد بحياة نفسية واجتماعية خاصة به، هكذا يعيش ضحايا الطلاق الصامت أو الانفصال العاطفي، حياتهم "الغريبة".

"خائفة من أهلي"

"لم أتوقع أن تنطفئ شمعة الحب في قلبينا بعد ذلك العشق الكبير، صحيح أن قصتنا انتهت بالزواج، لكنني تمنيت لو أنني لم أتزوج به"، تقول إيمان، اسم مستعار، في حديثها لـرصيف22، عن تجربتها مع الطلاق الصامت.

وتضيف إيمان (36 عاماً): "نحن متزوجان أمام المجتمع والعائلة، ولكننا نعيش خلف جدران المنزل مثل الأخوة، لكل منا عالمه وحياته الخاصة، نجتمع في المناسبات العائلية، وعندما نعود إلى البيت يذهب كل منا إلى غرفته".

"هربت من عنف زوجي فاكتشفت أن المجتمع أكثر عنفاً، كانوا يعاملونني وكأنني مجرمة، ويتهمونني باستمرار بأنني فرقت ابني عن والده وبأنني 'خربت' منزلي، كنت مذنبة في نظرهم"

تعمل إيمان في مصنع للخياطة في محافظة بن عروس التونسية، ويعمل زوجها سائقاً في شركة خاصة، تزوجا بعد قصة حب دامت سبع سنوات، لكن بعد زواجهما أدركا "أن عش الزوجية هو المقبرة الأولى للحب"، بحسب إيمان.

تروي إيمان لرصيف22 تجربتها، قائلة: "قبل زواجنا بأسابيع قليلة اكتشفت أن الشخص الذي أحببته، ووثقت به كان يُخفي عني حقائق صادمة، فتوترت علاقتنا بسرعة، لكنني لم أجرؤ حينها على الانفصال عنه، خوفاً من ردّة فعل عائلتي، وخوفاً من المجتمع، وأتممنا مراسم زفافنا".

"كنا نتوقع أن تعود علاقتنا إلى طبيعتها بعد الزواج، لكن ذلك لم يحدث، انفصلنا نفسياً وجسدياً بسرعة، وهجرني زوجي بعد أشهر قليلة من زواجنا، عانيت من الاكتئاب والضغط النفسي، لكنني لم أفكر في طلب الطلاق أو في إخبار عائلتي بالوضع الذي أعيشه".

تتنهَّد إيمان، وكأنها تحاول إزاحة حمل ثقيل عن كتفيها، وتواصل حديثها: "بدأنا ننفصل عن بعضنا تدريجياً، في البداية لم نعد نتحدث كثيراً، كان الصمت يخيم على المنزل في كل الأوقات، ثم بدأنا في الشجار المتواصل، وبعد ذلك انقطعنا عن ممارسة الجنس، وانتقل هو إلى غرفة منفصلة".

وتتابع: "رغم أننا لم ننجب أطفالاً ولا نعيش حياة طبيعية مثل أي زوجين، لكننا لا نفكر في الطلاق حالياً، وقررنا أن نمنح نفسينا مزيداً من الوقت، على أمل أن تعود علاقتنا إلى طبيعتها".

"منزل تسيطر عليه الكآبة"

يقول المختص في علم الاجتماع، سامي نصر، لرصيف22: "إن الطلاق الصامت يعدّ من القضايا المسكوت عنها في المجتمعات العربية، حيث يفضل الأزواج عادة عدم الحديث عن تجاربهم مع الانفصال الجسدي والاجتماعي والنفسي، أو ما يعرف بالانفصال العاطفي، خوفاً من لقب مطلق أو مطلقة".

ويتابع سامي نصر أن "الطلاق الصامت هو انفصال الزوجين دون طلاق مُعلن، حيث يبقى بموجبه عقد الزواج سارياً بين الزوجين، لكن كل منهما يعيش بمعزل عن الآخر"، مؤكداً أن ذلك يعدّ "نهاية غير رسمية وغير معلنة للعلاقة الزوجية".

عن أجواء "النهايات غير المعلنة"، يحكي سالم عن تجربته مع الطلاق الصامت لرصيف22، قائلا: "نعيش في منزل تسيطر عليه المشاعر السلبية والكآبة، كنت أعتقد أن عش الزوجية سيكون دافئاً وسعيداً، لكن حدث عكس ما توقعت، صحيح أنني تزوجت بالمرأة التي أحبها قلبي، لكن هذا الحب لم يدم طويلاً".

"توقعتُ عشّ الزوجية دافئا، وسعيدا، ولكن حدث العكس".

ويعود سالم (40 عاماً)، لبداية علاقته بزوجته، في حديثه لرصيف22: "تعرفت على زوجتي وتزوجنا بسرعة، كانت تبدو هادئة ولطيفة لكنها تغيرت بعد زواجنا، وجدتها سليطة اللسان، لا تحترم عائلتي ولا تحترمني، فقررت الانفصال عنها دون أن يعلم أحد بذلك".

يتابع سالم الذي ينحدر أصله من محافظة باجة، شمال غرب تونس، قائلاً: "لم أذهب إلى المحكمة الشرعية لتطليق زوجتي، بل مازلنا نعيش تحت سقف واحد، لكن لكل منا حياته الخاصة، ما يجمعنا فقط هو أطفالنا الثلاثة، ربما لو لم ننجب أطفالاً كنت طلقتها رسمياً، لكنني لا أريد الابتعاد عن أطفالي".

يلتفت سالم إلى يديه، يمعن النظر في خاتم الزواج، ويضيف: "لا يمكنني خلع خاتم زواجنا كي لا يُحرجني الأهل والأصدقاء بالأسئلة، فنحن بالنسبة لهم زوجان سعيدان، لدينا منزل وسيارة وأطفال جميلون، لا أحد يعلم حجم القطيعة والغربة الذي نعيشها داخل المنزل".

ولكن لهذا الإخفاء ضريبة نفسية، يحكي عنها سالم: "لا أخفيكم أن هذا النوع من الانفصال يدمر النفسية، خصوصاً عندما تجد نفسك مضطراً لعدم التصريح به أو الحديث عنه أمام عائلتك، لا أعرف إلى متى سنبقى على هذا الحال، لكنني لا أفكر في الطلاق، على الأقل في الوقت الحالي".

"لا تصبغي أظافرك فأنت مطلّقة"

بعد طلاق سعيدة (اسم مستعار)، عادت للعيش في منزل والديها في محافظة الكاف، شمال غربي العاصمة تونس، هرباً من عنف زوجها وتجاهله لها، لكنها وجدت نفسها تخوض حرباً جديدة ضدّ نظرة المجتمع "السلبية" للمرأة المطلقة.

"أنت مطلقة لا يجوز لك الخروج متى شئت، لا تعودي متأخرة إلى المنزل، توقفي عن وضع المكياج وصبغ أظافرك"، كل هذه الأسباب دفعت سعيدة (40 عاماً)، للعودة إلى زوجها وعيش الطلاق الصامت معه، بحسب روايتها لرصيف22.

وتضيف سعيدة لرصيف22: "هربت من عنف زوجي فاكتشفت أن المجتمع أكثر عنفاً، كانوا يعاملونني وكأنني مجرمة، ويتهمونني باستمرار بأنني فرقت ابني عن والده وبأنني 'خربت' منزلي، كنت مذنبة في نظرهم".

تتابع سعيدة: "بعد طلاقي بسنة، عدت إلى طليقي بإلحاح من العائلة، وهرباً من عيون المجتمع واتهاماته التي تلاحقني أينما ذهبت، عدت للعيش مع زوجي تحت سقف واحد، لكننا كنا مرتبطين على الورق فقط، منذ تلك الفترة سيطر البرود الجنسي والعاطفي على علاقتنا، وأصبحنا نعيش مثل الغرباء، بل مثل الأخوة".

تزوجت سعيدة بطريقة تقليدية، عاشت بداية زواجها حياة مستقرة، لكن حياتها تغيرت بعد أن طُرد زوجها من عمله وأصبح عاطلاً، تقول: "تغير زوجي، وبدأ يضربني باستمرار، ويغيب لساعات طويلة عن المنزل، تغيرت حياتنا، واتسعت الهوة بيننا، فوجدنا أنفسنا أمام المحكمة للطلاق، لكنني قررت العودة إلى زوجي هرباً من نبذ المجتمع، وأنا الآن أعيش طلاقاً صامتاً أثر على نفسيتي وأصابني بالاكتئاب".

 "لا يمكنني خلع خاتم زواجنا كي لا يُحرجني الأهل والأصدقاء بالأسئلة، فنحن بالنسبة لهم زوجان سعيدان، لدينا منزل وسيارة وأطفال جميلون، لا أحد يعلم حجم القطيعة والغربة الذي نعيشها داخل المنزل"

لكن رغم الأذى النفسي الذي خلفه لها الطلاق الصامت، إلا أن سعيدة تؤكد أنها لا تفكر في طلب الطلاق مرة أخرى، لكنها تعتقد أن "البقاء مع زوج غريب أفضل من الطلاق والعودة إلى العيش في منزل عائلتها".

وتنهي سعيدة حديثها، قائلة: "سنوات الزواج الطويلة قادرة على تغيير الزوج وشريك العمر من رفيق درب إلى شخص غريب، وقادر أيضاً على تغيير الزوجة إلى إنسانة غريبة، الطلاق الصامت مدمر لكن الطلاق الرسمي مدمّر للمرأة أكثر".

يشدد الباحث والمختص في علم الاجتماع، سامي نصر، لرصيف22، على انتشار ظاهرة "الطلاق الصامت"، متسائلاً عن وضعها في قائمة "القضايا المسكوت عنها".

ويضيف سامي نصر: "بعض الأزواج يفضلون الإبقاء على عقد الزواج سارياً بينهما، ولكن كلاً منهما يعيش حياته الخاصة، وقد لا يجتمعان إلا في المناسبات الاجتماعية أو العائلية أو الرسمية".

"موظفون في الحياة الزوجية"

"رغم الانفصال الجسدي والنفسي الذي يحدث داخل البيت، فإن الزوجين يعملان على إخفاء تلك القطيعة أمام العائلة والمجتمع، ليصبحا كموظفين في الحياة الزوجية، تجمعهما لقاءات عابرة والتزامات مادية للحفاظ على شكلهما الاجتماعي والأسري أمام الآخرين، يفسر سامي نصر لرصيف22.

وعن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حدوث انفصال عاطفي وروحي بين الأزواج، يقول: "إن غياب الحوار والبرود الجنسي والعاطفي والأنانية في العواطف والصعوبات المالية، هي من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الطلاق الصامت بين الزوجين".

"الطلاق الصامت قد يكون سحابة عابرة".

وحسب سامي نصر، فإنّ "الطلاق الصامت بين الزوجين يمكن أن يكون مجرد سحابة عابرة تغيّم لفترات معينة على الحياة الزوجية، ثم ينجح الطرفان في تجاوزها، كما يمكن أن تكون ظاهرة دائمة تدوم لسنوات طويلة".

ويضيف سامي نصر قائلاً لرصيف 22: "إن للطلاق الصامت انعكاسات سلبية على الزوجين، على الأبناء وعلى الحياة الاجتماعية، مثل التشنج والغضب والإحساس بالنقص... والطلاق الصامت أيضاً هو السبب الرئيسي في ارتفاع ظاهرة الخيانة الزوجية في السنوات الأخيرة".

وينهي نصر حديثه محذراً: "الطلاق الصامت ظاهرة خطيرة تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة في تونس والمجتمعات العربية، وبما أن هذه الظاهرة مسكوت عنها ولا يبوح بها الأزواج، فإنه يصعب الحصول على إحصائيات وأرقام حولها".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard