شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عيد الأب... يذكرني أن النظام الأبوي قاتل

عيد الأب... يذكرني أن النظام الأبوي قاتل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 22 يونيو 202012:39 م

خلقت مواقع التواصل الاجتماعي، لي ولكثيرين مثلي، حالة الفومو FOMO، وهي حالة عامة تدفع الأشخاص لأن يكونوا على اتصال دائم، خوفاً من فوات حدث ما لا يُشاركون فيه، وهذه الحالة تظهر في المناسبات العامة السعيدة والحزينة في آن. فمثلاً، من الصعب جداً أن يمر عيد الأمهات في آذار/ مارس دون أن نتعرف على كافة أمهات أصدقائنا الافتراضيين وغير الافتراضيين أحياناً، وهذه النكتة على سبيل المثال نسمعها في كل عام.

البارحة عادت الفومو لتحط رحالها على صفحاتنا مع "عيد الأب"، فعندما استيقظت متأخرة كعادتي كل نهار أحد في عطلة نهاية الأسبوع، بدأت بتقليب منصات التواصل، لأجدها ممتلئة بمعايدات عيد الأب، مع صور لآباء أصدقائي ملأت فيسبوك وإنستغرام بشكل كبير. وأنا أراقب هذه الصور وأسقط أحكامي، اعتراني شعور بالخوف والهلع من كل هذه الصور، وبدأت للحظة أفكر ماذا يختبئ خلف هذه الصور المليئة بالابتسامات التي تهلل "لتاج رأس المنزل"، من قصص منسية في الجوارير وجروح نشفت ولم تلتئم؟ قد تكون الفومو دفعت بنا إلى الهاوية لنملأ صفحاتنا بهذه المعاديات ربما.

تذكرت للحظة زميلتي في العمل، التي لا تفوّت مناسبة إلا وتشارك فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تذكرت حديثاً مرة عن دور الوالد السلبي في حياتها، وكيف طبع لحظات هذه الحياة بذكوريته القاتلة، للحظة فكرت كيف سيمضي النهار عليها وهي ترى هذا الكم الكبير من الصور التي تحتفي بالآباء في يومهم هذا، ماذا تريد أن تقول لوالدها في هذا اليوم؟

تذكرت حديث  صديقتي مرة عن دور الوالد السلبي في حياتها، وكيف طبع لحظات هذه الحياة بذكوريته القاتلة، للحظة فكرت كيف سيمضي النهار عليها وهي ترى هذا الكم الكبير من الصور التي تحتفي بالآباء في يومهم هذا، ماذا تريد أن تقول لوالدها في هذا اليوم؟

ثم فكرت بقصص النساء والفتيات اللواتي تعرضن لضرب مبرح من هؤلاء الآباء تحت غطاء الذكورية والسلطة الأبوية، فكرت بالفتيات اللواتي أجبرن على الزواج المبكر أو المدبر تحت هذا الغطاء نفسه، أو قصص الأولاد الذين لم تتقبل هذه السلطة الأبوية مسار حياتهم وخياراتهم الجنسية وغير الجنسية، والذين شطبوا من إخراج القيد العائلي عنوة بسبب خياراتهم الشخصية. وفي الواقع هناك الكثير من القصص التي لم نسمع عنها يوماً ومن الصعب أن نسمع عنها، ليس لأنها انتهت بل لأن أصحاب هذه القصص قرروا/ن أن يرجعوا/ن إلى حضن الأبوية، مذعنين متناسين لخياراتهم/ن الشخصية، كيلا يدخلوا/ن في سلسلة اليأس التي عاشها البعض عندما قرر الفرار أو تغير وجهة السير.

ثم فكرت بالزوجات، زوجات هؤلاء الآباء اللواتي يطبخن وينفخن، ومع ترهل أجسادهن تترهل أيامهن، في منازل أشبه بالسجن مع سجّان يتحكم بقرارتهن وتفاصيل حياتهن.

وأيضاً الزوجات اللواتي قررن إكمال المسار وحيدات على هذا الطريق مع أطفالهن، ليواجهن أحكام المجتمع وقسوته والبيئة القريبة والبعيدة.

بعد كل هذا التفكير والحزن الذي لفّني، قررت أن أخلع بعض أحكامي المسبقة وأعترف أن العيد الحقيقي اليوم هو لهؤلاء الآباء الذين خلعوا ثوب الذكورية وحققوا العدالة والمساواة، هؤلاء الذين قرروا ترك المجتمع خلفهم والسير في صفوف النسوية، محققين ما نحتاجه اليوم وكل يوم.

في عيد الآباء هذا أشعر أكثر من أي وقت بوقع "النظام الأبوي القاتل"، أشعر به وأراه في عيون النساء والأبناء والبنات الذين قرروا مواجهة أفراد منزلهم وقد يتعرض بعضهم لعنف نفسي وجسدي يومي، أراه في عيون الأطفال الصغار الذي يربيهم النظام على "أنت صبي مش لازم تبكي" و"أنت بنت شرف العيلة"، أراه في السجون الصغير التي تسكن في غرف المنازل، في أصوات الضربات المرتفعة وفي الأفراد الذين استبدلوا عائلاتهم بأصدقاء فقط.

في عيد الآباء، أطلب من أصدقائي أن يساعدوني وغيري لأن نحتفل بعيد للآباء، بعد أن نخلع ثوب الذكورية التي تسكن داخل كل شخص فينا، وأن نسير نحو عدالة اجتماعية شاملة للجميع، علّ سجون هذه البيوت تتحول إلى جنات حقيقية

في عيد الآباء، لا أطلب من أصدقائي أن يتخلوا عن الفومو، بل أطلب منهم أن يساعدوني وغيري لأن نحتفل بعيد للآباء، بعد أن نخلع ثوب الذكورية التي تسكن داخل كل شخص فينا، وأن نسير نحو عدالة اجتماعية شاملة للجميع، علّ سجون هذه البيوت تتحول إلى جنات حقيقية.

في عيد الآباء هذا سأخبركم بقصة والد صديقي الذي أخبرني ذات صباح صيفي جميل، أنه هو من يقود القطار، وعلى جميع أفراد العائلة أن يركبوا هذا القطار لكي يقوده حسب الوجهة التي يريد هو، فما كان منّي إلى أن قررت أن أترجل من هذا القطار في أول محطة، حيث ذهبت بعدها إلى أول متجر في المدينة واشتريت دراجة لشخص واحد، لي، أقودها حيثما أريد وكيفما أريد... له ولكل الأبويين الذين يقتلوننا كل يوم، سنقود دراجتنا باتجاه الوجهة التي نريد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard